رغم مضي 3 أعوام على بدء العمل بنظام “البطاقة الذكية” في سوريا، والتي رأت فيها الحكومة السورية “الحل الأمثل” في تحقيق ما أسمته العدالة في توزيع المحروقات على مستحقيها.

إلا أن تلك البطاقة تحولت إلى تجارة رائجة ووسيلة لبيع مخصصات البنزين والمازوت في السوق السوداء، وبأسعار مضاعفة، في ظل أزمة متفاقمة، لا يبدو أن حلها سيكون في وقت قريب.

لم يعد مشهد بيع المحروقات مقتصراً على طرق السفر، والاستراحات، وبعض المحلات داخل المدن، بل أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة “مزادات” لبيع مخصصات البنزين المدعوم عبر “البطاقة الذكية“، وصولاً إلى بيع وتأجير البطاقة مقابل مبلغ يصل لـ200 ألف ليرة سورية شهرياً.

بنزين “البطاقة الذكية” في السوق السوداء

مع ازدياد أزمة المحروقات في مناطق سيطرة الحكومة السورية، واصطفاف السيارات على طوابير امتداد عدة كيلو مترات، ابتكرت “وزارة النفط والثروة المعدنية” آلية جديدة في شهر نيسان الماضي.

وتتضمن الآلية الجديدة توزيع البنزين وفق نظام الرسائل النصية القصيرة، وإجبار السيارات على تعبئة مخصصاتهم من البنزين من محطات وقود معينة، ووصف سوريون حينها القرار بأنه «وسيلة لتحويل الطوابير من أمام محطات الوقود، إلى طوابير الكترونية»، حيث يعاني أصحاب السيارات من مسألة تأخير وصول رسائل التعبئة.

ولم يعد الحصول على البنزين مرتبطاً بمدة محددة التي هي 7 أيام للسيارات الخاصة و4 أيام للسيارات العامة بمعدل 25 لتراً، حيث أكد عدد من أصحاب السيارات لموقع (الحل نت) أن الرسالة تتأخر بين 15 و 20 يوماً بحسب المنطقة ومحطة التعبئة.

من جهته، قال “أبو عبدو” وهو صاحب سيارة أجرة إن «عملية شراء مادة البنزين من السوق السوداء صعبة ومُكلفة بشكل كبير، فمعظم البنزين الذي يباع في السوق السوداء مغشوش، ويسبب أعطال في محرك السيارة، وكميات البنزين المخصصة للسيارات العمومية لاتكفي الحاجة للعمل، لذلك أضطر لشراء مخصصات البطاقة الذكية من سيارة أخرى، رغم أن السعر مرتفع إلا أنه نوعية الوقود مضمونة».

وعن طريقة شراء مخصصات البطاقة، أضاف السائق لموقع (الحل نت) أنه «على موقع فيسبوك هناك مجموعات مخصصة للسيارات يتم فيها نشر إعلانات عن توافر كمية معينة من البنزين واسم المحطة التي سيتم تعبئة المحروقات منها، حيث أقوم بالتواصل مع صاحب البطاقة وبعد أن يقوم بتعبئة مخصصاته أكون بانتظاره بجانب المحطة، ونقوم بتفريع البنزين من سيارته إلى سيارتي».

وعن الأسعار أوضح أنه «لا يوجد سعر محدد وثابت، قبل أيام قمت بتلك العملية ودفعت مبلغ 55 ألف ليرة سورية مقابل 25 ليتر من البنزين».

بدوره، قال “ماهر” وهو صاحب سيارة خاصة في مدينة دمشق إنه «مع غلاء المعيشة وصعوبة الوضع الاقتصادي، اضطررت إلى تأجير البطاقة الذكية ومخصصاتها من البنزين كوني لم أعد استخدم سيارتي، وأحصل على مبلغ شهري يتراوح بين 150 و 200 ألف ليرة شهرياً».

وأكد المصدر أن «هذا المبلغ ليس ثابتاً يزيد وينقص بحسب توافر الوقود في المحطات، والطلب من أصحاب السيارات على البطاقة»، مشيراً إلى أن «مسألة تأجير البطاقة الذكية بات رائجاً وشائعاً في جميع المدن، وهناك محطات وقود تقوم بشراء المخصصات وبيعها في السوق السوداء».

باب الفساد لا يزال مفتوحاً

في آخر تصريحاته حول التلاعب في “البطاقة الذكية” أكد “علي الخطيب” مدير حماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية أن «عدد مخالفات التلاعب بالبطاقة الالكترونية وصلت إلى 670 مخالفة خلال 180 يوماً».

وأوضح الخطيب أن «الوزارة رصدت مخالفات تتعلق بإيهام المستفيد بعدم وجود رصيد للمواد في البطاقة، خلافاً للواقع، بغية استغلالها وبيعها لصالح المتلاعبين، ومخالفات تتعلق بتعبئة كمية منقوصة من المخصصات، وإيهام صاحبها بانتهاء الكمية، واقتطاعها كاملة على البطاقة، للاستفادة من بيعها في السوق السوداء، وتعبئة كمية أكبر من المخصصات مقابل ربح مادي، وهي جميعها تتعلق بالقائمين على توزيع المادة».

ويعتبر التلاعب بالبطاقة الذكية جريمة يعاقب عليها القانون، حيث تشمل السجن لمدة عام، وغرامة تصل إلى مليون ليرة سورية.

في السياق، أشار أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، فضل عدم كشف اسمه، إلى أن «مشروع البطاقة الذكية منذ تنفيذه كان محل جدل بين الأوساط السورية، إذ يهدف من البداية إلى تقنين الدعم الحكومي على السلع الأساسية، ولا سيما المحروقات ورفعه بشكل تدريجي، وهو ما يحدث فعلياً من خلال تخفيض المخصصات كل مرة ورفع أسعارها».

ورفعت الحكومة، في 11 من تموز الماضي، سعر ليتر المازوت بنحو 178%، ليصبح 500 ليرة سورية بعد أن كان 180 ليرة، وسعر الخبز بنسبة 100%، ليصبح سعر الربطة 200 ليرة بعد أن كان 100 ليرة.

كما رفعت وزارة التجارة الداخلية سعر ليتر البنزين من نوع “أوكتان 95” إلى 3 آلاف ليرة سورية، بعد أن رفعت المؤسسة السورية للتجارة سعر الكيلو غرام الواحد من مادتي الأرز والسكر عبر “البطاقة الذكية” إلى 1000 ليرة، بعد أن كان 600 ليرة.

وأضاف أستاذ الاقتصاد لموقع (الحل نت) أن «هذه الارتفاعات المتكررة لأسعار السلع الأساسية ولاسيما المحروقات، فتح باب الفساد والتلاعب بشكل كبير في مخصصات الدعم عبر نظام البطاقة الذكية، وما يحدث حالياً سببه عجز السلطات عن تأمين المحروقات، فكيف يمكن أن تعطي سائق تكسي أو باصات النقل كمية من المحروقات لا تكفيهم لعدة أيام وتطلب منهم الالتزام بالتسعيرة، وهم يقومون بتأمين باقي احتياجاتهم من الوقود من السوق السوداء، وبأسعار تصل لـ4 أضعاف، فالمشكلة في نظام توزيع الدعم وآلية تطبيقه».

وختم المصدر حديثه بالتأكيد على أنه «طالما أن العقوبات الاقتصادية لا تزال مفروضة على الحكومة السورية، وصعوبة إيصال المحروقات إليه، واستمرار انهيار الليرة السورية، سيتم تخفيض الدعم، ورفع أسعار المحروقات بشكل متزايد، خصوصاً مع الانهيار الحاصل في لبنان الذي كانت السلطات السورية تعتمد عليه بشكل كبير في تهريب المحروقات وبيعها داخل سوريا، وإن كان بشكل غير رسمي».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.