أعلن اثنا عشر نادياً لكرة القدم من أندية النخبة في أوروبا، في نيسان/إبريل من عام 2021، عن تشكيل دوري السوبر الأوروبي (ESL). ما أثار غضباً كبيراً في أوساط أنصار أندية متعددة.

اتحاد مشجعي كرة القدم في إنكلترا وويلز نشر بياناً جاء فيه: «إن الاتحاد يعارض تماماً المقترحات التي تسعى إلى إنشاء دوري السوبر الأوروبي الانفصالي. إن الدافع وراء ما يسمى بـ Super League ليس تعزيز الجدارة الرياضية، أو رعاية اللعبة.  ولكنه قرار لا يحفزه سوى الجشع الساخر. يتم إنشاء هذه المنافسة من وراء ظهورنا، من قبل أصحاب الأندية، الذين لا يهتمون بتقاليد اللعبة. وسيواصلون معاملة كرة القدم على أنها إقطاعيتهم الشخصية. وسيواصل الإتحاد، وأنصاره في جميع أنحاء القارة، محاربة ذلك الدوري».

وتحت ضغط احتجاجات الجماهير الغاضبة أعلن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم رفضه لفكرة البطولة. مع التهديد بفرض عقوبات على الأندية المشاركة. ما أدى في النهاية لإلغاء المشروع. كثير من المشجعين المحترفين اعتبروا إلغاء دوري السوبر الأوربي انتصاراً كبيراً لهم. وهو انتصار لا يتعلق فقط بالقضايا الرياضية والكروية. بل له جوانبه السياسية والاجتماعية والطبقية. نحن هنا أمام حرب ضارية بين مشجعين، يعتبرون انتمائهم وولاءهم لناديهم مسألة هوية اجتماعية؛ وملّاك أندية، لا يمكن اعتبارهم إلا مجموعة من المستثمرين، الذين لا تعنيهم كثيراً قيم مثل الولاء والانتماء والروابط الاجتماعية.

إلا أن القضية ليست بهذه البساطة. ولا تتعلق بالتأكيد بصراع بين الخير، الذي يمثله المشجعون وروابطهم؛ والشر، الذي يمثله المستثمرون. أو حتى صراعاً طبقياً صافياً بين الفئات الدنيا والوسطى من المجتمع، التي ينتمي إليها المشجعون عادةً؛ وبين الرأسمالية المعولمة، التي يتهمها كثيرون بتدمير كل القيم والروابط الاجتماعية، والاهتمام فقط بجني الأرباح.

من الصحيح أن روابط المشجعين “الألتراس” تشكل ظاهرة اجتماعية شديدة الأهمية، لعبت أدواراً سياسية كبيرة في السنوات الأخيرة. إلا أن السؤال يبقى حول الفئات الاجتماعية التي تمثّلها هذه الروابط حقاً. كثيرون يرمون “الألتراس” بتهم لا يمكن التسامح معها في عالمنا المعاصر. مثل الذكورية والعنصرية وكراهية المثليين. فيما تبدو إدارة النوادي الكبرى أكثر اتفاقاً مع قيم التنوّع الحالية. وتعمل على استقطاب جمهور جديد لكرة القدم، يمكن اعتباره “نظيفاً” للغاية من هذا النوع من الرذائل. فهل أصبح المستثمرون الكبار، المتهمون بالفساد المالي، حاملين للقيم الليبرالية والتقدمية، وحريصين على تمكين الفئات الأكثر حساسية وضعفاً؟

هذا النوع من الأسئلة يجعل الصراع الدائر حالياً حول كرة القدم شديد الدلالة على عدد من أكثر القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية أهميةً في عصرنا.

 

فلسفة الولاء

تعود كلمة “ألتراس” Ultras لأصل لاتيني. وتُشير إلى الولاء والحب المفرط. وصارت من لوازم الحديث عن مجموعات المشجعين، التي تحرص على مناصرة فريقها، والتنقّل معه أينما حلّ وارتحل. وترديد شعاراته وأغانيه، وحمل ألوانه.

يظهر الألتراس بوصفهم التجسيد الأكثر حماسة ومباشرة لفكرة “الانتماء” في العصر الحديث. وربما هم الممثلون الأخيرون لها، بعد اضمحلال كثير من الروابط الاجتماعية والسياسية في العقود الأخيرة، مثل الأحزاب العقائدية والنقابات المسيّسة. إذا استثنينا طبعاً جماعات المتطرفين القوميين، الذين ما يزالون يحتفون بدورهم بـ”الانتماء”.

بدأت مجموعات الألتراس في الظهور في أمريكا اللاتينية، وتحديدًا في البرازيل عام 1940، ثم انتقلت بعد ذلك إلى يوغوسلافيا، ومنها إلى باقي دول أوروبا. كما بدأت هذة الروابط في الظهور حول الأندية العربية مطلع الألفية الحالية. وتوطدت بشدة تزامناً مع الحراك السياسي والاجتماعي، الذي بدأ بالنمو في بعض البلدان العربية، ابتداءً من منتصف العقد الأول من هذا القرن.

يتجلى جوهر أفكار روابط الألتراس في تصوراتهم عن أنفسهم. إذ يعتقدون أن انتماءهم لفريقهم ليس مجرد تسلية. بل أسلوب حياة. فيتجاوز نشاطهم المفاهيم الرياضية الاعتيادية إلى مفهوم أكبر هو تحقيق الذات. وعلى الرغم من كل ما يُتهمون به من عنصرية وذكورية إلا أنهم لا يعتبرون أنفسهم عادة محافظين. بل يرون أنهم يقفون ضد ركود العادات والأعراف المجتمعية. فهم وحدهم من يبذل كل جهد ممكن من أجل استمرار روابط اجتماعية حية وحيوية، يجد الأفراد فيها معنى لذواتهم في الأساس. وهو ما يُوضح عدم انتظار الألتراس أي مقابل نظير الدعم المطلق لفرقهم. فتشجيعهم مجرّدٌ وخالص. لا يؤثر فيه حتى الخسائر المتكررة التي قد يمنى بها فريقهم. وعدم تحقيقه للبطولات. إذ تستمر روابطهم بنفس الحدة والوتيرة في التشجيع. بغض النظر عن الفوز أو الخسارة.

تقدم روابط الألتراس دائماً نفسها على أساس الوحدة والمساوة. حتى أن مؤسسي هذه الراوبط سرعان ما تنتهي أدوارهم بعد إتمام تأسيس الحركة. كما أنها تعلي المجموعة على حساب الفرد. الذي تقاس قيمته بمدى ما يستطيع تقديمه للنادي. يقاوم الألتراس الخضوع لأي سلطة كانت. سواء مجالس إدارات الأندية، أو حتى سلطة الحكومات والأجهزة الأمنية. ويرفضون أي تمويل خارجي.

إضافة لهذا تتجاوز العلاقات بين أعضاء روابط الألتراس حدود مدرجات الملاعب، والرياضة برمتها. فهم أصدقاء داخل الملعب وخارجه، يجمعهم الشغف والحب والتضحية.

أين يمكنك أن تجد كل هذه المبادئ والقيم في عالمنا المعاصر خارج روابط الألتراس؟

 

أن تكوني امرأة في محمية ذكورية

السؤال الأخير مطروح بصيغة المذكر بشكل مقصود. لأن كثيرين يؤكدون أن روابط الألتراس  وسط طارد للنساء.

في دراسة مشتركة، أجراها مركز “لاريا بيتي لدراسات المشاركة المدنية”، التابع لجامعة “أوريبرو” السويدية. و قسم علم الاجتماع وقانون الأعمال في جامعة “بولونيا” الإيطالية، خلص الباحثون إلى أن مجموعات الألتراس محميات ذكورية. نظراً لطبيعة نشاطاتها وأفكارها. لاحظ الباحثون انقساماً داخلياً صارماً بين الجنسين في روابط الألتراس. تختلف فيه جندرياً فرص الانخراط في أعمال جماعية مشتركة. مثل الترحال وراء الفريق، والتشجيع الدؤوب طيلة المباراة، وأحيانًا العنف. واعتبروا ذلك الانقسام مستوطناً في الحياة الاجتماعية لتلك الروابط.

أُجريت الدراسة على أحد تنظيمات الألتراس لفريق إيطالي يلعب في دوري الدرجة الأولى. لم يتم الافصاح عن اسمه. وشملت حوالي ألفاً وخمسمئة شخص. من الذين يحضرون مباريات فريقهم بشكل دوري. ويصممون الرقصات واللافتات قبل كل مباراة.

تخبرنا الدراسة أنه «قبل حوالي ساعة من المباراة، غادرت الغالبية العظمى من مجموعة الألتراس مقرهم لإحضار مستلزمات التشجيع إلى داخل الملعب. يشارك كل من الذكور والإناث في هذا النشاط. ولكن مع تمييز مهم. يُحضر الرجال المواد اللازمة لتصميم الرقصات (لافتات ،أعلام، قضبان ، براميل) أي الأشياء ذات القيمة الرمزية الأكبر، والتي قد تكون أكثر عرضة لهجمات مشجعي الفريق الخصم. أما النساء فيجلبن إلى داخل الملعب المواد اللازمة للتمويل الذاتي للمجموعة: قمصان وملصقات وأدوات أخرى. يتم بيعها لجمع الأموال.

قبل المباراة  تشارك المشجعات الإناث في بيع تلك الأشياء وفي إدارة الأموال. بينما ينشغل الذكور في إعداد “الكوريغرافيا” (أي تصميم وتحديد اللافتات والأغاني والرقصات، والأماكن التي ستؤدى وتوضع فيها). وحتى أثناء اللعبة تشارك إناث الألتراس بشكل هامشي في أداء الرقصات. لا تعزف أي منهن على الآلات الموسيقية، لا  يقرعن الطبول، لا يلوحن بالأعلام. هذه كلها أشياء من اختصاص الرجال».

في الحافلة التي أقلت رابطة المشجعين للملعب سجّل أحد الباحثين التعليمات الأخيرة، التي وجهها رئيس الرابطة للنساء: «ابقين معاً وكن على أهبة الاستعداد في كل لحظة لأن يحدث شجار مع مشجعي الفريق الخصم. إذا وقع القتال، يجب عليكن العودة على الفور إلى الحافلة. ودعونا نحن نقوم بالباقي».

ينبع تثبيط مشاركة النساء في المعارك، بحسب الباحثين، من خوف الألتراس من خسارتها بسببهن. ويسمح أيضًا للرجال بإظهار نوع من الهوية الذكورية المفرطة والمكبوتة. من خلال استبعاد النساء من أعمال الشغب المحتملة، بسبب ضعفهن المفترض. وبالتالي القيام بدور الأبطال  المسؤولين عن الدفاع عن النادي والنساء المعجبات به. وهو ما اعتبرته الدراسة  تأكيداً من الذكور على نموذج تقليدي جداً للرجولة. يقوم على الفروسية، والتمييز على أساس الجنس.

ترى الدراسة أن وصول النساء إلى هذه السياقات الاجتماعية، وتطورهن فيها، ما يزال مقيداً بشدة. وهو ما يخالف شكلاً وموضوعاً إرساء التنوّع، الذي يسعى إليه العالم الآن.

 

عنصرية المشجعين بين الجلال الإيطالي والمثالية الألمانية

تُتهم روابط الألتراس بإشاعة العنصرية في الملاعب أيضاً. رغم أن كثيراً من المشجعين يرفضون هذه التهمة بشدة، ويؤكدون على معاداتهم لكل أشكال العنصرية. دعك من وجود روابط مشجعين تعتبر نفسها يسارية أو أناركية بشكل واضح.

في أوائل أيلول/سبتمبر 2019  جمعت مباراة بين فريقي “إنتر ميلان” و”كالياري” في دوري الدرجة الأولى الإيطالي. وبينما كانت نتيجة المباراة تسير نحو تعادل الفريقين بهدف لمثله. تحصّل نادي “إنتر ميلان” على ركلة جزاء. فتوجه مهاجمه البلجيكي الأسود “روميلو لوكاكو” لتنفيذها. لتنهال عليه جماهير “كالياري” بالشتائم العنصرية. ما دعا اللاعب بعد المباراة إلى إصدار بيان، دعا فيه زملائه من لاعبي كرة القدم إلى الاتحاد لمحاربة العنصرية.

الغريب لم يكن ذلك البيان، بل الرد الذي أصدرته “Curva Nord”، وهي رابطة ألتراس نادي “إنتر ميلان”. وجاء نصه كالتالي:«عليك أن تفهم أن إيطاليا ليست مثل عديد من دول شمال أوروبا الأخرى، حيث العنصرية مشكلة حقيقية. في إيطاليا نستخدم بعض الطرق فقط لمساعدة فرقنا، ومحاولة جعل خصومنا متوترين. وليس وراء ذلك دوافع عنصرية، ولكن لتشتيت تركيزهم».

تعليقاً على سلوك بعض مشجعي النوادي الإيطالية كتب “توبياس جونز”، مؤلف كتاب “ألتراس: العالم السفلي لكرة القدم الإيطالية”، في صحيفة “الغارديان” البريطانية: «كما هو الحال مع عديد من الإيطاليين، يركز الألتراس على المظهر والجلالة. في الواقع يقول عديد من الألتراس إنهم لا يهتمون بكرة القدم: فالأمر كله يتعلق بالدفاع عن الأراضي والألوان والمعارك و”العقلية”».

في جهة أخرى في أوروبا، وتحديدًا في ألمانيا، يحاول مشجعو نادي “سانت بولي” بمدينة هامبورغ تقديم نموذج لما يجب أن تكون علية روابط الألتراس. النادي في الأساس يُعد معقلاً للفكر اليساري، وتحاول روابط الألتراس التابعة له الموازنة والجمع بين مختلف الفئات الاجتماعية.

يقول “تيم ماكلراث”، رئيس فرقة “Rise Against” الأمريكية. وهي إحدى الفرق  الغنائية التي تصنّف ضمن “الأندر غراوند”: «”سانت باولي” لا يشبه أي نادٍ آخر. ذهبنا إلى ملعبه، ورأينا عبارات مثل “لا كرة قدم للفاشيين” مرسومة على المنصة. رأيناهم يشجعون مزيداً من الفتيات على لعب كرة القدم. إنه أمر رائع».

ضربنا مثالاً بالنموذجين السابقين لا لقصر العنصرية على إيطاليا، ومعاداتها على روابط المشجعين الألمانية. ولكن للتأكيد على أن مجموعات الألتراس تسعى للعب أدوار سياسية واجتماعية مباشرة . ما يجعلها محل اهتمام حركات سياسية متعددة. خاصة قوى أقصى اليمين وأقصى اليسار. فالطابع الشعبي لروابط الألتراس، وحملها لكثير من الرموز الثقافية للطبقة العاملة الأوربية، يثير شهية هذا النوع من القوى.

ولكن ماذا عن العالم العربي؟

 

دماء الألتراس العرب

لايخفى على أحد دور روابط المشجعين في ثورات الربيع العربي. خاصة في مصر. حيث لعب الألتراس دوراً بارزاً في ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011. وكان “ألتراس أهلاوي” و”ألتراس زملكاوي” في طليعة الخارجين ضد النظام. وتحديدًا يوم الثامن والعشرين من يناير/كانون الثاني، أو ما يُسمى بـ”جمعة الغضب”، الذي اعتبره كثيرون يوم الثورة الحقيقي.

لعبت روابط المشجعين دوراً كبيراً في انتصار المتظاهرين على جنود الأمن المركزي. فقد كانت الفئة الوحيدة المنظمة، التي واجهت قمع السلطة.

الصراع بين الألتراس وجنود الأمن المركزي بدأ قبل الثورة بسنوات عدة. تقريباً منذ البداية الفعلية لهذه الروابط عام 2007. واستمر الصراع بين الطرفين إلى ما بعد انتصار الثورة. حتى جاءت مجزرة بورسعيد عام 2012، أثناء مبارة “الأهلي” و”المصري”، التي راح ضحيتها اثنين وسبعين قتيلاً من جمهور الأهلي. وأعقبتها حادثة “الدفاع الجوي” عام 2015، التي أودت بحياة اثنين وعشرين من مشجعي نادي الزمالك. وقد أدت الحادثتان لكسر شوكة روابط الألتراس في مصر إلى حد كبير.

أدركت السلطات العربية على ما يبدو أن تحطيم أي مقاومة منظّمة للأنظمة القائمة تستلزم حتماً إخضاع جمهور كرة القدم، حتى لو تطلب الأمر مجازر دموية.

 

المشجعون المستهلكون يجتاحون الملاعب

إلا أن المجازر الدموية ليست الطريقة الوحيدة لكسر روابط الألتراس. في الدول الغربية يلجأون إلى أساليب أكثر “تحضّراً”: يتم ضخ رؤوس أموال ضخمة في اللعبة، من مصادر جديدة غير مشاركة أو معنية حقاً بكرة القدم ومشجعيها: البورصات، الشبكات الإعلامية الكبرة، خدمات المشاهدة مقابل اشتراكات، شركات الانترنت والعلاقات العامة والأزياء وتصنيع المعدات الرياضية، رجال الأعمال الساعين لغسيل الأموال أو اكتساب نفوذ سياسي في بلد معيّن، الخ.

نمط المشجع، الذي تفترضه هذه الاستثمارات، يختلف عن المشجع التقليدي، ابن النادي المخلص الشغوف بالكرة، الذي يملك ارتباطاً شخصياً وعاطفياً طويل المدى مع ناديه. المشجع الجديد، لما يسميه البعض “كرة قدم ما بعد الحداثة”، هو “المشجع المستهلك”.

المشجع التقليدي دائماً ما تجذبه فكرة الانتماء، ليس فقط بمعناه البسيط، بل أيضاً بمعناه السياسي والأيديولوجي. فبالرجوع إلى كيفية اختيار البعض لتشجيع نادٍ معين، نجد، إضافة للعوامل المحلية والمناطقية، أسباباً أكثر تعقيداً: الأيديولوجيا اليسارية، كما في حالة مشجعي نادي “سانت باولي” اليساري الأناركي في هامبورغ؛ أو الأيديولوجيا القومية التحررية مثل حالة المشجعين القدماء لنادي برشلونة الإسباني؛ أو حتى الانتماء لثقافات فرعية فاشية، كما هو الحال في أندية مثل “لاتسيو” و”فيرونا”، أو بعض أندية ألمانيا الشرقية سابقاً.

أما المشجع المستهلك فهو نتاج الاستثمار طويل الأمد في تسليع كرة القدم. هو على الأغلب معجب حديث بنادي كرة القدم، أو لاعبين محددين مشهورين إعلامياً فيه. فتُقاس درجة انتمائه للنادي بمدى إستهلاكه لما يطرحه من منتجات، مادية أو غير مادية. ويمكن ملاحظة أن المشجع المستهلك أكثر تهذيباً وانضباطاً من المشجع التقليدي، وربما يكون أكثر “تنوعاً” أيضاً. إذ فُتح سوق الاستهلاك الرياضي لكل الهويات العرقية والجندرية والثقافية.

لا يمكن معرفة مصير روابط المشجعين التقليدية مع تطور تسليع كرة القدم: هل ستزول نهائياً، ليتصدّر المستهلكون الجدد المشهد تماماً. أم أن ظاهرة الألتراس ستترسخ، بوصفها مركزاً لمقاومة مجتمعية مضادة للتسليع بكل قيمه. بما فيها قيم “التنوع” العائدة لما يسميه البعض “النيوليبرالية التقدمية”.

هكذا يبدو أن “المقاومة” في عصرنا دائماً ما تتخذ هيئة رمادية، وعليها كثير من علامات الاستفهام: هل الألتراس ذكوريون؟ فاشيون؟ يساريون متطرفون عنيفون؟ عنصريون؟ ولكن هل يوجد “مقاومون” في أيامنا  أكثر “نظافة” من هؤلاء؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.