التهديدات التركية لشرقي الفرات: هل ستتنازل “قسد” لحكومة دمشق مقابل تأمين غطاء روسي-أميركي لها؟

التهديدات التركية لشرقي الفرات: هل ستتنازل “قسد” لحكومة دمشق مقابل تأمين غطاء روسي-أميركي لها؟

التهديدات التركية لشرقي الفرات من شأنها تغيير خارطة السيطرة العسكرية في المنطقة، وإعادة رسمها من جديد. كما يؤكد كثير من المراقبين. خاصة أن أنقرة تعتبر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) خطراً على أمنها القومي. ويبدو أن تلك التهديدات قد أعادت ترتيب الأوراق السياسية في المنطقة. بعد اللقاء الذي جرى بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره التركي رجب طيب أردوغان. في الوقت الذي تضغط فيه روسيا من جانبها على قوات سوريا الديمقراطية لإتاحة دور أكبر للحكومة السورية في مناطق سيطرتها. مروجةً أنها تمنح “قسد” فرصة لتجنّب أي عمل عسكري يهدد وجودها.

وكان الرئيس أردوغان قد أكد لنظيره الأميركي، مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني، أن وجود قوات حزب الإتحاد الديمقراطي في شمال وشرق سوريا يشكل تهديداً لتركيا. ليعقب اللقاء تفاهمٌ بهذا الخصوص. قام على ما يبدو على أساس دعوة أميركية للأتراك بضبط النفس. والبحث عن حلول بعيداً عن العمل العسكري. 

ليكون الرد، على لسان الرئيس التركي، الإصرار على التهديدات التركية لشرق الفرات. فعندنا «تستدعي الضرورة القيام بعمل عسكري سيتم تنفيذه. ولا تراجع عن ذلك. ولا يمكن لتركيا أن تصرف النظر عن وجود التنظيمات الإرهابية. وإذا واجهت تركيا حزب العمال الكردستاني أو وحدات الحماية الكردية، فإننا سنعمل ما يلزم حيالهما، دون أي تنازل. وهذا ما أبلغنا به الجانب الأميركي بشكل دائم». بحسب قول أردوغان. الذي أضاف: «اتفقنا مع الأميركيين على العمل المشترك فيما يتعلق بأولويات تركيا الأساسية في سورية. وأميركا لا توجد لديها مقاربة سلبية في هذا الإطار. وقلت إن كنا حلفاءً في الناتو فلا يجب على أميركا دعم مثل تلك الجهات». في إشارة لقوات سوريا الديمقراطية، التي تتهمها أنقرة بالتبعية لحزب العمال الكردستاني.

فهل تعني تصريحات أردوغان أن التهديدات التركية لشرقي الفرات ما تزال قائمة؟ أم أنها محاولة للتغطية على تراجع أنقرة ورضوخها للضغط الأميركي؟

للقراءة أو الاستماع: تركيا في شرق الفرات: ما الموقف الأميركي والروسي من قصف “قسد” بالطائرات المسيّرة؟

التهديدات التركية والتوازنات الروسية-الأميركية

وكانت تسريبات رشحت عن الاجتماع التركي الأميركي قد بيّنت أن التهديدات التركية لشرقي الفرات لم تعد حاضرة بشكلها السابق. إذ أجّلت أنقرة العملية العسكرية، التي هددت بإطلاقها مؤخراً، لأجل غير معلوم. مقابل المطالبة بانسحاب “قسد” بعيداً عن الحدود التركية بمسافة ثلاثة وثلاثين كيلومتراً. من جهتها ألمحت واشنطن، التي تقود التحالف الدولي ضد الإهاب، الداعم لقوات سوريا الديمقراطية، إلى موافقتها على هذا المطلب. دون وضع آلية للتنفيذ.

في المقابل تسعى روسيا لاستغلال التهديدات التركية لشرقي الفرات للضغط على قسد، دون الصدام معها في الوقت الحالي. ورافقت هذه المناورات السياسية تهديدات روسية، وتلميح باللجوء للقوة، عبر وسائل إعلامية موالية لحكومة دمشق. في حال عدم تنفيذ قسد لمطالب موسكو.
وبخصوص تعقيدات الوضع، وتداخل مصالح الدول الكبرى، بعد التهديدات التركية لشرقي الفرات، قال “وليد جولي”، مسؤول العلاقات العامة في “مركز الفرات للدراسات”، إنه «بعد احتلال تركيا لعدة مناطق في سوريا حدثت تغيرات سياسية عديدة في المنطقة. نعلم أن هناك اتفاقية غير معلنة، هي اتفاقية “كيري _لافروف”، حددت مناطق نفوذ كل من روسيا والولايات المتحدة، وكانت سارية المفعول حتى 2019. بعدها دخلت روسيا بصفة ضامن لوقف إطلاق النار بين تركيا و”قسد”».

وأضاف “جولي”، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «وجود روسيا بات مترسخاً شرقي الفرات. فهي حاضرة بصفة مراقب في مطار القامشلي. وتشرف على سياسات حكومة دمشق في المنطقة عموماً. وتركيا تلعب على الوترين الروسي والأمريكي في الوقت نفسه. وعلى الأغلب فإن التفاهمات بين هذه القوى المتداخلة هي التي ستسود المشهد السياسي في المنطقة».

وبيّن “جولي” أن «هدف الروس الأساسي هو إعادة تعويم حكومة دمشق شرقي الفرات. ولكن وجود أميركا يمنع هذا. والأميركيون متمسكون بالبقاء شرقي سوريا. ويربطون بقاءهم بالحل السياسي. وما يحدث الآن من بوادر تفاهم بين روسيا وأميركا رسالةٌ لتركيا بأن الدولتين هما المسؤولتان عن رسم المشهد. وبإمكانهما إقصاء تركيا منه متى أرادتا ذلك. ولهذا فإن التهديدات التركية لشرقي الفرات لا فعالية لها، ما دام التوازنات الروسية والأميركية الحالية مستمرة».

سعي روسي للتهدئة شرقي الفرات

 الناشط الحقوقي “أبو عمر البوكمالي”، الذي فضّل عدم ذكر اسمه الصريح لأسباب أمنية، تحدث لموقع «الحل نت» عن الوضع حالياً في المنطقة. عقب التهديدات التركية لشرقي الفرات. مؤكداً «توجه الروس للتهدئة في الوقت الحالي في الملف السوري على العموم، ومنطقة شرق الفرات خصوصاً».

وأضاف “البوكمالي”: «بدأ الروس، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، يشعرون بالحرج في المستنقع السوري. خاصة أنه لم يعد هنالك نشاط ملحوظ لتنظيم داعش في مناطق سيطرتهم. ما يحرمهم واحدة من أهم مبررات بقائهم. وفي فترة من الفترات كان هناك برود بين الحرس الثوري الإيراني بشكل عام وروسيا. والروس اليوم يبحثون عن منفذ للتفاهم مع طهران. ومنذ ثلاثة أشهر يتعاملون بشيء من النعومة تجاه كافة الأطراف، بما فيها الإيرانيين، الذين يُعتبرون منافسين لهم في المنطقة. ودليل ذلك اجتماع تم منذ فترة، بين الروس وممثلين عن الحرس الثوري وحكومة دمشق، للضغط على “قسد” لتسيير أعمال النظام في مناطق سيطرتها. كما التقى الروس مع الإيرانيين في مدينة البوكمال شرقي دير الزور للتفاوض على تأمين منفذ دائم لهم باتجاه العراق. من خلال معبر القائم. والغاية ليست مجرد الوجود العسكري. وإنما تحقيق إيرادات من المعبر. على غرار الإيرادات التي تحصّلها الميلشيات الإيرانية».

وبيّن الناشط السوري أن «الروس يتكبّدون بشكل يومي كثيراً من الخسائر. قسم منها يعلن عنه، وقسم يبقى مخفياً. ولذلك بدأوا بالتقرّب من الإيرانيين. رغم أنهم في السابق أبعدوا كافة مقراتهم عن المقرات الإيرانية، وحاولوا الظهور بوصفهم شريكاً للمجتمع الدولي لتحقيق الحل السياسي. اليوم أدركوا بوضوح أن سوريا قد تراكمت عليها الديون، ولا نفع منها اقتصادياً. وهي تدخلهم في حسابات معقدة. منها التهديدات التركية لشرقي الفرات».

للقراءة أو الاستماع: لقاء أميركي روسي حول شرق الفرات.. أسباب معروفة ونتائج حاسمة

التهديدات التركية لشرقي الفرات ما تزال قائمة

في المقابل، ورغم كل التطمينات الأمريكية والروسية لقوات سوريا الديمقراطية، لا تزال التهديدات التركية لشرقي الفرات قائمة، كما أكد مصدر عسكري في الجيش الوطني المعارض لموقع «الحل نت».

وقال المصدر، الذي رفض نشر اسمه، أن «الجيش الوطني لا زال بحالة استنفار على نقاط التماس مع “قسد”. إضافة لتواجد كثيف للجيش التركي على هذه النقاط». لافتاً إلى أن «عملية عسكرية تركية قد تبدأ في أي لحظة على منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي».

مقالات قد تهمك: التهديدات التركية لشمال سوريا: هل هنالك مقايضة تركية-روسية على تسليم تل رفعت للأتراك؟

يشار أن روسيا تلعب الآن دور الضامن لوقف إطلاق النار في المنطقة. وتكثّف جهودها لإيجاد تفاهم حقيقي بين حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية. وقد أطلقت عدة جولات من المفاوضات بين الطرفين. منها ما تم أثناء زيارة “علي مملوك”، رئيس مكتب الأمن القومي السوري، للقامشلي مطلع العام الجاري. ما يعكس الإصرار الروسي على استغلال التهديدات التركية لشرقي الفرات. والدور الأمريكي في المنطقة. لصالح اتفاقية تعقدها “قسد” مع الحكومة السورية. تتيح للأخيرة العودة لحكم شمال وشرق سوريا.  

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.