شهد منسوب المياه في نهر الفرات الذي يعد أكبر الأنهار في سوريا تراجعاً ملحوظاً منذ بداية العام الحالي، لكن هذا الانخفاض في مستوى المياه المتدفقة إلى الأراضي السورية ويعتمد عليها ملايين السكان في سد احتياجاتهم الزراعية والمائية والكهربائية لم يأتي من فراغ.

ووجّهت أصابع الاتهام في أكثر من مناسبة إلى الجارة تركيا، التي لم تعد تلتزم بالاتفاقيات الدولية المحددة للحصص المائية للدول التي يمر منها النهر، لا سيما سوريا والعراق إذ تعاني كل منهما من مشاكل أمنية وسياسية واقتصادية.

الجفاف قادم لا محالة!

منذ تسعينيات القرن الماضي، أطلقت تركيا مشاريع زراعية ضخمة في جنوب البلاد، لكن مع تراجع نسبة الأمطار هناك، كان لا بد لتركيا أن تزيد حصتها من مياه نهر الفرات الذي ينبع من أراضيها.

وكشفت دراسة أجرتها منظمة “باكس” للسلام الهولندية الشهر الماضي، أن الإجراءات التركية حرمت العراق وسوريا من كميات المياه لري المشاريع الزراعية التي أقامتها جنوب البلاد، وزاد من حدة نقص المياه التغير المناخي الذي يضرب المنطقة والعالم.

لا شك أن أكثر المناطق المهددة بالجفاف في شمال شرق سوريا تقع تحت سيطرة “الإدارة الذاتية“، إذ يرى مراقبون أن تركيا تمنع المياه عن تلك المناطق، وتستخدمها كسلاح ضدهم، لكن هذا الأمر نفاه مصدر دبلوماسي تركي لموقع “فرانس24″، واعتبر أن الجفاف يعود إلى التغير المناخي فقط.

ويعود تقسيم حصص الدول التي يمر منها نهر الفرات إلى الاتفاقية الموقعة عام 1987، حيث وقّعت سوريا اتفاق تقاسم مياه مع تركيا، وتعهدت بموجبه أنقرة أن توفر لسوريا معدلاً سنوياً قدره 500 متر مكعب في الثانية، لكن هذه الكمية انخفضت لأكثر من النصف خلال الأشهر الماضية، ووصلت في فترات معينة إلى 200 متر مكعب في الثانية.

السدود التركية خفضت إنتاج الكهرباء 70% داخل الأراضي السورية

منذ سبعينيات القرن الماضي، بدأت تركيا بالعمل على إنشاء السدود على نهر الفرات الذي يبلغ طوله نحو 1176 كيلو متر داخل الأراضي التركية، ويعتبر سد “أتاتورك” أكبر السدود العملاقة في تركيا انتهى العمل به عام 1990، حيث تبلغ الطاقة التخزينية لبحيرة السد نحو 48 مليار متر مكعب.

كما أنشأت تركيا تباعاً عدد من السدود على النهر داخل أراضيها وهي: “بغشتاش، وكيبان وكركايا، وقارقاميش”، ويعتبر سدا “كركايا” و”أتاتورك” أهم السدود التركية على الإطلاق على نهر الفرات، فالثاني أهم وأكبر سدّ تركي وأوروبي، وهو خامس سدّ في العالم، ويتمتع بأهمية بالغة بالنسبة إلى تركيا.

وتشير الإحصائيات إلى أن بناء السدود التركية على نهري دجلة والفرات أدى إلى تراجع حصة العراق من النهرين بنسبة 80% حتى قبل الأزمة الحالية، بينما حصة سوريا انخفضت بنسبة 40%.

أما في سوريا، بُني سدان أساسيان على نهر الفرات، وهما سد تشرين في ريف حلب الشمالي، وسد الطبقة حيث تجتمع المياه لتشكل بحيرة تسمى “بحيرة الأسد” في ريف الرقة الشرقي، إضافة إلى عدد من السدود الصغيرة التي تعمل على توليد الطاقة الكهربائية، ومنع فيضان النهر في فصل الشتاء.

وكان السدان يغطيان 90% من حاجات شمال شرق سوريا من الطاقة الكهربائية، لا سيما محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، بما فيها التيار اللازم لمحطات ضخ المياه.

ومنذ بداية العام الحالي تراجع منسوب المياه خمسة أمتار، وتوقفت العديد من العنفات التي كانت تولد الكهرباء عن العمل، حيث تراجع إنتاج الكهرباء مؤخراً بنسبة 70%، بحسب تصريحات “هيئة الطاقة” في شمال شرق سوريا.

الأمن الغذائي لملايين السكان في خطر!

قال المهندس الزراعي “موسى البكر” إن «انخفاض منسوب مياه نهر الفرات كان له أثر سلبي على الأراضي الزراعية في المنطقة الشرقية، حيث جفت معظم أقنية الري الموجودة التي كانت تغذي آلاف الهكتارات من الأراضي المزروعة، وبالتالي انخفض إنتاج المحاصيل نحو 50% في معظم المناطق».

وأضاف البكر لموقع “الحل نت” أن «هناك خطر من ازدياد التصحر في شمال شرق سوريا، إضافة إلى مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي التي تعتمد بشكل كبير على مياه نهر الفرات، بخاصة أن نوعية التربة في تلك المناطق مائلة إلى الرملية، بعكس المناطق الغربية في سوريا كما في إدلب وسهل الغاب التي تعتبر تربتها طينية».

وفيما يخص الحلول مع انخفاض كميات المياه في النهر، أشار المصدر إلى أنه «يجب بناء سدود صغيرة تكون بمثابة سدود تجميعية لمياه الأمطار لتخزين المياه واستخدامها في فصل الصيف، إضافة إلى حفر الآباء لكن هذه العملية مكلفة نوعاً ما».

وأكد المهندس الزراعي أنه «لا حلول جذرية لمشكلة نقص المياه في نهر الفرات، طالما أن تركيا تعمل على بناء السدود ضمن أراضيها وتحجب حصة سوريا من مياه النهر، وبالتالي هذا الأمر سينعكس سلباً على حياة الملايين من السكان الذين يعتمدون على المياه في الري والشرب والزراعة وتوليد الطاقة الكهربائية».

ونشر موقع “dw” الألماني دراسة عن مستقبل الحالة المائية في منطقة الشرق الأوسط، وأشارت الدراسة إلى تراجع الطاقة الاستيعابية لنهر الفرات من 19 مليار متر مكعب سنة 2009 إلى 8 مليارات فقط سنة 2025، وإذا استمر الحال على ما هو عليه، فسيختفي نهر الفرات كلياً عام 2040.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.