صراع الأطراف في سوريا.. خطوةٌ إضافية نحو الاستقرار السَّلبيّ

صراع الأطراف في سوريا.. خطوةٌ إضافية نحو الاستقرار السَّلبيّ

على الرغم من حالة الاستقرار النسبيّ التي تعيشها مناطق السيطرة الرئيسيّة في سوريا منذ ما يزيد عن العام، إلا أنّ “اللاحلّ” القائم هو ما يُقلق السوريين، إضافة إلى ما خلّفه ذلك من أزمة اقتصادية في جميع مناطق السيطرة، وكذلك غياب أيّ مشروع يمكن أنْ يشكّل نموذجاً يتمّ تطبيقه في عموم الأراضي السوريّة، وبقاء الخطر على السلطات الأربع الحاكمة.

تعاني سوريا اليوم من حالة الاستقرار السلبيّ الذي لا يُطمِئن أيّاً من أطراف الحرب، والذي يُبقي كافة السيناريوهات مفتوحة في طريقة التعامل مع الوضع القائم، فالولايات المتحدة لم تُبْدِ موقفاً واضحاً من مسألة بقائها في سوريا عند القضاء على بقايا تنظيم «داعش» ولا تنفكّ تُكرِّر موقفها الثابت المتعلّق بالالتزام بالعمل مع شركائها المحليين (وتعني بها قوات سوريا الديمقراطيّة) وفصائل المعارضة السوريّة المتمركزة في مثلث “التنف” الحدوديّ بين سوريا والعراق والأردن، وضمان عدم عودة “التنظيم” إلى حين الوصول لتسوية سياسيّة وفق القرار الأمميّ (2254).

تعثّر المفاوضات النوويّة بين مجموعة (5+1) وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركيّة، وبين إيران، هي عامل آخر في تأجيل الحلّ السياسيّ المرتقب في سوريا، فبقاء القوات الأميركيّة من عَدَمَه في سوريا لطالما ارتبط بوجود القوات الأجنبيّة المقاتلة في سوريا، وعبّر أكثر من مسؤول أميركيّ عن مسعى بلادهم في إخراج كافة القوات الأجنبيّة من سوريا، والتي دخلتها بعد اشتعال الأوضاع فيها عام 2011 وعلى رأسها القوات الإيرانيّة، والفصائل الموالية لها، والتي تُعتبَر من أوائل القوى التي تريد واشنطن إخراجها من سوريا، وقد تشكِّل المفاوضات النووية الجارية حالياً في فيينا فرصة لحلحلة ملف الوجود الإيرانيّ في سوريا، وربما في دول أخرى بمنطقة الشرق الأوسط.

روسيا هي الأخرى تريد إنجاز صفقة خروج هذه القوات، وإبقاء جيشها كقوة أجنبيّة وحيدة داخل الأراضي السوريّة، ويصطدم هدفها هذا بممانعة الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة، حيث تريد طهران أنْ تحتفظ بوجود عسكريّ لها في سوريا، سواء بشكل مباشر عبر ضباط تحت مسمى “استشاريين” أو فصائل عسكريّة موالية لها، تكون جزءاً من آلتها العسكريّة العابرة للحدود، وغير خاضعة لسلطات الدول المتواجدة فيها، كما في حالة “حزب الله” في لبنان، و”الحشد الشعبيّ” في العراق، وكذلك الأمر بالنسبة لجماعة “أنصار الله” في اليمن.

تلعب دمشق، حَرفياً، دور المنسِّق بين موسكو وطهران، وتمارس سياسة شديدة الدقّة بهدف إرضاء الحليفين اللدودين، بل تنسّق مع دول خليجيّة تُعادي تركيا، كي تحاول عرقلة الاتفاقات الروسيّة التركيّة حول سوريا، وتزداد مهمتها تعقيداً عند اقتراب الحلّ النهائيّ، حيث يتوجّب عليها حينها المُفاضلة بين حلفائها، والتخلّي عن التعامل مع الجميع بنفس السويّة.

تسعى موسكو لأن تكون الضامن في أية تسوية سياسيّة قادمة في سوريا، والالتزام بإخراج كلّ الفصائل من البلاد، وتشكيل حكومة سوريّة تحظى بمباركة، أو على الأقل قبول، دول الجوار، وبالتحديد إسرائيل وتركيا، وقد قطعت شوطاً كبيراً مع تل أبيب لتعويم حكومة الرئيس السوريّ بشار الأسد، وكسب الدعم العربيّ لإعادتها إلى الجامعة العربيّة، تمهيداً لانخراطها في المنظومة العربية القائمة، والتي باتت اليوم، بغالبيتها، مقتنعة أنّ احتضان دمشق هو السبيل الأمثل لإخراجها من الكنف الإيرانيّ.

وتصطدم في مسعاها هذا مع الرغبة الأميركيّة والغربيّة التي تشترط قبول الحكومة السورية الانخراط الفعلي في جهود التسوية السياسيّة، والقبول بتطبيق القرارات الدوليّة المتعلقة بالأزمة السوريّة، قبل الشروع بأيّ انفتاح على دمشق، والبدء بإعادة الإعمار.

قرار تمديد فتح معبر باب الهوى الحدوديّ بين سوريا وتركيا، والخاضع لسيطرة قوات المعارضة السوريّة الموالية لأنقرة كان متوقعاً، ولم تكن الدول الغربيّة تأمل كثيراً في تغيير الموقف الروسيّ الرافض لفتح معبر اليعربيّة بين سوريا والعراق، والخاضع لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطيّة”، ذلك أنّ الروس يريدونها وسيلة للضغط على “الإدارة الذاتيّة” كي تقبل بإعادة السيادة السوريّة على المعبر الحدوديّ، تمهيداً لإخضاعها لتسوية سياسيّة مع دمشق، وذلك بعد أن تجرِّدها من علاقتها مع الولايات المتحدة.

الأمر الذي من المستبعد أن تقبل به “قوات سوريا الديمقراطيّة” حيث ينطوي هذا الخيار على مخاطر جمّة قد تتعرّض لها ما تبقى من هذه “الإدارة”، خاصة في ظل الاتفاق غير المعلن بين كلّ من سوريا وتركيا وإيران على إسقاطها بشكلها الحالي، عبر طرق عدة، والخيار العسكريّ إحداها، وكذلك محاولات تركيا سحب بساط الحُكم من يدّ حزب الاتحاد الديمقراطيّ، عبر الضغط على حلفائه في المنطقة لإجباره على إخراج عناصر حزب العمال الكُردستانيّ من سوريا، وإضعاف القوة التي يستند عليها “الديمقراطيّ” في حُكم المنطقة منذ 2012 بشكل فعليّ، و2014 بشكل معلن، وكذلك استغلال أيّة انتفاضة شعبيّة ضد سياسات “الإدارة الذاتيّة”.

مما سبق، يبدو أن الاستقرار القائم حالياً ليس سوى بقاء للأزمة البنيويّة القائمة منذ عام 2011 وبالتالي استمرار أمد الحرب، دون أيّ ضمانات لأطراف الأزمة، والأسوأ أن ذلك لا يزيد سوى من معاناة السوريين الممتدة منذ أكثر من 10 سنوات، ولا يعطي أيّة آمال لانتهاء الوضع الراهن.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.