يقطع محبو المشروبات الكحولية في وسط وجنوب العراق مئات الكيلومترات للوصول إلى بغداد، بهدف شراء ما يرغبونه من خمور، رغم أن القانون والدستور العراقيين لا يمنعان بيع الكحول في أية منطقة من البلاد.

وقبل تغيّر النظام السياسي في العراق عام 2003 كانت المشروبات الكحولية متوفرة في جميع المحافظات والمدن العراقية، بما فيها المدينتان المقدستان لدى الشيعة: #النجف وكربلاء. إلا أن ميلشيا #جيش_المهدي، التابعة للتيار الصدري، قامت بعد ذلك التاريخ بتفجير كثير من محال بيع المشروبات، وقتل أصحابها، ما أدى إلى اختفائها تماماً من الجنوب العراقي.

ورغم كل هذا ما زالت تجارة المشروبات الكحولية رائجة في السوق السوداء بمدن الجنوب، ويتم تهريبها، رغم المخاطر الكبيرة، لتصل إلى مستهلكيها، تحت حراب ميلشيات الإسلام السياسي.

 

تجارة سرية

(س،ع)، مهرّب مشروبات كحولية في إحدى المحافظات الجنوبية، أكد لموقع «الحل نت» أن «عمليات التهريب لا تخلو من الخطورة، وربما كانت غير ممكنة لولا بعض التسهيلات التي نشتريها بالنقود، من خلال دفع بعض الرشى لعناصر وقادة الميلشيات في المنطقة، إضافة إلى الأساليب التي نبتكرها ونطوّرها لإخفاء البضاعة».

ويضيف المُهرّب، الذي رفض، كما هو متوقع، كشف أي تفاصيل عن هويته ومكان إقامته: «أكبر مشكلة نواجهها هي اضطرارنا لتغيير أماكن تخزين المواد الكحولية بشكل دوري، تحسّباً للمداهمات التي قد تنفذها الميلشيات، في حال تأخّرنا عن دفع الرشى التي يطلبها قادتها. وكل هذه العوامل تؤثر على سعر بيع الكحوليات في الجنوب، حيث تباع بأضعاف سعرها في بغداد، ما يجعل كثيراً من الجنوبيين يفضّلون السفر إلى العاصمة لشراء ما يرغبون، وتهريبه إلى مدنهم وبلداتهم بأساليبهم الخاصة، رغم المخاطر».

 

المخدرات بدلاً من الكحول

انحسار تجارة المشروبات الكحولية في مناطق وسط وجنوب العراق ساهم بشكل كبير في انتشار المخدرات، لسهولة تداولها ونقلها وإخفائها، وأيضاً لأن الميلشيات الإسلامية أقل تشدداً في ردع متعاطيها.

وتعلن قوات الأمن العراقية، بشكل يومي، مصادرة كميات كبيرة من المواد المخدرة في محافظات الوسط والجنوب، ومن بين تلك المواد الحشيشية و”الكريستال” و”الكبتاغون”، فيما تؤكد منظمات محلية أن السجون العراقية باتت ممتلئة بالمتعاطين والمتاجرين بالمخدرات.

ويُرجع “جوزيف صليوا”، النائب السابق في #مجلس_النواب_العراقي، تفشي انتشار المخدرات في تلك المناطق إلى «سيطرة أحزاب الإسلام السياسي على القرار الأمني، فهي تمنع الخمر وتتساهل مع المخدرات، كما أنها تشارك في تجارة المواد المخدرة، بل وتسعى لاحتكار السيطرة على هذه التجارة، التي تدرّ عليها أموالاً طائلة».

“صليوا” يقول لموقع «الحل نت» إن «المليشيات المسيطرة على الملف الأمني في الجنوب تمنع الكحول بحجة أن المجتمع هناك ملتزم دينياً، وفي  الحقيقة فإن ما يدخل من كحول إلى المحافظات الجنوبية لا يقلّ أبداً عما تستهلكه بغداد».

وفي السياق ذاته يؤكد الموظف الحكومي “ح، ع” لموقع «الحل نت» أن «الإجراءات المتّبعة في الجنوب لا تؤدي إلى تراجع نسبة متناولي الكحول، بل على العكس تدفعهم للمغامرة، ومحاولة تجربة كل أنواع الكحول المتوفرة، في ظل وجود كبت مجتمعي كبير للحريات الشخصية؛ ومن جهة أخرى تشجّع كثيرين على تجربة المخدرات، بوصفها بديلاً آمناً نسبياً عن الكحول».

 

موقف قانوني

وعلى الرغم من أن كثيراً من الإدارات المحلية في محافظات الوسط والجنوب قررت عدم السماح لمحال بيع المشروبات الكحولية بمزاولة عملها، إلا أن القانون العراقي لا يمنع الاستهلاك الشخصي للكحول من قبل المواطنين، ويبقى الأمر مرهوناً بمزاج القائمين على الميلشيات، الذين لا يكتفون أحياناً بالقبض على متعاطي الخمور، بل أيضاً يقومون بإذلالهم والتشهير بهم بشكل علني.

فضلاً عن هذا يقوم بعض القضاة، المتعاطفين مع الإسلام السياسي، بالالتفاف على القوانين، وإنزال أحكام قاسية بمتعاطي الكحول.

الخبير القانوني “جمعة المياحي” يقول إن «القوانين العراقية تمنع المتاجرة بالمشروبات الروحية دون تصريح أمني، لكن الانتهاكات، التي يتعرّض لها بعض المواطنين، الذين ينقلون أو يخزّنون كميات صغيرة من الكحول، لغرض الاستخدام الشخصي، غير قانونية على الإطلاق».

ويتابع “المياحي” في حديثه لموقع «الحل نت»: «يتعامل القانون العراقي مع الكميات الكبيرة من الكحول، التي يتم نقلها وتخزينها بغرض الإتجار بها دون تصريح أمني، على أنها جنحة، لا يتجاوز حكمها التسعة أشهر، ولكن الميلشيات، والأجهزة الأمنية الحكومية الخاضعة لها، تتعامل مع تجّار الخمور بشكل مخالف للقانون، فتقبض عليهم لفترات طويلة، وتصوّرهم، كما تفعل مع الإرهابيين، بغرض التشهير بهم».

ويختتم حديثه بالقول: «هذه الميلشيات والأجهزة الأمنية لا تهتم بالقانون إطلاقاً، وما يهمها هو فرض هيمنتها الاجتماعية».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.