عندما يكشف تقريرٌ أن ربع سكان العالم يرون ضرب الزوجة مبررا، فإنه لا يمكن أن يمرّ هذا الأمر بدون أن يثير صدمة ورعبا من واقع مخيف، إن هذه الإحصائيات تكشف عن حقيقة مريرة ومؤلمة، تشير إلى وجود تحيزات وتفكك في المجتمعات حول العالم تجاه حقوق المرأة وكرامتها.

هذه الأرقام الصادمة تعكس العجز عن تغيير النظرة العامة للرجل الذي يستخدم العنف ضد زوجته، وتكشف عن التحديات الهائلة التي تواجه المؤسسات في مساعدة الناس على التحرر من أفكار وسلوكيات متجذرة تمنح الرجل الحق في التحكم والعنف على النساء.

على الرغم من حملات النشطاء والمنظمات الحقوقية مثل حركة “مي تو”، إلا أن تقرير الأمم المتحدة، يشير إلى أنه لم يحدث أي تقدم ملموس في التصدي للتحيز ضد المرأة خلال العقد الماضي. الأحكام المسبقة لا تزال “راسخة بعمق” في عقول الناس وسلوكياتهم، مما يستدعي تساؤلا عن مدى جدية محاولات التغيير الفعلي وتحقيق المساواة والعدالة.

90 بالمئة من الناس لديهم تحيز

مدير مكتب تقرير التنمية البشرية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بيدرو كونسيكاو، ذكر في بيان أمس الاثنين، أن نحو ربع سكان العالم يرون أن ضرب الرجل لزوجته مبرر، فيما يعتقد 28 بالمئة أن التعليم الجامعي أهم بالنسبة للرجال. ويعتقد نحو نصف سكان العالم 64 بالمئة، أن للرجال حق أكبر في الحصول على وظيفة، فيما يعتقد 43 بالمئة أن الرجال هم قادة أعمال أفضل من النساء.

صورة تعبيرية عن العنف الأسري - "غيتي"
صورة تعبيرية عن العنف الأسري – “غيتي”

عند قراءة هذه الإحصائيات المروعة، تشير الدلائل إلى أن الواقع يبدو كئيبا، فإن رؤية ربع سكان العالم بأن ضرب الزوجة مبرر تكشف عن انتشار تحيزات خطيرة تجاه المرأة وتشوهات في النظرة لحقوقها الأساسية.

إن الاعتقاد المتفشي بأن التعليم الجامعي أكثر أهمية بالنسبة للرجال وحقوق الوظائف المفضلة للرجال واعتبارهم قادة أعمال أفضل من النساء يعكس العقلية المتجذرة والتحيزات الجنسانية التي ما زالت تعاني منها المجتمعات. إن وجود هذه الأحكام المسبقة يعوق تقدم المرأة ويشكل عقبات حقيقية أمام تحقيق المساواة والعدالة.

أيضا الأحكام المسبقة والتحيزات الاجتماعية ليست مجرد مسألة فردية، بل تتسبب في تقويض حقوق النساء وتحدّ من تطور المجتمع بشكل عام. إذا كانت المرأة مقيدة ومحرومة من فرص التعليم والوظائف، فإن ذلك يعكس فشل المجتمع في تحقيق تنمية بشرية شاملة.

تقرير الأمم المتحدة الإنمائي والذي يستخدم بيانات من مسح القيم العالمية “دبليو.في.أس”، وهو برنامج للبحث الدولي، اعتمد فيه المسح على مجموعات البيانات الممتدة من 2010 إلى 2014 ومن 2017 إلى 2022 من بلدان ومناطق تغطي 85 في المئة من سكان العالم.

التحليل أظهر أن نحو تسعة من كل عشرة رجال ونساء لديهم تحيّزات أساسية ضد المرأة، وأن نسبة الأشخاص الذين لديهم تحيّز واحد على الأقل ضد المرأة بالكاد تغيرت على مدى العقد الماضي. وفي 38 من البلدان التي شملها الاستطلاع، انخفضت نسبة الأشخاص الذين لديهم تحيّز واحد على الأقل إلى 84.6 بالمئة فقط من 86.9 بالمئة.

تراجع مقاييس التنمية البشرية بشكل عام

عقد دون تقدم هو ما خلص له التقرير، حيث قال هيريبيرتو تابيا، مستشار البحوث والشراكة الإستراتيجية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمؤلف المشارك للتقرير، إن درجة التحسن بمرور الوقت كانت مخيبة للآمال.

الثقافة الشعبية ترى أن الزوجة التي تعرضت للضرب من زوجها عليها أن تتغاضى وتصبر وتغفر في سبيل إنجاح حياتها الزوجية - "غيتي"
الثقافة الشعبية ترى أن الزوجة التي تعرضت للضرب من زوجها عليها أن تتغاضى وتصبر وتغفر في سبيل إنجاح حياتها الزوجية – “غيتي”

الإحصائيات المروعة التي نشرتها الأمم المتحدة تكشف حقيقة صادمة، فالأعراف الاجتماعية الجندرية المتحيزة ما زالت تنتشر في كل ركن من أركان العالم. كما أن تواجد تلك التحيزات في نسبة تقارب 90 بالمئة من الأفراد، سواء كانوا رجالا أو نساء، يشير إلى عمق انتشارها وتأثيرها المماثل على الجنسين.

مؤشر الأعراف الاجتماعية الجندرية، الذي يقيس عدة جوانب من السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة، يوضح عدم تحسن التحيز ضد النساء على مدار العقد الماضي، رغم الجهود العالمية والمحلية المبذولة لدعم حقوق النساء، مثل حركة “مي تو” لمكافحة التحرش الجنسي.

التقارير تؤكد أن الأحكام المسبقة تعوق حقوق النساء وتؤدي إلى تفكيكها في مناطق عديدة حول العالم. وإذا لم يتم التعامل مع هذه التحيزات الاجتماعية، فلن يتم تحقيق المساواة الجندرية والتوجه نحو أهداف التنمية المستدامة.

تأتي هذه الإحصائيات في ظل تدهور معايير التنمية البشرية عموما، وتأثير جائحة “كوفيد-19” التي أدت إلى تفاقم التحديات والصعوبات التي يواجهها العالم بأسره.

اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة تشير إلى أن التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكا لمبدأي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، ويعد عقبة أمام مشاركة المرأة، على قدم المساواة مع الرجل، في حياة بلدهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويعوق نمو رخاء المجتمع والأسرة، ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة لإمكانات المرأة في خدمة بلدها والبشرية.

المرأة في بناء مستقبل سوريا

منذ بداية النزاع في سوريا، وطبقا لتقارير الأمم المتحدة، كانت المرأة السورية تدفع باتجاه الوصول إلى حل سياسي تضميني بملكية وقيادة سورية للنزاع السوري الذي دخل عامه الثالث عشر. وإزاء الأزمة التي طال أمدها، استمرت المرأة السورية بالاضطلاع بالأدوار القيادية في كل أنحاء سوريا وفي العملية السياسية بقيادة الأمم المتحدة. 

نساء سوريات يتحدثن في مؤتمر صحفي لهيئة الأمم المتحدة - "الأمم المتحدة"
نساء سوريات يتحدثن في مؤتمر صحفي لهيئة الأمم المتحدة – “الأمم المتحدة” For more information, please see: http://www.unwomen.org/en/news/stories/2014/1/press-release-on-syrian-women-meeting Photo: UN Women

كما قدّمت مساهمات حيوية في المساعدات الإنسانية وجهود صنع السلام، والرعاية الصحية، والتعليم، فكانت تضطلع بأدوار كمعيلة العائلة، ومستجيبة إنسانية أولى، وقائدة في مخيمات النزوح، وبانية السلام.

عندما نتحدث عن بناء مستقبل سوريا، لا يمكننا تجاهل دور المرأة الرائد والحاسم في هذه العملية. فالمرأة السورية لعبت وتلعب دورا مهما ومحوريا في المجتمع، وقد برهنت على قدرتها على تحمل المسؤولية والابتكار في ظل الصعاب والتحديات التي تواجهها بشكل يومي.

المرأة السورية تأثرت بشكل كبير جراء النزاع الدائر في البلاد، حيث تعرضت للتهجير وفقدان الأهل وتجارب المعاناة والصمود. ومع ذلك، استطاعت المرأة السورية الصامدة تجاوز الصعوبات والاندماج في مختلف المجالات والمساهمة بشكل فعال في إعادة بناء الوطن.

المرأة السورية تتمتع بالمواهب والقدرات العظيمة في مختلف المجالات، سواء في العلوم، التكنولوجيا، الفنون، الأعمال، التعليم والسياسة. وهي تسعى جاهدة لتحقيق التغيير والتنمية المستدامة في بلادها.

ففي مجال العمل وريادة الأعمال، تظهر المرأة السورية مرونة وقدرة على التكيف، حيث تتحدى القيود والتحديات وتثبت جدارتها في القطاع الاقتصادي. كما تشغل المرأة السورية مناصب قيادية في الشركات والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني.

بعض المكاسب الإيجابية تحققت مؤخرا، مثل إشراك حوالى 30 بالمئة من النساء في “اللجنة الدستورية”، وإجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية، وزيادة المشاركة في التدريبات وفي نشاطات تنمية المهارات، بالإضافة إلى الزيادة في ريادة الأعمال النسائية منذ بدء النزاع.

علاوة على ذلك، المناصرة من أجل تشكيل المجلس الاستشاري النسائي في سنة 2016، وإدماج لغة تراعي منظور النوع الاجتماعي في العديد من الوثائق الأساسية المتعلقة بالعملية السياسية.

منذ 2019، قدمت 9 نساء سوريات إحاطات رفيعة المستوى أمام “مجلس الأمن”، وعكسْنَ الاهتمام المتزايد بدور المرأة في السياق السوري. وقبل سنة 2019، لم تقدم أي امرأة تمثل المجتمع المدني أي إحاطة أمام “مجلس الأمن”.

صدمة الإحصائيات التي ذكرتها الأمم المتحدة تجعل المجتمعات المحلية تدرك أن الطريق مازال طويلا ومليئا بالتحديات، ولكن لا بد من الوقوف كأفراد ومجتمعات وأمم، للعمل بكل جهد لتغيير هذا المشهد المروع وإعادة بناء مجتمع يحترم ويقدر المرأة ويمنحها الحقوق والكرامة التي تستحقها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات