تفرض الظروف الاقتصادية في سوريا واقعا مريرا لا يخفى على أحد، ولعل النساء من الأكثر معاناة مع عادات متجذرة مع نظرة المجتمع والتربية التي تفرض منذ الصغر على المرأة ممارسة دورها الإنجابي وحصرها فيه أحيانا، متسببة للمرأة بضغط نفسي وجسدي كبير.

وهذا قد يكون أحد الأسباب التي تدفع بعض النساء السوريات اليوم –وعلى قلة عددهن- إلى اللجوء لـ “تجميد البويضات” خوفا من الزمن أن يحرمهن الأمومة، وفق رأيهن.

وتجميد البويضات، والذي يعرف أيضا باسم حفظ الخلية البيضية الناضجة بالتجميد، طريقة تستخدم للحفاظ على قدرة النساء على الحمل في المستقبل، بحسب موقع “مايو كلينيك”.

حيث تُستخرج البويضات من مبيضي المرأة وتُجمد غير مخصبة وتحفظ للاستعمال لاحقا. كذلك يمكن إذابة البويضة المجمدة وتلقيحها بالحيوان المنوي في المعمل ثم زرعها في رحم المرأة (التلقيح الصناعي).

تجميد البويضات.. الطب يشرح ويضع مبررات

إن ازدياد إقبال العازبات على تجميد البويضات زاد من سعي النساء لمعرفة تفاصيل أكثر حول العملية وتقنياتها.

الطبيب زكريا باشا، استشاري أمراض النساء والتوليد وأطفال الأنابيب والحـقن المجهري، يقول في حديثه لـ”الحل نت”، إن ” تتراوح نسب نجاح تجميد البويضات، ما بين 30-60 بالمئة، اعتمادا على سن المرأة عند جمع البويضات، والفترة التي تخضع فيها للتجميد”.

وعن المخاطر التي قد تتعرض لها المرأة يضيف “جسديا ثمة مخاطر ضئيلة، لكنها موجودة، ترتبط بالمراحل المختلفة للعملية. مثلا إن هرمون الخصوبة الذي يحفز إنتاج البويضات يتسبب في انتفاخ المبيض، وأحيانا الإصابة بالدوار والقيء وآلام في البطن. وفي حالات نادرة، قد يتطور الأمر إلى مخاطر تهدد الحياة. لكن نفسيا أعتقد انه خيار مثالي للسيدات بمنحهن الأمل بألا يفقدن الحلم بالأمومة مع مرور الوقت، خصوصا أن لجوء السيدات لإجراء مماثل قد يكون بسبب حالة طبية أو ظروف صحية يمكنها التأثير على الخصوبة مثل فقر الدم المنجلي، وأمراض المناعة الذاتية ومعالجة السرطان بالإشعاع أو العلاج الكيماوي”.

إيقاف الساعة البيولوجية تتحدى عراقيل المجتمع

السيدة مروى محمد، وهو اسم مستعار لإحدى السيدات المنتظرات لدورهن في بهو مشفى خاص في دمشق يجري عملية تجميد للبيوض، تبتسم بخجل لدى سؤال “الحل نت” عن قرارها الذي اتخذته واستعدادها النفسي والمادي له فتقول: “لا تسألوني عن المال فهي عملية مكلفة جدا وكل مرحلة من العملية تتطلب دفع مبلغ مرقوم، لكن اسألوني عن الأمل الذي سوف أحيا به. فأنا أبلغ التاسعة والثلاثين وعملي الوظيفي استثمرته منذ سنوات لأجمع تكاليف العملية التي اعتبرها أمانا لأمومتي، فظروف البلد قد لا تسمح بزواجي في السنوات القادمة إلى أن أجد الشريك المناسب فعلا”.

وعن رأي الأهل والأقارب تضيف: “بالتأكيد لم أخبر سوى والدتي بالأمر وأخي في الإمارات الذي أعانني بمبلغ مالي، وإلا ما الداعي لأستفتي رأي مجتمع كل ما سيسأل عنه هو هل ستفقدني العملية عذريتي أم لا”.

سهيلة مجذوب توافق مروى رأيها وهي صيدلانية لجأت إلى تجميد بويضاتها قبل أن تبدأ رحلة علاجها من سرطان الثدي، وتقول لـ”الحل نت”: “رغم تأكيد الطب اليوم إمكانية تجميد البويضات عن طريق المستقيم أو البطن، لكننا ما نزال محكومون بالعادات البالية، عني لم أسأل عن الأمر خصوصا مع موافقة والدي وخطيبي حينها، وأجريت عملية تجميد البويضات منذ سنتين ونصف بالطريق المهبلي لأنه يعد أضمن من ناحية سلامة البويضات أيضا صحيا”.
ومنذ حوالي عام، قررت ثراء الأحمد (اسم مستعار) ذات الأعوام الثانية والأربعين تجميد بويضاتها وكانت مرتبطة بشاب وبسبب ظروف الحرب واضطراره للسفر، تأجل زواجهما. وحفاظا على حقها في الأمومة والارتباط بمن ترغب دون الخضوع لضغط العمر، وبعد نقاش مع الطبيب، قررت إجراء العملية مع المحافظة على العذرية.

تصف ثراء مشاعرها للحل نت: “كنت أعيش حالة قلق وتوتر مع صراع كبير بين فقدان القدرة على أن أصبح أما، وما يترتب عن ذلك من خسارة الشريك الذي انتظره، وبين مخاوفي من إجراء العملية ونظرة المجتمع إليّ حين اتخاذ القرار. لكني أخذت رأي خطيبي وموافقته ولجأت للعملية بانتظار عودته دون خوف من فوات الأوان”.

سامر الشوا طالب في كلية الآداب بجامعة دمشق، له رأيه كشاب في عملية تجميد البويضات ويقول لـ”الحل نت”: “أنا مع الطب وتطوره خصوصا بكل ما يتعلق بقصص الزواج والانجاب في هذه الظروف التي زاد فيها تأخر الزواج عند الجنسين. لكن برأيي لابد من موافقة الأهل درءا للمشاكل الأسرية التي قد تحصل”.

الدين يقف متأرجحا بين الرفض والقبول

لطالما كانت المسائل المتعلقة بالتزاوج والنسب ذات حساسية معقدة عند رجال الدين بكل أطيافهم، الشيخ طلال سلواية، أحد أعضاء “مجمع كفتارو الديني” في دمشق، أعطى رأيه لـ”الحل نت” وشرح موقف الدين الإسلامي قائلا: “الشرع بمقاصده السامية لا يمنع العملية باعتبارها لا تمثل تعديا على الأعراض، بشرط ألا يجعل من تلك البويضات محلا لنطاف رجل لم تربطه بهذه المرأة صيغة شرعية، وبالتالي المحذور انتفى هنا. إذا إن الشرع في الإطار العام الشرعي لا يلحظ منعا لتجميد البويضة على اعتبار مهم وهو أن هذه البويضات المجمدة حسب الأصول الطبية الدقيقة السليمة تحفظ في درجات حرارة منخفضة جدا باسم الحالة التي رغبت في تجميد بويضاتها. هذا الحفظ بالاسم الشخصي يجعل من هذه البويضة مستعدة للإلقاح من حيوان منوي هو للزوج عن طريق شرعي ممثلا بالعقد الشرعي القائم بين الزوجين”.

القانون السوري مكتفي بتعميم وزارة الصحة

المحامية وفاء الدنيا، أوضحت لـ”الحل نت” عدم صدور قانون صريح بشأن مسألة تجميد البويضات وقالت: “حتى الآن لم يصدر أي قانون يمنع أو ينظم عملية تجميد البويضات، فالعملية غير مخالفة قانونا وفي الوقت نفسه غير منظمة، إلا في حال وجود كتاب معمم من قبل وزارة الصحة يضع شروطا وتوصيات، أو عندما يصدر قانون يمنع إجراءها فتعتبر مخالفة، ولكن حتى الآن لا يوجد ما يفرض المنع، ولا تترتب عليها أي مساءلة قانونية”.

وأضافت مؤكدة جواز التجميد بما لا يمنع المشافي من إجرائها: “وزارة الصحة أصدرت مؤخرا القرار أو التعميم رقم تسعة الذي يوضح تفاصيل جواز إجراء عملية التجميد، مع ضرورة التأكد من جاهزية المخابر المتخصصة والكوادر الطبية البشرية المؤهلة فنيا والامكانيات التقنية، تم استحداث تأطير قانوني وعلمي لتجميد البويضات والوزارة حاليا بصدد إصدار قانون لتنظيم آلية عمل مراكز الإخصاب”.

في ظل صعوبة الحصول على أرقام دقيقة لعدد النساء السوريات اللواتي لجأن لعملية مماثلة خصوصا أن بعضهن أجرينها في الخارج حيث يقمن بعد هجرتهن. إلا أن المصادر تؤكد أن عملية تجميد البويضات في ازدياد بالرغم من تكلفتها الباهظة حيث تصل في سوريا إلى خمسة ملايين ليرة سورية بحدها الأدنى.

ولم تثنيهن أيضا نتائج الأبحاث التي أجرتها مراكز أبحاث “إمبيريال كوليدج لندن” وتوكيدها أن فرص الحمل بالبويضات المجمدة ضئيلة نسبيا. حيث أكدت أن نسبة البويضات المجمدة التي تؤدي إلى الحمل بين النساء دون سن 36 عاما هي 8.2 بالمئة. وتنخفض ​​هذه النسبة إلى 3.3 بالمئة لدى النساء بين سن 36 و39 عاما. ومعدل نجاح الحمل والولادة الحالي للنساء اللواتي يحاولن الحمل باستخدام تجميد البويضات هو 18 بالمئة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.