في ظل تزايد حدة الأزمة الاقتصادية في سوريا، تتزايد المشاكل الاجتماعية معها بمختلف أنواعها وأحجامها. وقد ارتفعت نسبة العنف الأسري، خاصة بالنسبة للنساء، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الطلاق وعدم رغبة الجيل الشاب في الزواج أو الإنجاب. وتتعدد الأسباب وراء كل ذلك، إلا أن التدهور المتسارع للأوضاع المعيشية في البلاد أدى إلى تفاقم هذه المشاكل.

لا شك أن تزايد وتراكم المشكلات الاجتماعية في أي مجتمع يحمل في طياته العديد من الآثار والتداعيات السلبية، حيث يهدد ذلك بنية المجتمع وتفكيك الأسرة والمجتمع ككل، مما يترتب عليه مشاكل وظواهر اجتماعية أخرى، مثل ارتفاع معدل الجرائم والسرقات وانتشار الجهل بسبب عدم استكمال المراحل التعليمية.

زيادة معدل العنف والطلاق

لم تعد مشكلة العنف الجسدي هي المشكلة الوحيدة التي تعاني منها المرأة في المجتمع السوري. بل هناك معضلة العنف النفسي التي يتعرضون لها بشكل متكرر في حياتهم، سواء كانوا متزوجين أو عازبين. وقد أصبح هذا النوع من العنف ظاهرة مقلقة تهدد أمن وسلامة الأسرة والمجتمع على حد سواء، خاصة وأن الأطفال هم الضحايا بعد انفصال والديهم، وفق تقرير لصحيفة “البعث” المحلية قبل يومين.

الأخطر من ذلك أن نسبة كبيرة من جرائم العنف النفسي داخل الأسرة تبقى سرية برضاهم لأنها تضع في مقدمة أعذارها ضغوط الحياة الذي يتعرض له الزوج، مما يجعله يعتبر هذا العنف عاديا أو حقا من حقوقه ضد زوجته. وتسرد هنا السيدة غصون بشجن وألم عن تجربتها الزوجية الفاشلة التي استمرت 15 عاما وانتهت بالطلاق والحرمان من أولادها الأربعة.

هذه السيدة المعنّفة كانت تعرف ضمنيا أنه ليس بإمكانها التخلص من الزواج من خلال القضاء، “فكبست على الجرح ملحا” بحسب قولها وتحمّلت عنف زوجها، وكانت في كل مرة تسامحه من أجل أولادها، لكن زوجها لم يتغير في معاملته القاسية لها مما خلق لها الكثير من الأذى الجسدي والنفسي، حتى أطفالها تأذوا كثيرا.

حال هذه السيدة ربما أفضل بكثير من حال العديد من النساء في المجتمع السوري، نظرا لأن أهلها وقفوا بجانبها حتى تخلصت من هذا الزواج الذي لم يكن سوى ندبة في حياتها، وإلا ربما كانت أقدمت على الانتحار، لكن بفضلهم تجاوزت محنتها، حيث قدموا كل الدعم لها بأخذ القرار بالمواجهة والدفاع عن كرامتها، حتى تستطيع أن تدخل في معركة محاكم الطلاق التي هي غالبا طويلة الأمد، ولكنها استطاعت النجاة بأقل الخسائر، كما تروي غصون.

وضع السيدة وداد ليس بأفضل منها، حيث أُجبرت على الزواج من رجل أكبر سنا منها، ورغم أنه أظهر لها كل الحب والاحترام في بداية زواجهما، إلا أنه انقلب رأسا على عقب وبدأ يعاملها كخادمة، يضربها ويهينها على أتفه الأسباب. حتى أصبحت حياتها جحيما. وتوضح للصحيفة المحلية أنه رغم المحاولات العديدة لإصلاح علاقتهما، إلا أنه استمر في تعذيبها وإذلالها، حتى أمام أسرتها، فتحولت حياتها إلى سجن مليء بالتعذيب النفسي والجسدي، فقررت الهرب ومن ثم طلب الطلاق ويترك ابنتين ورائها.

آراء الخبراء

بدورها أوضحت الدكتورة بيلاجيا يازجي اختصاصية الطب النفسي وعلاج الإدمان، أن خطورة العنف الجسدي والنفسي تؤدي حتما إلى إصابة النساء المعنفات بأشد وأخطر أنواع الاكتئاب، مما يدفعهن إلى الانتحار. كما أن بعض أنواع العنف تحول المرأة إلى عديمة الإحساس وغير قادرة على تكوين شخصية سليمة.

يازجي ذكرت إحدى الحالات التي راجعت عيادتها وهي لفتاة في عمر الـ25، تعرّضت لعنف نفسي في طفولتها لأنها نشأت في عائلة مكوّنة من الإناث فقط، المجتمع والدين لا يرغبان بوجودها وكانت دائما تتعرّض للتنمر على شكلها ولون بشرتها على اعتبارها أغمق قليلا من لون بشرة أخواتها، ما جعل منها فتاة غير مستقيمة ذات سلوك خاطئ، تحاول بشتى السبل لفت نظر الجنس الآخر وجذب الانتباه.

كما وأشارت يازجي إلى أن 65 بالمئة من الحالات التي تراجع الأطباء النفسيين هي من المراهقات اللواتي تعرّضن للابتزاز الجنسي وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والـ35 بالمئة الأخرى هن من السيدات المتزوجات عبر الزواج التقليدي ورغبتهن بالعلاج ليستطعن تنشئة أبناء أسوياء نفسيا.

من جانبها بيّنت الاختصاصية الاجتماعية ايلين نصر الله أن العنف النفسي يأتي غالبا مرافقا لكافة أنواع العنف الأخرى، ويأتي منفردا كذلك في حالات قليلة تكاد لا تُذكر، موضحة أشكال وأنواع العنف الأسري، حيث لا يمكن الفصل بينه وبين العنف الجسدي، لأنهما في معظم الحالات يجتمعان سوية، ولكن ثمة نوع من العنف يعتبر الأخطر وهو العنف الاقتصادي كتقصير الزوج في الإنفاق على زوجته وأسرته.

يبدو أن أعمال العنف الأخيرة تتزايد بشكل ملحوظ في المجتمع السوري، وفي كثير من الحالات لا يكون ذلك متعمدا من قبل رب الأسرة. وهو نتيجة للواقع الاقتصادي الهش الذي يعيشه جميع السوريين اليوم.

أسباب اقتصادية

تعتبر سوريا من الدول التي ارتفعت فيها معدلات الطلاق والعنف الأسري بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، فضلا عن ارتفاع معدلات عدم الرغبة في الزواج والارتباط أو حتى الإنجاب، وذلك لأسباب تتمحور حول الجانب الاقتصادي والاجتماعي.

فقد بيّنت تقارير اجتماعية مختصة، أنه نتيجة الوضع الاقتصادي المأزوم في سوريا وعدم قدرة الرجل على تحمّل تكاليف معيشة أسرته، فإن هذا الحال ينعكس على الترابط الأُسري أيضا، لأن الثقافة السائدة تفرض على الرجل أن يتحمل مسؤولية تأمين المصاريف، ولأنه يعجز عن ذلك تشعر الزوجة في الغالب بعدم الرضى عن الحياة معه.

من الواضح أن الوضع الاقتصادي المتدهور في جميع أنحاء البلاد ينعكس سلبا على جوانب مختلفة من الحياة، مما يدفع الشباب اليوم إلى التفكير مليا في قرار الزواج وتكوين أسرة، خاصة وأن العقبات كثيرة وتزداد يوما بعد يوم، بالإضافة إلى عدم وجود فُرص عمل جيدة.

بالتالي بات الزواج بالنسبة للكثير منهم مجرد حلم لن يتحقق مع استمرار الأزمات في سوريا، وكل يوم تزداد رغبة الشباب في الهجرة إلى الخارج.

المحاكم في مختلف المحافظات السورية، تغص بدعاوى التفريق، والمؤلم أن الأبناء والأطفال بشكل خاص هم من يدفعون الثمن.

تقرير سابق لصحيفة “البعث” المحلية، أشار إلى أن الحرب خلال السنوات العشر الماضية ضيّقت الخناق على الشباب السوري وجعلت أحلامه تتلاشى ببناء أسرة، وسط غلاء مستلزمات الزواج وصعوبة تأمين وفتح بيت، بل وحتى استئجاره، فأسعار البيوت خيالية وإيجارها بأرقام غير مسبوقة لا يقدر على تحمّلها العرسان الجدد. لذا لا عجب أن يتحوّل يوم الفرح إلى كارثة مادية تطيح بأحلامهم المستقبلية وتستنفذ نقودهم ومدّخراتهم التي لم تعد لها قيمة أمام انخفاض القيمة الشرائية لليرة.

تقرير آخر لذات الصحفية المحلية يقول إن المحاكم في مختلف المحافظات، تغص بدعاوى التفريق، والمؤلم أن الأبناء والأطفال بشكل خاص هم من يدفعون الثمن. في محافظة حماة على سبيل المثال لا الحصر، أفاد مصدر في دائرة نفوس صبورة، أن معدلات الطلاق في العامين الأخيرين وصلت إلى 200 بالمئة، مسجلة ارتفاعا عن الأعوام السابقة بمعدل 60 أو 70 حالة طلاق في العام، وذلك ضمن نطاق الناحية فقط، في الوقت الذي لم تكن تتجاوز في الأعوام السابقة 3 حالات سنويا.

بالعودة إلى الاختصاصية الاجتماعية، فقد بيّنت الآثار السلبية الخطيرة للعنف الجسدي والنفسي الذي يصنع من المرأة شخصية جبانة وضعيفة، وتضطر أحيانا للكذب لحماية نفسها من العنف، وفقدان الثقة بالشريك بشكل خاص وبالمجتمع من الطرف الآخر، وهذا ما قد يدفعها للانتقام بصورة غير سليمة مثل “القتل، الانتحار، الإدمان على المخدرات، أو السرقة”.

أما الآثار الاجتماعية فتتجسّد في ارتفاع نسب الطلاق وبالتالي التفكك الأسري، وتأثر العملية التربوية، فالعنف له تداعيات سلبية كبيرة على الأم وبالتالي الأطفال الذي هم عماد مستقبل أي مجتمع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات