تختلف الأعراف العشائرية في العراق من محافظة إلى أخرى، وتزداد شدتها كلما اتجهنا جنوباً، حيث ما تزال العادات والتقاليد شديدة الحضور والقوة. فقد تعرّضت، في النصف الأول من العام الحالي، أكثر من ثلاثمئة امرأة للتعنيف الأسري في محافظة ذي قار جنوبي العراق، وتصل بعض حالات التعنيف إلى القتل، الذي يُغطى بادعاء أن الضحية أقدمت على الانتحار، بحسب مصادر أمنية وطبية.

مفوضية حقوق الإنسان العراقية سجّلت تصاعداً في حالات الانتحار بالعراق خلال عام 2020، إذ بلغت 644 حالة، بينها 276 حالة من الإناث.

مختصون في الشأن الاجتماعي أكدوا أن الجدل لا يزال قائما حول الجرائم الأسرية، التي لا توجد عقوبة رادعة لها، كونها جرائم شرف، أو ما يسمى بجرائم “غسل العار”.

وتُعرّف هذه الجرائم بانتهاكات، غالباً ما تصل إلى درجة القتل، يقوم بها أحد ذكور العائلة أو العشيرة بحق إحدى نسائها، بسبب وجود علاقة بينها وبين رجل آخر خارج إطار الزواج، أو دون رضى العائلة، أو لمجرد الشك بوجود تلك العلاقة.

 

قتل على الشبهة

“أحمد”، اسم مستعار لشاب من محافظة ميسان جنوبي العراق، يروي لـ«لحل نت» قصة ابنة خالته، التي قُتلت على يد شقيقها، بسبب علاقة حب جمعتها مع أحد شباب المنطقة.

يقول “أحمد”: «قريبتي قُتلت بعد أن اكتشف أخوها الأكبر أنها تتواصل عبر الإنترنت مع الشاب، رغم أن الأخير طلب يدها للزواج، لكن ذويها رفضوا طلبه، ثم قاموا بقتل ابنتهم، لغسل عارهم، الذي كان مجرد أنها واصلت الحديث معه».

وأضاف: «الجاني أفلت من العقاب، بعد تسجيل القضية على أنها حادثة انتحار، بالاتفاق مع الأجهزة الأمنية، التي رضخت  للأمر الواقع، بسبب العرف العشائري المتحكّم».

إلا أن الحادثة التي يرويها “أحمد” تبقى أقل إثارة للدهشة من حادثة “آمنة”، وهو الاسم المستعار لضحية قُتلت على يد شقيقها الأكبر، في إحدى المحافظات الجنوبية.

مقرّب من العائلة يؤكد لـ«الحل نت» أن «كل ما ارتكبته الضحية أنها ردّت التحية والسلام على أحد الشباب في المنطقة التي تسكنها، وخلال ساعات قام طرف ثالث بإبلاغ أخيها أن شقيقته على علاقة بذلك الشاب، فأقدم الأخ على قتلها، دون حتى أن يسألها عن الموضوع، أو يتحقق من صدق الوشاية».

 

الأطباء ورجال الشرطة مجبرون على الصمت

طبيب في أحد مستشفيات محافظة ذي قار، رفض الكشف عن اسمه خوفاً على وظيفته، أكد لـ«الحل نت» أن «هناك عديداً من الجثث التي تحال إلينا، بوصفها جثث منتحرات، إلا العلامات الموجودة عليها لا تقنعنا بأن سبب الوفاة هو الانتحار، وعند البحث عن السبب الحقيقي نكتشف أن الضحية قُتلت بدواعي الشرف، وكوننا جهات طبية وليس أمنية، لا يجوز لنا التدّخل، والإفصاح عن سبب الوفاة الحقيقي، كي لا نصطدم مع الطابع العشائري والقبلي في منطقتنا».

مصدر أمني في المحافظة يؤكد ما يقوله الطبيب، مضيفاً أن «لدى الأجهزة الأمنية كثير من الأدلة الجنائية على أن معظم حوادث انتحار الإناث المزعومة هي جرائم شرف، ولكنّ تدخّل العشائر يجبر رجال الشرطة على إغلاق الملف، وتسجيل الجرائم بوصفها حلات انتحار، وهكذا يفلت الجناة دوماً من العقوبة».

المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، يستدرك في حديثه لـ«الحل نت»: «إلا أنه حينما تحدث ضجة كبيرة حول القضية، أو يكون هنالك رأي عام مستنكر لها، يمكن للشرطة الإعلان عن الأدلة التي تمتلكها، وتوجيه أصابع الاتهام للقتلة الحقيقيين».

 

من يساند الاعراف العشائرية؟

من جهتها ترى الناشطة المدنية “نهلة إياد” أن «الأحزاب السياسية المتنفّذة لها دور كبير في تقوية الأعراف العشائرية، وإعطاء ظهير سياسي وقانوني متماسك لها».

وتتابع الناشطة في حديثها لـ«الحل نت»: «رفض الكتل السياسية الأساسية للتصويت على قانون العنف الأسري خير دليل على أنها مؤيدة للعرف العشائري، بذريعة  مخالفة القانون للشريعة الإسلامية. كما أن الحكومة العراقية مساندة للعشائر في المحافظات الجنوبية، لذلك نرى القانون هناك شبه مغيّب، لا يمكنه حماية النساء من التعنيف أو القتل».

وتختتم حديثها بالقول: «لمنظمات المجتمع المدني دور مهم في تسليط الضوء على بعض قضايا التعنيف جنوبي العراق، فقد أسهم الإعلام والورشات التدريبية، فضلاً عن “الهاشتاكات”، التي تطلقها بعض المنظمات على مواقع التواصل الاجتماعي، حول قوانين حقوق الإنسان، في ردع بعض العشائر، خوفاً من أن تتحوّل قضايا بناتهم إلى قضايا رأي عام».

 

العذر القانوني

ولكن ماذا عن القانون العراقي الحالي؟

«نص المادة 409 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 شرعن لتمييز كبير ضد النساء، عن طريق إعطاء أعذار مخففة لمن يقتل زوجته أو أحد محارمه في حال ارتكابها فعلاً مخلّاً بالأعراف والتقاليد، إذ حدد التشريع عقوبة ضعيفة، لا تتجاوز ثلاث سنوات سجن، إذا كانت المرأة قد ارتكبت فعلاً مخلاً بالحياء»، كما يقول الحقوقي “جمعة المياحي”.

“المياحي” يبيّن، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «غالبية القوانين الوضعية قد منحت مرتكب جريمة القتل بدافع الشرف ظرفاً قضائياً، أو عذراً قانونياً مخففاً، بحجة أن الجاني، أثناء تنفيذه للجريمة، يكون تحت ضغط نفسي كبير، يدفعه لارتكاب جريمته دون أدنى تفكير».

مضيفاً أن «جرائم الشرف في العراق تكون مؤطرة بدوافع اجتماعية مستحكمة. ولا نعرف منطقة جغرافية في العراق لا تسجّل فيها تلك الحوادث، شرقاً وغرباً وجنوباً، بل حتى في الشمال، الذي يعتبر أكثر انفتاحاً، وأوضاع النساء فيه أفضل. ولذلك فإن النصوص القانونية، التي تعطي العذر المخفف للعقوبة، خضعت، وقت إصدار التشريع، إلى المنطلق الاجتماعي الذكوري المهيمن، بل إن المشرّع القانوني قد جامل العرف الاجتماعي عند إصدار القانون».

ويرجع “جمعة” سبب ارتفاع عدد جرائم الشرف إلى «عدم تجريم فاعليها، فلو عوقب كل من يقتل امرأة، أو يعنفها جسدياً أو نفسياً، أو يتسبب بانتحارها، لما استسهل الرجال ارتكاب تلك الجرائم، بل حتى لا يبقى هنالك معنى لا دعائهم أنها حوادث انتحار، فالقانون عندها سيحاسبهم بصرامة على كل أذية أودت بقريباتهم للموت، سواء كان قتلاً أو انتحاراً».

https://www.facebook.com/7aliraq/videos/1143848532806608/

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.