في تقرير محلي حديث صُدر مؤخرا، أشار إلى أن هناك شهادات لنساء تعرضن للتحرش، تبيّن مدى تساهل القانون السوري مع المتحرش، ودائما ما يلوم المجتمع الضحية على هذه الحوادث. التحرش سواء كان “لفظيا أو جسديا” ظاهرة تنتشر في المجتمع وتُعد شكلا من أشكال انتهاك حقوق المرأة، وتُعتبر تعدّيا على خصوصيتها ومساحتها الآمنة.

في قانون العقوبات السوري تتناول هذه الجريمة، المادة /506 / التي تنص على أن كل من يتعرض لقاصر لم تبلغ الخامسة عشرة من عمرها أو فتاة أو امرأة تجاوزت الـ 15 من عمرها من خلال فعلٍ مخلّ بالآداب العامة أو مخاطبة أحدهم بالكلام الفاضح، عوقب عليهم بالحبس من يوم إلى ثلاثة أيام أو بغرامة لا تزيد عن 75 ليرة سورية، وهو ما تعتبره النساء تساهلا مع المتحرش، ذلك لأن المبلغ المذكور لا يشتري سندويشة فلافل، ولا يُعرف حقا سبب عدم تعديل هذه العقوبة في القانون السوري حتى الآن، رغم التضخم الكبير في البلاد.

شهادات عن التحرش

“هل وقفت يوما في طابور الخبز وشعرت بأن يد أحد الذكور تلامس أعضاءك، هل قال لك سائق السرفيس لوين رايح القمر. هل سمعت شابا على دراجة نارية يقول ياريتني الجزدان بإيدك” إذا تعرضت إحداهن لهذه الأمور فهو يعتبر تحرش جسدي أو لفظي والذي يعاقبه عليه قانون التحرش في سوريا بطريقة متساهلة إذا كان لفظيا.

القانون السوري متساهل مع المتحرش-“إنترنت”

 حلا، 25 عاما صادف جلوسها إلى جانب شاب في وسائط النقل العامة وإذا به يفتح هاتفه المحمول ويبدأ بمشاهدة الأفلام الإباحية. ما تعرضت له هذه الشابة التي تدرس في كلية الآداب بجامعة دمشق هو نوع من أنواع التحرش غير المباشر. وتقول حلا لموقع “سناك سوري” يوم أمس الأربعاء، “بلحظة وبطرفة عين شاهدت لقطة أصابتني بالذهول لم أستطع الالتفات بعدها إلى الشخص الذي كان يجلس بجانبي اعتبرت الأمر مساحته الخاصة لكن بعد تفكير معمق وجدت أن هذا تحرش”.

أشكال التحرش كثيرة، فمثلا تبدأ بالغمز واستخدام عبارات “التلطيش” وهي متنوعة منها ما يعتمد على إطلاق تعابير حول جمال الفتاة. ومنها ما يحمل إيحاءات جنسية وألفاظ نابية. وهو أسلوب أيضا يلاحظه قانون التحرش في سوريا.

أما الجزء الثاني فهو التحرش الجسدي المباشر أو الملامسة ويأتي غالبا في وسائل النقل العامة، كأن يجلس ذكر في مقعد السيرفيس ويحرك ساقيه للاحتكاك بالفتاة. أو أن يمدّ أحدهم يده مستغلا الازدحام لملامسة جسد فتاة كما يحدث على طوابير النقل والخبز وغيرها.

المؤسف في هذه القضية أن معظم الحالات من هذا النوع تنتهي بصمت الفتيات عنها، نظرا لتساهل القانون مع المتحرش من جهة، وللنظرة المجتمعية للفتاة من جهة أخرى.

استطلاع للرأي أجراه الموقع المحلي نفسه يشير إلى أن النساء في معظم المجتمعات السورية يمِلن للسكوت عن التحرش الذي يتعرضن له في الشارع والعمل وحتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وذلك لاعتبارات مجتمعية تعتبر ذلك “فضيحة” في وسط مجتمعي يلقي اللوم على النساء بدلا من مساعدتهنّ بفضح المتحرشين. ويبدأ بمنح المتحرش تبريرات تهاجم المرأة كالحديث عن ثيابها ومظهرها وما إلى هنالك من ذرائع واهية لتبرير جريمة التحرش.

هل القانون السوري متساهل؟

في سياق متّصل، لا يوجد قانون للتحرش في سوريا وإنما هناك مواد في قانون العقوبات السوري تتناول هذا الموضوع علما أنه قانون موضوع من العام 1949. ولم تشمل مواده المتعلقة بالتحرش أي تعديل منذ ذلك الحين. ويذكر موضوع التحرش ضمن قانون العقوبات السوري في كل من مواده  505 و506 و507 التي يرى حقوقيون أنها فشلت في إيجاد نص قانوني يضمن حقوق المرأة في حال تعرضت للتحرش.

حيث تذكر هذه المواد أنه يعاقب “المتحرش” بشكل مادي “جسديا” بالسجن لمدة أقصاها سنة ونصف. أما التحرش اللفظي فعقوبته إما غرامة 75 ليرة أو السجن مدة أقصاها ثلاثة أيام أو كلاهما معا. ووفق وجهة نظر الشباب والشابات، فإن عدم وجود رادع قانوني بظل غياب الوازع الأخلاقي يمنح الفرصة للمتحرشين بفعل السوء أكثر وأكثر.

ثمة بعض “التلطيشات” تؤثّر بشكل كبير على نفسية الفتيات، وخاصة الصغيرات في السن ولا يملكن الوعي الكافي لهكذا كلام بذيء قد يسمعونها لأول مرة في حياتهن، فغالبا ما تلجأ الفتيات لأصدقائها أو تجلس وحيدة حتى تنسى آثار التحرشات التي تلحق بها من قبل المارة في الشوارع أو الأماكن العامة.

من جانب آخر، فإن ردع ووضع حد لحوادث التحرش في الأماكن العامة أو حتى في أماكن العمل يبدو صعبا، نظرا لهروب المتحرش في أغلب الأحيان وخاصة إلى كان في الأماكن العامة المزدحمة، فضلا عن تساهل القانون والوصمة المجتمعية، وعدم وقوف المجتمع وحتى الأهالي مع الضحية.

بعض الخبراء يرون أن وجود ثغرات واسعة في القوانين تساهم بشكل غير مباشر في حدوث هكذا حوادث، فضلا عن خلق مساحة مجتمعية رافضة للعديد من حقوق النساء، إلى جانب عدم توافر ثقافة الشكاوى لدى نسبة كبيرة من الفتيات.

القانون لا يحمي!

بالعودة إلى التقرير المحلي، فإنه يرى طبقا لشهادات الفتيات، أن القانون الحالي لا يحمي الضحايا، حيث تعرضت نهلة 28 عاما للتحرش مرتين الأولى لفظيا في الشارع، والثانية جسديا في باص النقل الداخلي الذي عادة ما يكتظ بالركاب. وأضافت نهلة للموقع المحلي أنها أصبحت تتحاشى ركوب باص النقل الداخلي للذهاب إلى الجامعة. وذلك رغم أنه الوسيلة الأوفر ماديا والأكثر توفرا بنسبة لها.

الفتاة ذاتها أشارت إلى أن “التحرش بكل أنواعه جريمة”. وعلى ما يبدو لا تنتهي أثاره عند الجانب النفسي أو الجسدي المرتبط مباشرة به. فمن آثاره مباشرة أن تمتنع عن ركوب باص نقل عمومي رغم الحاجة الماسة له.

يجب تعديل قانون التحرش في سوريا- “إنترنت”

بينما تعتبر مي 22 عاما أن القانون الحالي مُتساهل مع المتحرشين. وتضيف “القانون مرفوض تماما بالنسبة لها بشكله الحالي”. كما ترى أن ظاهرة التحرش تتفاقم، وعلى الجهات المعنية أن يعيدوا النظر في هذا الشأن.

عندما وضع القانون السوري غرامة 75 ليرة عام 1949 كانت تمثل غرامة مالية مقبولة بالنسبة لتلك المرحلة الزمنية كان يعادل قرابة 35 دولار أميركي. بينما اليوم 100 ضعف منه لا تعادل سنتات من الدولار الأميركي. ما يجعل النص القانوني يفتقر للتطوير والتحديث ولا يتناسب مع المرحلة. علما أن أرخص سندويشة فلافل في سوريا اليوم ثمنها 5 آلاف ليرة سورية.

فتاة أخرى، تدعى روزيت 26 عاما، تطالب برفع قيمة الغرامة المادية للتحرش اللفظي. بحيث تكون أكثر من 500 ألف ليرة كي لا يتساهل القانون مع المتحرش. أما بالنسبة للتحرش الجسدي فترى روزيت أن المتحرش جسديا يحتاج لعلاج نفسي خلال فترة سجنه، مشيرة إلى أنها في حال تعرضت لحادثة تحرش بنوعيها فإنها لن تسكت.

بعيدا عن التحرش، فخلال السنوات الماضية، كثرت حالات خطف واعتداء على الأطفال، فمثلا خلال العام الماضي ألقت عناصر الشرطة في محافظة حلب، القبض على شخص استدرج طفلة تبلغ من العمر 11 سنة إلى منزل مهجور بهدف الاعتداء عليها. وأضافت أن الجاني قام بتهديدها بالقتل وأجبرها بالصعود معه إلى المنزل المهجور، حيث قام بوضعها في الحمام وحاول اغتصابها. وهذا ما يتطلب صرامة القوانين بخصوص هكذا حوادث مؤذية على جميع الأصعدة.

في العموم، تعديل القانون ورفع الغرامة من أجل تحقيق العدالة للضحايا لا يكفي في حد ذاته. بل تتطلب حاضنة مجتمعية للضحايا أولا، فضلا عن تسهيلات من حيث تقديم الشكاوى لدى السلطات، وزيادة الوعي لتعزيز ثقافة الشكاوى، إلى جانب ضرورة تكاتف المنظمات والجمعيات التي تهتم بحقوق المرأة لتقليل النظرة المجتمعية التقليدية التي تلوم الضحية في معظم الأحيان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات