مفكرون سوريون: سوريا لا تحتاج إلى أي مُفتي “موالي أو مُعارض”

مفكرون سوريون: سوريا لا تحتاج إلى أي مُفتي “موالي أو مُعارض”

الكثير من الجدل والتعليقات بمقابل عبارات التأييد والمباركة أثارها السوريون على مواقع التواصل الاجتماعي، منذ مساء يوم أمس السبت، إثر انتخاب “المجلس الإسلامي السوري” الشيخ أسامة عبد الكريم الرفاعي؛ مفتياً عاماً لسوريا، وذلك بعد أيام قليلة على إعلان حكومة دمشق إلغاء المنصب لديها بعد مرسوم رئاسي، وتغييب المفتي السابق أحمد حسون عن المشهد العام في سوريا.

الجدل المثار كان له عدة محاور ارتكز عليها، لا سيما وأن القرار الذي اتخذه “المجلس الإسلامي” (مقره اسطنبول، تأسس عام 2014، ويتبع للمعارضة السورية) جاء كـ ردة فعل على ما قام به الرئيس السوري بشار الأسد، مؤخراً، حينما ألغى منصب المفتي، ومنح صلاحياته إلى المجلس العلمي الفقهي.

ما يعني أن قرار انتخاب الرفاعي، وفق بعض الآراء، عبارة عن ردة فعل سياسية من أجل توظيف ديني تستفيد منها المؤسسة المُعارضة التي تم إنشاؤها منذ حوالي 7 سنوات.

بينما اعتبر البعض الآخر من خارج نطاق المُباركين والمؤيدين لخطوة “مُفتي المعارضة”، أن تعيين مفتي في مثل هذا الوقت، يُظهِر بشكل رئيسي وكأن “المجلس الإسلامي السوري” المُعارض كان يعترف بمناصب سلطة دمشق، وأن هذه الخطوة التعويضية جاءت لتعبر عنهم كبدلاء عن حكومة دمشق بمناصبها وقراراتها.

“المجلس الإسلامي” وعبر بيان مصور نشره يوم أمس السبت، أشار إلى أن “المجلس الإسلامي” و”مجلس الإفتاء” التابع له، قررا انتخاب الشيخ الرفاعي “مفتياً عاماً” في سوريا.

وأكد المجلس، على أهمية منصب الإفتاء و”مكانته الرمزية” على تعاقب العصور والدول، وشدد بيان المجلس على ضرورة “إعادة الأمور إلى نصابها التاريخي” من خلال الإبقاء على منصب المفتي، “وإرجاع الاختيار فيه إلى كبار العلماء والفقهاء”.

وكان الرئيس السوري بشار الأسد، ألغى بمرسوم رئاسي منصب “مفتي الجمهورية”، الذي شغله أحمد بدر الدين حسون منذ 17 عاماً.

المفتي “بِدعة عُثمانية”!

الكاتب السوري والباحث في شؤون الفكر الإسلامي، أحمد الرمح، اعتبر خلال حديث خاص لـ”الحل نت” بوجود عدة أخطاء من قبل “المجلس الإسلامي السوري”، حيث ما تزال المعارضة، وفق رأيه، تعمل بردات الفعل وتقوم بـ “فعل عاطفي تجاه أمر سياسي”، تستغل فيه موضوع الدين و«هذا أمر خاطئ»، بحسب تعبيره.

منصب المفتي ما هو إلا “بدعة عثمانية” ليست موجودة في تاريخ الإسلام. ففي أيام العباسيين كان هناك منصب قاضي القضاة بمثابة وزير عدل. بحسب رأي الرمح.

دلالات خطوة انتخاب المفتي، هي رد فعل عاطفي أراد “المجلس الإسلامي السوري” من خلالها استغلال حالة سياسية بعد المرسوم الرئاسي للأسد الذي ألغى منصب المفتي.

لا تحتاج سوريا إلى مفتي ولا إلى المؤسسة الدينية، بحسب الرمح، فالمفتي في سوريا سابقا كان عبارة عن موظف صغير في القصر الجمهوري يتحرك بإمرة الحاكم. والآن هناك أوضاع مزرية في سوريا على الصعيد السياسي والمعاشي. إلى جانب وجود حالة الشتات.

وأضاف «كذلك فإن المجلس الإسلامي السوري له سوابق في إصدار فتاوى لا تبشر بخير منذ تأسيسه، حيث صدرت فتوى في عام 2015 حرمت الهجرة، فضلاً عن قيامهم بالتحريض ضد المنظمات النسوية. نحن أمام عقلية مشيخية لا تختلف عن المشايخ (لدى سلطة دمشق)».

باتت سوريا بحاجة ماسة إلى تأسيس حقيقي لرسم الحدود بين الدين والدولة، والدين والسياسة، وإذا كان هناك مجلس علمي فقهي منفتح على الجميع فلا بأس بذلك، بحسب الباحث الرمح، ولكن لا يجب أن يكون ذراع لتيار معين موجود ضمن المعارضة، ويشرعن وجود هذا الذراع.

بينما ختم حديثه بالقول «نحن نؤيد وجود مجلس علمي فقهي، ولكن أن يكون أحد غرف السلطة التشريعية في سوريا المستقبل. كذلك نحن نريد دولة المواطنة، ولانريد دولة دينية أو دولة سنية، ولا نريد دولة تتحدث إلا بالمواطنة».

موقع “الحل نت” تواصل مع “المجلس الإسلامي السوري” ممثلاً بمتحدثه الرسمي، مطيع البطين، إلا أننا لم نتلقى رداً -حتى ساعة نشر التقرير- على أسئلتنا المُرسلة منذ مساء يوم أمس السبت، حول معاني هذه الخطوة وأهميتها، ودلالتها فيما إذا كانت توحي بعمل “المجلس الإسلامي” ضمن مبدأ رد الفعل الذي يشي ضمناً باعترافهم بمنصب المفتي خلال فترة توليه من قبل المفتي السابق أحمد حسون.

هل تُعيد دمشق منصب المفتي إلى الواجهة من جديد؟

أهمية التركيز على ملف المفتي وتباين أدواره بين حكومة دمشق و”المجلس الإسلامي السوري” تكمن عبر زاويتين، الأولى، وهي من الناحية الشعبية، من كون أن منصب المفتي “غير مهم” لأن المراجع لدى الناس ستكون متعددة، ومتباينة. بحسب قول الباحث الإسلامي، جمعة لهيب.

وأضاف لهيب خلال حديث خاص لـ”الحل نت” أن الزاوية الثانية تنطلق من حقيقة دور المفتي منذ أسسه السلطان العثماني سليم الأول، كصبغة للدولة ليس إلا. وتابع في هذا السياق «من هنا تكمن أهمية منصب الإفتاء, ولهذا برأيي سيعمد النظام ربما لعودة المنصب لأنه فقد صبغته التي تجعل الإسلام دينا للدولة من حيث هي كيان يشمل هوية الشعب والأرض، وصفة للسلطة,،ولا يضيرها بكل تأكيد التنوع الديني والمذهبي».

ورأى أن «مجلس الإفتاء الذي أسسه وزير الأوقاف لا يستطيع القيام بهذه المهمة لعوامل كثيرة، لعل أولها غياب التصور لنقل الصبغة الإسلامية -السنية- إلى الكوكتيل المذهبي».

لهيب أكد أيضاً عدم حاجة سوريا إلى مفتي، فهي معركة رمزية، لها دلالتها الرمزية ليس إلا، وفق لهيب. معتبراً أن لا حكومة دمشق تمثل الإسلام، ولا المفتي الرفاعي سيمثل الدولة. «هي مجرد معركة ملء الفراغ -أي فراغ- التي تجعلها المعارضة وسيلتها في محاربة (سلطة دمشق)»..

تنخر قضية فصل الدين عن السياسة في عمق الفكر العربي بشكل عام، والسوري بشكل خاص، وكانت ولا زالت المحور بكل الخلافات السياسية وبل الدينية أيضا، وربما الأصح القول بفصل المؤسسة الدينية عن المؤسسة القضائية عن المؤسسة التنفيذية عن المؤسسة التشريعية، هكذا يتم تحرير مكان النزاع، وفق قول لهيب.

ردة فعل ارتجالية من “المجلس الإسلامي”؟

الباحث والمفكر السوري، حمزة رستناوي، ذكّر خلال تعليقه على أسئلة “الحل نت” بخصوص “انتخاب” أو “تعيين” الشيخ أسامة الرفاعي، “مفتياً عاماً لسوريا” بأن الإفتاء ووظيفة المُفتي في ظل سلطة حكومة دمشق هي وظيفة رمزية دون سلطة فعلية.

وأشار إلى أن سلطة البعث بدمشق استعملت «المؤسسات الدينية الرسمية وشبه الرسمية، بالإضافة إلى رجال دين سنّة كثر أشهرهم أحمد كفتارو، ومحمد سعيد رمضان البوطي، وأحمد بدر الدين حسون، ومشايخ الطرق الصوفية عبر تاريخ (سلطتها) لتسويق للاستبداد وإشعار السوريين من الفئوية السنّية بألفتهم مع النظام (السياسي الحاكم)».

“المجلس الإسلامي السوري” هو مؤسسة تضم رجال دين تقليديين لهم موقف معارض لسلطة الأسد، وهي تتبنى فهما تقليديا سائدا للإسلام يتمحور حول “الفرق الناجية وأهل السنة والجماعة”، بحسب رستناوي، وينتمي لفضاء القرون الوسطى، ويُخاطبون “أمّة الاسلام والمسلمين”، ويُمكن مراجعة فتاواهم المختلفة، سواء عبر (بيان تهنئة للشعب الأفغاني بطرد “المحتل”) وكذلك يمكن مراجعة خطبة للشيخ أسامة الرفاعي في مدينة اعزاز في ريف حلب الشمالي، (عندما أشار إلى أن المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال الغربي من سوريا رجس من عمل الشيطان).

إن إقدام “المجلس الإسلامي السوري” على انتخاب أسامة الرفاعي كمفتي، هو خطوة تأتي ضمن “سياق ردات الفعل الارتجالية”، ولن تكون بأفضل من سابقاتها كما “الحكومة السورية المؤقتة”، وفق تعبير المفكر رستناوي.

وتساءل في معرض حديثه لـ”الحل نت” «هل تحتاج سوريا في الظروف الحالية إلى مُفتي ومؤسسة دينية، تمارس دورا سياسيا غير جامع ويتم استخدامها عند اللزوم. أم أن سوريا تحتاج لفصل الدين عن السياسة، و حضور العقل السياسي وثقافة المواطنة المتساوية التي لا يعترف بها رجال الدين من غالب الأطراف».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.