منذ إعلان الرئيس التونسي، “قيس سعيد”، مساء الأحد الفائت، جملةً من التدابير الاستثنائية، كان من بينها تعليق عمل مجلس النواب وإقالة رئيس الحكومة، لم تتوقّف تركيا عن إصدار العديد من التصريحات التي هاجمت فيها سعيد، في موقفٍ اعتبره مراقبون بأنه يأتي لدعم حركة “النهضة”، التي تسيطر على مجلس النواب هناك، وتدعمها أنقرة.

وزارة الخارجية التركية أبدت أمس الاثنين «قلقها البالغ جراء تجميد عمل البرلمان في تونس». وأملت في بيان، «إعادة إرساء الشرعية الديمقراطية في إطار أحكام الدستور بأسرع وقت».

كذلك استنكرت الرئاسة التركية ما أسمته «تعليق العملية الديمقراطية في تونس»، مشيرة إلى أنها «ترفض تعليق العملية الديمقراطية وتجاهل الإرادة الديمقراطية للشعب في تونس».

موقفٌ بهدف المصلحة

ينطلق الموقف التركي مما يحصل في تونس، كون أنقرة تدعم “النهضة” التي تسيطر على مجلس النواب هناك، وتقف وراء “هشام المشيشي” (رئيس الحكومة المُقال) والتي تعتبره أصوات متابعة للملف السياسي في تونس بأنه الشخصية التي تميل إليه “النهضة”، كما لو أنه “الأداة الطيعة” التابعة لها في السلطة التنفيذية هناك.

حركة “النهضة” (حركة “الاتجاه الإسلامي” سابقاً) تمثل الجناح التونسي لجماعة “الإخوان المسلمين” (تأسست في تونس عام 1972، وتم الاعتراف بها كحزب سياسي في 1 آذار/مارس 2011). تتلقى دعماً تركياً، حالها بذلك كحال التنظيمات السياسية أخرى تتبع للإخوان، سواء في سوريا أو ليبيا أو مصر.

أدى ذلك الدعم في سوريا بشكل خاص إلى إطالة أمد الأزمة السورية، دمرت خلالها الكثير من المدن، وتهجّر قرابة نصف السوريين عن منازلهم وبيئتهم.

تمدّد النفوذ التركي

لعشر سنوات، حوّل الدعم التركي حركة “النهضة” إلى ذراع تركية تتدخل في تونس سياسياً واقتصادياً، فعن طريق مجلس النواب الذي يرأسه الغنوشي حالياً، استدانت تونس الكثير من الأموال التي سمحت بزيادة السيطرة التركية.

كذلك أقر البرلمان التونسي اتفاقية (التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمار بين تونس وتركيا)، الأمر الذي ساهم إلى توسع النفوذ الاقتصادي لتركيا هناك.

تقول المؤشرات الاقتصادية إنه منذ العام 2011 استوردت تونس أكثر من 90 مادة جديدة من تركيا، فضلاً عن تضاعف حجم الصادرات التركية عدة مرات خلال هذه السنوات، من 200 مليون دولار خلال العام 2010، إلى أكثر من 4 مليارات دولار خلال العام 2019.

رغبةٌ بالسيطرة

كانت تركيا ترغب في وصول “راشد الغنوشي” زعيم “النهضة” ورئيس مجلس النواب التونسي، إلى رئاسة السلطة التنفيذية، من أجل التحكم بشؤون البلاد بشكل مطلق، بحسب ما أفاد به مصدر سياسي تونسي لـ (الحل نت).

ما يسمح لأنقرة إحكام السيطرة على تونس واعتباره البلد العربي الإفريقي الآخر بعد ليبيا، الذي يمكنها من حرية النشاط أكثر على المستويين السياسي والاقتصادي بشكل رئيسي.

فكانت حكومة “فايز السراج” الليبية (مقرها طرابلس) ذات التبعية الإخوانية مفتاح سيطرة تركيا على مناطق واسعة في ليبيا خلال العام الفائت، الأمر الذي ساعد في الهيمنة السياسية لأنقرة في ذلك البلد بالتزامن مع تدخلها العسكري ومنافستها الاستراتيجية لدول إقليمية إلى جانب روسيا.

برز التدخل العسكري بشكل مباشر آنذاك من خلال تواجد القوات التركية هناك، إلى جانب استئجار مرتزقة سوريين خاضوا معارك إلى جانب الفصائل الليبية المتحالفة مع حكومة الإخوان.

يشير المسار التاريخي للحراكات الشعبية في كل من سوريا وليبيا (انطلقت مطلع عام 2011) بأن التنظيمات السياسية التابعة لـ “الإخوان المسلمون” في تلك البلدان، ودعمتها تركيا، انقلبت على مطالب الشعب، ولم تستطع الخروج من الدوائر الضيقة لمصالحها ومكاسبها السياسية، فكانت تدور في فلك التبعية التركية  الداعمة لها، وفشلت فشلاّ ذريعاً، وأضاعت حقوق أبناء شعوبها.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.