كشف الانفجار الذي ضرب مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس آب 2020، النقاب عن نقاط الضعف الكامنة في لبنان، ما يجعله في أشد الحاجة لحمايةٍ دولية، بسبب تقاسم جيرانه البعيدين والقريبين مصالحهم على الأراضي اللبنانية.

تقريرٌ لصحيفة (LEFIGARO) الفرنسية، عزا سبب ضعف لبنان، إلى تنوّعه، حيث تعيش فيه ثمانية عشر طائفة تستمد قوتها من رعاتها.

إذ ظل لبنان مسرح المواجهة المميز بين رعاته، الذين يطمحون إلى ممارسة وصايتهم عليه وإخضاعه لهم، معتمدين على قوتهم ووجودهم المنبعث من تذبذب ميزان القوى الدولي.

الانهيار المتسلسل

تقول الصحيفة، نقلاً عن “أنطوان بسبوس” مدير مرصد الدول العربية، أن لبنان في تقسيمه الجغرافي الحالي «نجا من قرنٍ من العداء، قبل أن يسقط في الخراب والتفكك، وبسبب وقوعه بين جارتين قويتين، إسرائيل وسوريا، لم يستفد من الحماية الدولية الحقيقية لمقاومتهما».

وبعد استقلال الدول العربية، أصبح لبنان جزءاً من اللعبة الإقليمية، وسرعان ما سيطرت عليه القوى الناشئة، التي حشدت لمنفعتها طوائف وطنية داخل “أمة” لبنانية غير متحدة.

واندلعت سلسلة من الصراعات منذ عام 1969 بين منظمة التحرير الفلسطينية التابعة لـ ياسر عرفات وخصومه اللبنانيين، حيث شاركت فيها جميع دول المنطقة.

وتمزق النسيج الوطني اللبناني على نطاق واسع، لدرجة أن مفتي الجمهورية قرر في عام 1976 أن منظمة التحرير الفلسطينية هي جيش المسلمين اللبنانيين، ملمحاً إلى أن الجيش الرسمي متعدد الأديان لا يمثلهم.

الشراكة في مأساة لبنان

ولم تكن منظمة التحرير الفلسطينية هي القوة الوحيدة التي داست على سيادة لبنان. فبالإضافة إلى الدور المركزي لإسرائيل وسوريا، فإن العراق ومصر والسعودية وليبيا، في عهد القذافي، كانوا يجرون الخيوط لطرفهم أو يتدخلون بشكل مباشر في هذا الصراع الذي لم ينغلق بعد.

والغزو الإسرائيلي عام 1982، بدعم من قسم من المسيحيين اللبنانيين، الذين أرادوا تفكيك الدولة الفلسطينية التي بناها عرفات في لبنان، سمح لتل أبيب بالفوز بالكاد قبل عام من إفساح المجال للثنائي السوري الإيراني.

وبعد أن استثمرت الكثير في زعزعة استقرار جارتها وامتلاكها جيشاً في لبنان، استولى النظام السوري على السلطة بعد ذلك، بالتعاون مع الثورة الإسلامية الإيرانية، التي انتصرت للتو في عام 1979 وحلمت بتصدير ثورتها.

فجنّد “آية الله الخميني” الشيعة اللبنانيين، من خلال هيكلتهم أيديولوجياً واجتماعياً وعسكرياً. ومنذ ما يقارب من نصف قرن، فرضت دمشق، ثم طهران، رؤساء وحكومات لبنانية متعاقبة.

صناعة حزب الله

استمر الاحتلال السوري المباشر للبنان حتى اغتيال رفيق الحريري في شباط 2005، قبل أن يجبره المجتمع الدولي على الانسحاب، بتحريض من جاك شيراك صديق رئيس الوزراء المقتول.

وبعد رحيل الجيش السوري وإنشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بلبنان، تسلمت إيران زمام الأمور في البلاد بدلاً من سوريا، ووجدت تطبيقاً ملموساً لرؤيتها المسيحية هناك.

واستفاد حزب الله، الذي أُسِّس بمرسوم وقّعه “آية الله الخميني” في طهران، من استثمارات أيديولوجية وأمنية هائلة، لدرجة أنه أصبح قوة مسلحة هائلة في منطقة المتوسط، أقوى من جيش لبنان، وتخشاه إسرائيل.

تكمن قوة حزب الله اليوم في نجاحه في إنشاء تحالف عابر للطوائف يسمح له بإخفاء طبيعته الجوهرية للتنظيم العسكري تحت أوامر إيرانية وتقديم نفسه كقوة “مقاومة وطنية”.

لكن في الواقع، حزب الله يسيطر على الدولة ومؤسساتها وأموالها وحدودها وكل عمليات تهريب المنتجات المدعومة، التي جففت مصادر هذا البلد المفلس أصلاً.

الوصفة السحرية

فحزب الله هو صانع القرار الوحيد للسلام والحرب. وشعاره بسيط: يسمح لجميع عناصره بنهب البلد، بشرط تقاسم العائدات مع الحزب، وأن يترك له الأمر والقرار في جميع المجالات الإستراتيجية.

ولإنقاذ لبنان، الهش بطبيعته، من الغرق، يجب حمايته من شهوات جيرانه القريبين والبعيدين، ومنح تفويض دولي، لبعض الوقت، لممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة، بدعم من خبراء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لإحياء البلاد من أنقاضها.

وسيكونون قادرين على الاعتماد على العديد من المهارات المتكاملة التي يمتلكها هذا البلد. كما أن هناك حاجة ملحة لاستعادة الخدمات العامة الأساسية في لبنان، بينما الطبقة السياسية تنهب موارده فقط.

إن الخروج من نظام الوصاية المتعاقب والمفترس هو المخرج الوحيد الذي يعطي الأمل للبنانيين، الذين يحلمون بوقف سقوطهم في الجحيم.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.