أزمة اللجوء في تركيا: هل ستستطيع المعارضة التركية طرد اللاجئين السوريين في حال وصولها للحكم؟

أزمة اللجوء في تركيا: هل ستستطيع المعارضة التركية طرد اللاجئين السوريين في حال وصولها للحكم؟

أطلق “تانجو أوزجان”، رئيس بلدية ولاية “بولو”، الواقعة شمال غربي تركيا، تصريحات نارية، أعلن فيها رفع تسعيرة الماء والمحروقات الصلبة عشرة أضعاف، على المهاجرين الأجانب القاطنين في بلديته.

وعبّر “أوزجان” عن رفضه لتواجد اللاجئين السوريين في تركيا، مدّعياً أن «85% من المواطنين الأتراك يرفضون تواجد اللاجئين بينهم».

مجلس بلدية “بولو” وافق على قرار “أوزجان”، المنتمي لـ”حزب الشعب الجمهوري” التركي المعارض، محولاً إياه للجنة التخطيط التابعة للمجلس.

ورفعت الرابطة الرسمية لحقوق الإنسان في تركيا، إضافة لمجموعة من نواب حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، ومنظمات حقوقية مختلفة، دعوى قضائية ضد “أوزجان”، عقب تصريحاته، التي وصفوها بـ«العنصرية، وغير المعبّرة عن آراء الشعب التركي».

كما أنتقدت عدة مؤسسات عامة تلك التصريحات، فيما شدد “أمر الله إيشلير”، النائب عن حزب “العدالة والتنمية”، على أن «تركيا ملتزمة بواجبها الإنساني، ومساعدة المحتاجين، بغض النظر عن جنسيتهم وانتمائهم».

وذكرت تقارير إعلامية أن «مواطناً تركياً، يقطن في ولاية “بولو”، قد رفع شكوى جنائية ضد “أوزجان”، لدى مكتب المدعي العام التركي، بتهمة إساءة استخدام المنصب، والتحريض على الكراهية والعداء».

كما أطلق ناشطون وصحفيون سوريون مبادرة إعلامية بعنوان “أنا إنسان”، تهدف لمخاطبة الرأي العام التركي، وتقليل الاحتقان ضد اللاجئين في ولاية “بولو”، التي يقيم بها أكثر من ثلاثة آلاف لاجئ.

وتتصاعد موجة الخطاب العنصري ضد اللاجئين السوريين في تركيا بالآونة الأخيرة، خاصة مع اقتراب الانتخابات النيابية التركية، المزمع إجراؤها العام القادم. وسط تخوفات من ترحيل اللاجئين السوريين من البلاد، في حال فوز المعارضة التركية بالانتخابات.

 

دوافع التصريحات

الباحث السوري “فادي الخلف” يؤكد أن «مثل هذه التصريحات غير جديدة، إذ سبقتها عديد من الهجمات على الجالية السورية والعربية المتواجدة في تركيا».

مضيفاً، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «موجة الكراهية ضد اللاجئين مرتبطة بارتفاع نسب البطالة بين الشباب الأتراك، وتفضيل أصحاب العمل لليد العاملة السورية، بسبب رخصها، في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع المنزلية الأساسية».

وأشار إلى «تأثير بعض المناهج الدراسية، المعتمدة سابقاً في تركيا، على صورة العرب في البلاد، عبر تأكيدها على غدر العرب بالأتراك خلال الحرب العالمية الأولى، وعلاقتهم بانهيار الدولة العثمانية. هذه الأفكار يتم زرعها في الأطفال، وما زال القوميون الأتراك يؤمنون بها».

ويقدّر عدد الجالية السورية في تركيا بأكثر من أربعة ملايين شخص، كما من بينهم نحو ثلاثة ملايين وثمانمئة ألف تحت الحماية الدولية، وحوالي مئتي ألف مقيم بشكل شرعي، حسب إحصائيات دائرة الهجرة التركية.

 

الاستثمار في القومية التركية

“د.عبد الله الشمري”، المختص بالتاريخ السياسي للشرق الأوسط، يرى أن «بعض الأحزاب التركية، ومنها “حزب الشعب” المعارض، يحاول الاستثمار في نزعة قومية تركية عدائية تجاه الآخرين، ومتحيّزة لكل ما هو تركي. وهذه النزعة لا تظهر فقط في التعامل مع اللاجئين، بل أيضاً في قضايا عدة، مثل الموقف التركي في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان».

مضيفاً، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «العمل على إحياء أسوأ ما في القومية التركية مرتبط بمطامح سياسية لدى المعارضة بالدرجة الأولى، التي تعمل على المزايدة قومياً على الحكومة التركية، ذات التوجه الإسلامي-القومي».

وكان “كمال كليشدار أوغلو”، زعيم “حزب الشعب الجمهوري”، قد صرّح أنه «سيعمل على ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا خلال سنتين، حال تسلّم حزبه للسلطة، من خلال إجراء صلح مع نظام بشار الأسد».

 

هل يمكن إجبار اللاجئين على الرحيل؟

وحول مصير اللاجئين مع تصاعد هذه النوع من الدعوات يرى “فادي الخلف” أنه «من غير الممكن حالياً طرد اللاجئين المتواجدين في تركيا، بسبب الاتفاقيات التي وقعتها الحكومة التركية مع الاتحاد الأوربي، لذلك تلجأ المعارضة التركية للضغط باتجاه سياسة “الإجبار الطوعي على الرحيل”، من خلال التضييق على اللاجئين بالوسائل القانونية المتاحة، مثل زيادة المستحقات الخدمية؛ وعدم منح التسهيلات في التعاملات الإدارية؛ وتشديد قوانين الإقامة».

ويستدرك بالقول: «إلا ان مثل هذه السياسية، وإخلال تركيا بتعهداتها الدولية تجاه اللاجئين، سيؤدي الى خلخلة الاقتصاد التركي المحلي، الذي يشكل الوارد الأجنبي ما يقارب 30% من حجمه، حسب تحليلات اقتصادية تركية».

يُذكر إن تركيا وقعت ثلاث إتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي، في آذار/مارس 2016، لضمان إيواء اللاجئين في تركيا، إلى حين إيجاد حل بديل لأزمة اللجوء. وتضمّنت الإتفاقيات تقديم دعم مالي أوربي للجهود التركية في استضافة اللاجئين، إضافة لتسهيلات تجارية أخرى، مع التأكيد على تجميد هذا الدعم، إذا أخل أحد الطرفين بشروط الاتفاق.

أما عن تصريحات “أوغلو” حول إعادة اللاجئين السوريين فيرى “الخلف” أنها «مجرد أحاديث للاستهلاك الإعلامي المحلي، ولا إمكانية لتنفيذها لأسباب عدة، أهمها الضغط الأوروبي والعالمي، وارتباط أمن تركيا الداخلي بالمناطق الحدودية السورية والعراقية، التي تشهد عمليات عسكرية تركية، ولذلك لا مصلحة لتركيا بخلق فوضى سكانية في تلك المناطق».

 

حل الأزمة

“د.عبد الله الشمري” أكد أنه «لا توجد حلول مطروحة حالياً لأزمة اللاجئين في تركيا، فالوضع السوري لم يشهد تحسّناً ملموساً، وكذلك الحال بالنسبة للعراق وليبيا. وتركيا تتحمّل معظم أعباء استقبال اللاجئين من هذه البلدان، رغم الدعم الأوروبي، وتظهر بشكل واضح الآثار السلبية لكثافة اللاجئين في البلاد، من خلال عدم استقرار سوق العمل وتصاعد المشاكل الاجتماعية».

وفيما يخصّ اقتراحات بعض الأطراف التركية بإعادة اللاجئين السوريين إلى مناطق شمال سوريا يعتقد “فادي الخلف” أنها «غير واقعية، بسبب الضغط الحالي على المخيمات الموجودة في الشمال السوري؛ واستحالة توفير مخصصات مادية لبناء مدن جديدة هناك؛ وإقامة مشاريع اقتصادية لتشغيل السوريين الهاربين من الحرب؛ فضلاً عن ضرورة تأمين منطقة إقامة اللاجئين من الهجمات العسكرية، التي قد تشّنها أطراف مختلفة، وخاصة القوات الحكومية السورية، وهذا يتطلّب، إضافة إلى تواجد قوي للقوات التركية، اتفاقيات ترعاها المنظمات الدولية، وإلا فإن المنطقة، التي سيُرحّل إليها اللاجئون في الشمال السوري، ستعتبر كياناً منشقاً داخل الدولة السورية، شبيهاً بقبرص التركية مثلاً، التي لا تتمتع بأية شرعية دولية».

ويختتم حديثه بالقول: «هناك حل آخر، وهو توزيع اللاجئين على عدد من الدول القادرة على استقبالهم، لتخفيف العبء عن تركيا، إلا أنه لم يحدث أي تقدم بهذا الخصوص، رغم التصريحات والمقترحات الكثيرة، التي طُرحت حول إعادة التوزيع».

يُذكر أن حكومة حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا حاولت بدورها استغلال ورقة اللاجئين في خلافاتها مع دول الاتحاد الأوروبي، من خلال التلويح، أكثر من مرة في الفترة الماضية، بفتح الحدود لهجرة اللاجئين نحو دول الاتحاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.