صور نسائية في “حملة الستة عشر يوم” لمناهضة العنف ضد النساء

صور نسائية في “حملة الستة عشر يوم” لمناهضة العنف ضد النساء

تقول سيمون دو بوفوار في كتابها الجنس الآخر، فصل صورة المرأة: “تظهر النساء في الواقع الملموس بأشكال مختلفة، إلّا أن كل صورة نموذجية تدّعي أنها فريدة، والنتيجة هي وجود صور نموذجية متعددة لا يمكن لها أن تتعايش معاً. أما الرجال فيبقون حالمين أمام التهلهل الغريب لفكرة الأنوثة”.

هذا الكلام قيل قبل عشرات السنين على لسان إحدى أبرز العقول النسوية العالمية، لكن صورة المرأة أو وجود نماذج مسبقة الصنع لتشكيل صور نسائية نموذجية توضع على رفوف وواجهات العرض المختلفة، مازال سائداً حتى يومنا هذا، فمن دار العرض الضيقة المتمثلة بحمام السوق، حيث يتم تقليب النساء يميناً ويساراً بحثاً عن امرأة مُرضية مستوفية كل الشروط المطلوبة من لون العينين والبشرة إلى قياس محيط الخصر، وصولاً إلى أسواقٍ برفوف أكثر حضاريةً، تصادفنا هنا وهناك في شروط إعلانات العمل على سبيل المثال.

فكل مكان لديه تصور واضح وصريح عن شكل النساء المطلوبات، في حين لم يكن هناك أي نموذج للرجال من هذا النوع، وأقصد به نماذج رجالية للاختيار والاستحسان.

فيما يلي سرد واقعي من نوع آخر ظهر إلى السطح خلال الأحداث السورية التي بدأت في 2011، وما خلفته الحرب الطاحنة من دمار أقل ما يقال عنه أنه شامل ومرعب، حالات نسائية لم تخطر على بال “دو بوفوار” وقتها وإلا باعتقادي كانت ستخصص لها حيزاً كبيراً في كتاباتها.

وفقاً للإحصائيات فالحرب في سوريا قتلت ما يقارب نصف المليون مدني، القصف والاشتباكات خلفت مليون مصاب حرب، وهجرت نصف السكان، من ضمنهم خمس ملايين مهاجر.

على ضبابية الأرقام وعدم دقة الإحصائيات لأسباب كثيرة منها اختلاف القوى المسيطرة والتعتيم الإعلامي في بعض المناطق، إلا أن هناك معاناة من نوع آخر تتفرد بها النساء والفتيات المصابات فوق معاناة الإصابة بحد ذاتها وما تنطوي عليه من أذىً فيزيائي ونفسي.

فخلال عشر سنوات من الحرب تعرضت الكثير من النساء والفتيات إلى إصابات حربية بليغة خلال القصف على مناطق المدنيين أو تعرضن لحوادث من نوع آخر خلال رحلات النجاة المختلفة التي خضنها جنباً إلى جنب مع الرجل، إلا أن سنوات الحرب وما جلبته من بلاء على المجتمع السوري لم تكن كفيلة بتصحيح الإدراك المجتمعي المتراكم حول صور النساء النموذجية والمختلفة، فيما يلي شهادات نساء وطفلات خضن تجربة الحرب بكل مرارتها لكن من زاوية أخرى.


هناء، 24 عام، امرأة سورية تزوجت قاصر، أم لأربعة أطفال تعيش اليوم في مدينة غازي عنتاب التركية تقول: “كنت اغسل ملابس زوجي بيدي ظهر أحد الأيام بعد أن اعتدنا انقطاع الكهرباء عن المنطقة (ريف حلب الشرقي) عندما بدأ القصف في وضح النهار على قريتنا، كنت من ضمن المصابين والمصابات الذين طالتهم الشظايا، احترقت ملابسي فوق جسمي، وسارع عملية الاحتراق وجود برميل الوقود بالقرب مني الذي اشتعل بما يحتويه من وقود لتلتهمني نيرانه أيضاً، عندما افقت كنت في مستشفى بمدينة كهرمان مرعش التركية بعد أيام قضيتها في الغيبوبة”.

خضعت هناء لتدخل طبي مباشر في المشفى وبقيت في العناية المشددة حتى تجاوزت مرحلة الخطر، ساعدتها أمها خلال أشهر إقامتها بالمشفى على إحضار أطفالها الأربعة من سوريا وبقيت الأم تعتني ببنتها هناء وأحفادها لما يقارب السنة حتى لحق بها الزوج من سوريا، لم يكن لقاء هناء بزوجها بعد عام من إصابتها باللقاء الدافئ الودود، إذ أنه لم يتقبل شكل جسم زوجته الجديد ولم يستطع منع نفسه من التنمر عليها بدون أي مراعاة لمشاعرها وكأنها هي المتهمة بما حل بها، تتابع هناء سرد حكايتها: “يقول لي أذهبي نامي بغرفة الأطفال لأن منظرك يشعرني بالقرف، لا تنزعي غطاء رأسك أمامي لأني لا أحب رؤية جسمك المحروق”
لم تستمر الأمور إلّا بضعة أسابيع على هذه الحال، حيث قرر الزوج المغادرة وقطع التواصل مع عائلته بشكل كامل، مضى على رحيله خمس سنوات اليوم، لم يسأل عن أطفاله وزوجته أبداً.

بينما هناء بقيت في تركيا تعمل من المنزل بصناعة الأحذية لتحصل على أجره يتراوح بين 15-25 ليرة تركية يومياً بأحسن الأحوال. عندما زرتها كانت تعيش في بيت قديم متهالك كان يستخدم كحظيرة للحيوانات، تدفع ما تجنيه من مبالغ زهيدة آجار للمنزل، وتدفع المبلغ الشهري المتواضع الذي تحصل عليه من المساعدات النقدية المخصصة لفئات معينة من اللاجئين في تركيا (كرت الهلال الأحمر) ما يترتب عليها من فواتير وما يسد رمق أطفالها الأربعة، تطرق باب المنظمات الإنسانية في منطقتها من وقت لآخر لمساعدتها بإجراء علميات بلاستيكية لجسمها الذي ما زال في ريعان شبابه لولا الحروق التي تغطيه، أو مساعدتها بشراء الثياب الضاغطة الخاصة بالحروق مع أدويتها، إلا أن طلبها يقابل بالرفض دوماً لغياب الدعم عن هذا النوع من الاحتياجات.

لا يختلف حال ناديا كثيراً عن هناء: تزوجت قاصراً أيضاً وتبلغ من العمر 22 عام، بعد انتشار الوقود غير المصفّى في الأسواق بسبب رخص ثمنه وتوفره الدائم، خصوصاً بعد انقطاع جميع مصادر الطاقة الأخرى من كهرباء ووقود نظامي، والمعروف عن هذا الوقود سرعة احتراقه وتسببه بوقوع عدد كبير من الضحايا، منهم ناديا حيث كانت تحاول تدفئة بيتها الصغير في مدينة الباب عندما انفجرت المدفئة وحرقتها بالكامل.

دخلت ناديا عن طريق الإسعاف إلى تركيا وبقيت في مدينة أضنه التركية لمدة سبع أشهر في المستشفى حتى خرجت من العناية المركزة، خضعت لعدة عمليات جراحية لإنقاذ حياتها، تقول والدة ناديا: “طلبت منها البقاء معي في تركيا لأن زوجها لم يتصل للاطمئنان عليها منذ وقعت الحادثة، لكنها تصر على العودة إلى سوريا بمجرد أن يعطيها الأطباء إذن الخروج” عندما عادت ناديا إلى زوجها، كان قد تغير كل شيء، حيث تعرضت بمنزل الزوجية للضرب والعنف النفسي.

عملت والدة ناديا بتنظيف المنازل في تركيا واستدانت مبلغ ألفي دولار لإحضار ابنتها مرة أخرى عن طريق مهرب من مدينة الباب الواقعة بريف حلب حيث كانت تعيش مع زوجها الذي قام بضربها ضرباً مبرحاً آخر مرة وطردها من المنزل مع طفليها، وتزوج من امرأة أخرى.

ناديا قبلت بالعودة إلى زوجها عدة مرات مبررة ذلك بحبها له، رغم الشروط المجحفة التي وضعها ورغم زواجه من أخرى، وتعنيفه الدائم لها بعد إصابتها، تقول “آخر مرة كسر عصا الممسحة على جسمي وطردني إلى الشارع وقال لا أريد رؤيتك مرة أخرى”.


تحتاج ناديا اليوم إلى عمليات لتحرير الجلد حيث سيساعدها هذا على استخدام يدها بشكل أفضل، وتحتاج إلى علاج الجلد المحروق بالليزر، أيضاً ملابس ضاغطة وأدوية لا يستطيع أحد تقديمها لها بالظروف الحالية، حيث إن أكثر ما تقدمه المنظمات الإنسانية هو خدمات الدعم النفسي والخدمات القانونية وبعض المساعدات العينية.

الفتيات المصابات

لا تمتلك الفتيات من مصابات الحرب الصغيرات ظروفاً ودعماً أفضل من النساء، حيث تواجههن المشاكل الكثيرة، يخبرني والد زهى البالغة من العمر اثنا عشر عاماً أنه أضطر إلى إخراجها من المدرسة بعد أسبوع واحد فقط، إذ أن الطفلة التي تعيش في أنقرة مع عائلتها لم تتلقى القبول في الفصل الدراسي، وواجها التنمر الشائع في المدارس، اضطر على إثرها الأب للتنازل عن حق ابنته بالتعليم وتركها في المنزل ظناً منه أنها الطريقة الأمثل لحمايتها من النظرات والتنمر والرفض المجتمعي، الجدير بالذكر أن زهى أخيراً حصلت على فرصة للعلاج مع منظمة إنارة (www.inara.org) بعد سبع سنوات من إصابتها، حيث لا يحصل الكثير من الأطفال على هذه الفرص بسبب ضعف الإمكانيات والدعم لهذا النوع من الحالات الإنسانية المكلفة والتي تتطلب اهتمام ومتابعة مكثفة لفترة طويلة من الزمن.


فلة: طفلة أخرى تبلغ من العمر أربعة عشر عاماً تم قصف منزلهم في حلب عام 2013، طالت الحروق كل جسمها الصغير، تنقلت بين المشافي في سوريا وتركيا لسنوات، عندما التقيتها للمرة الأولى شرحت الأم معاناة طفلتها التي تجلت بحرمانها من التعليم والحياة الاجتماعية، وعدم القدرة على استكمال علاجها في تركيا بسبب الأجر المرتفع لعملياتها الجراحية، أما فلة فعبرت عن حالتها بطريقتها الطفولية، حيث قالت عندما سألتها عن أحلامها بأنها تريد الشفاء العاجل لتتمكن من وضع حلق بأذنيها المحروقتين تماماً مثل جميع الفتيات الصغيرات بعمرها، وأن تلبس حذاء بنّاتي صغير على مقاس الأقدام الطبيعية وليس أقدامها المتضخمة بسبب الإصابة. هذه الطفلة أيضاً وجدت فرصتها بالعلاج مع منظمة إنارة بعد 8 سنوات من إصابتها، مما ولّد لديها الأمل بالحياة من جديد إلا أن انقطاعها الطويل عن المدرسة لن يعوضه العلاج بسهولة.


شيماء؛ طفلة خجولة أخبرني اخوها أنها الناجية الوحيدة من المجزرة إلا أنها خجولة جداً ومنعزلة تبلغ من العمر اليوم ستة عشر عاماً ويجب علاج آثار الإصابة التي على جسمها لأنها على حد قوله لي عندما التقيتهما “أصبحت صبية وحرام يضيع مستقبلها وأنني فتاة مثلها سأفهم لوحدي مقصده”، شيماء أيضاً من الحالات التي تتلقى العلاج اليوم عن طريق نفس المنظمة.



السياق العام

تعاني الكثير من النساء السوريات المصابات بإصابات حربية مباشرة أو غير مباشرة من صعوبات الحياة، فمن نفور المجتمع والزوج، إلى تنوع المشاكل الصحية وعدم القدرة على الوصول إلى علاج كامل لمشاكلهن الطبية. في المستشفيات التركية تتلقى المصابات علاج “حفظ الحياة، وهو تدخل طبي مباشر يهدف إلى إنقاذ حياة المصاب أو المصابة دون القيام بالإجراءات الباقية مدفوعة الأجر” وبعض العمليات التحريرية الأخرى في بعض الأحيان وليس دائماً، كما أن المصابة لا تحصل على الملابس الضاغطة أو أقنعة السيليكون أو أدوية ترميم الجلد أو علاج بالليزر أو أية عمليات جراحية تحتاجها المريضة لاحقاً، ناهيك عن احتياج بعض المصابات إلى الأطراف الصناعية و الأدوات المساعدة، باعتبار أن هذه الخدمات هي تجميلية أو تكميلية لا تغطيها التأمينات الصحية التي يحصل عليها اللاجئون واللاجئات من حملة بطاقة الحماية المؤقتة، هذا بغض النظر عن الحالة النفسية السيئة التي تعاني منها النساء في ظل غياب أي منظمة مختصة بقضايا النساء الناجيات والمصابات تحديداً في تركيا رغم وجود عشرات المنظمات المحلية والتركية والدولية التي تعنى وتعمل على دعم قضايا اللاجئين فيما عدا منظمة إنارة التي تعمل على دعم الأطفال ضحايا الحرب في تركيا ولبنان، والتي تم لقاء أحد كوادرها وهو الطبيب النفسي عمار بيطار.

رأي الطب النفسي

خلال مقابلة مع د. عمار بيطار طبيب نفسي ومشرف، يعمل في السياق الإنساني ومقيم في تركيا، تمت مناقشة بعض الزوايا النفسية التي تعاني منها النساء والطفلات المصابات.

تأثير الصدمات على الناجين المصابين بتشوهات وإعاقات من الناحية النفسية

الصدمة تؤثر على الجميع حيث يوجد تأثيرات مباشرة تعقب الصدمة والتي تشمل نواحي عدة منها القدرة على الاستمرار بالوظائف التي يقوم بها الشخص كالعمل والدراسة وعلى قدرتهم على الاستمرار بأداء هذه النشاطات، أيضاً على الوظائف الاجتماعية والدور الاجتماعي للمصاب أو المصابة كأب، أم، ابن وابنة أو حتى الجيران وزملاء العمل حيث يصبح الشخص في هذه الحالات أكثر رغبة بالبقاء لوحده والبعد عن الناس، وتنعدم لديه الرغبة بالتواصل حيث يكون مستغرق بمشاعر الحداد الأساسية التي تتمثل بالإنكار والغضب والمساومة والمشاعر التي تليها، أي الاكتئاب بكل ما يحمله الاكتئاب من تأثيرات على النوم والشهية والرغبة الجنسية إذا كان الشخص نشط جنسياً، أو الوظائف الإدراكية كالذاكرة والانتباه والتركيز.

هذه الفترة تكون بين الثلاث والأربع أسابيع الأولى، والتي يطلق عليها فترة الحداد، قد تهدأ الأعراض فيما بعد عند الأشخاص الذين لديهم مرونة عالية أو كانوا ضمن محيط داعم.

المرحلة الثانية اذا استمرت الأعراض بعد مرور هذا الوقت فينتقل المصاب إلى مرحلة “اضطراب ما بعد الصدمة”، وأحد مكونات هذا الطور هو التعرض للصدمة، التأثيرات تمتد لما بعد الأربع أسابيع وإعادة معايشة الحدث بالإضافة إلى تجنب الأشياء التي رافقت الحدث مثل الصوت العالي، منظر الدم، أو رائحة معينة مثل رائحة حريق وغيرها من الذكريات المرتبطة بالحدث، فيبدأ الشخص بتجنب هذه الأشياء، لكن في حال الإصابات فلا يمكن للشخص أن يتجنب بسبب رؤيته لنفسه بالمرآة حيث أن المصابة أو المصاب غير قادر على تجنب نفسه وهي إحدى الأسباب التي دائماً ما تعيد ذكرى الحادثة لنفسه فيكون تأثير الصدمة أكبر عند الأشخاص الحاملين لهذه الإصابات.

هل هناك فرق بين استجابة الطفلات والنساء لوضعهن ما بعد الإصابة بين استجابة الأطفال والرجال؟ وما مدى تأثير الشكل على صحة الناجية النفسية بمجتمعنا؟

بحسب البيطار أن الاستجابة بالنسبة للأطفال سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً تعتمد على المحيط، إذا كان المصاب طفلاً ذكراً يقول مقدم الرعاية الخاص به أنه صبي وسيتدبر أموره في نهاية المطاف، أما الفتيات فهن أكثر تأثراً، غالباً بسن صغيرة لن يدركن الأسباب لكن عند وصولهن لمرحلة النضج وما قبل الزواج يبدأن بملاحظة الواقع المحيط من خلال مقارنة أنفسهن بالأخريات، وتكون التأثيرات بسبب مشاعر الشفقة من المحيط عليهن أكبر من الأقارب تحديداً مما يترك شعوراً مضاعفاً لدى الفتيات المصابات بسوء حالهن ومدى تأثر رتم الحياة لديهن.

على عكس آلية التعامل مع المصابين الذكور في ثقافتنا ومجتمعنا انطلاقاً من العرف الاجتماعي الشائع بأن (الزلمة مابيعيبو إلّا جيبو) بينما البنت فشكلها هو بداية القبول المجتمعي لها.

في حال توفر الدعم النفسي للناجيات دون توفر الدعم الطبي أو التدخل الطبي الذي يحتجنه للتعافي الجسدي، ما مدى فعالية العلاج النفسي بهذه الحالة؟

عطفاً على الإجابة السابقة حيث الأعراض الجانبية الشكلية أو الإعاقة تبقى موجودة سيبقى عامل التذكير دائم للناجية ليذكرها بمدى تغير حياتها بسبب الإصابة، لكن قد يكون التدخل النفسي ذو تأثير إيجابي في البدايات حيث يساعد الناجيات على التأقلم مع حياتهن الجديدة بشكل أفضل لكنه غير كافي للتعافي من أثر الصدمة فهذا صعب بسبب عدم توفر العلاج الطبي الذي سيزيل الآثار التي سببتها الإصابة أو يخفف من أثر الإعاقة، وفق تعبيره.

هل يوجد أي مراكز متخصصة لرعاية هذه الحالات الخاصة من الناجيات وتقديم الدعم الذي تحتاجه الناجيات؟

بالنسبة للسوريين فلا يوجد أي جهات أخرى تقدم خدمات علاجية طبية ونفسية معاً، يوجد عدة مراكز لتقديم خدمات الصحة النفسية التخصصية في الريحانية وإسطنبول وعنتاب وكلس لكنها غير متوفرة في جميع الولايات التركية للسوريين بالمجمل مع الأخذ بعين الاعتبار حواجز اللغة بسبب قلة الأخصائيين والاخصائيات النفسيين المتحدثين بالعربية، وهذه الخدمات في معظمها ينقصها وجود الإشراف الاكلينيكي (السريري).

مناصرة الإعلام لهذه القضية

قصص هؤلاء النسوة والطفلات شبه معدومة في وسائل الإعلام المختلفة، حيث تنتشر بين حين وآخر فيديوهات مصوّرة لرجالٍ وأطفال يعانون من إصابات حربية مختلفة أدت إلى بعض الإعاقات المزمنة لدى الكثير منهم، إلا أن الستار مُسدل على قصص النساء، علماً أن تسليط الضوء على قصصهن وكسب التضامن والدعم والاحتواء المجتمعي والأسري بشكل أفضل لو تم العمل على تمكينهن وتسليط الضوء على معانتهن والعمل على تقديم برامج دعم وتمكين مخصصة لحالاتهن، فجروحهن الغير مرئية (النفسية والاجتماعية) مديدة الأثر، حيث أكدت معظم النساء المتعرضات لهذا النوع من الإصابات أنه تم الإغلاق عليهن بطريقة غير منصفة، أما الطفلات فحرمن من التعليم لكثرة حوادث التنمر، والكثير من المصابات المتزوجات تم هجرهن نتيجة لتعرضهن لإصابات وحروق وتشوهات وبتر أطراف، على عكس الحال مع الرجال، حيث تبقى الزوجة بالقرب منه تقدم له كل ما تقدر عليه من دعم ورعاية بسبب مبادئ القوامة والسترة السائدة (ظل رجل ولا ظل حيطة، الرجل رحمة لو كان فحمة، النساء ناقصات) وغيرها من نصوص الدستور المجتمعي.

أخيراً، فإن الإعلان العالمي لحقوق الانسان، ينص على أحقية وصول جميع البشر إلى خدمات الصحة البدنية والنفسية التي يحتاجونها بشكل آمن بغض النظر عن الجنس، وأيضاً على عدم حرمان أي طفلة أو طفل من الوصول إلى التعليم، هذا وتتعهد اتفاقية “سيداو” وجميع الدول المصادقة عليها على التكافل والعمل من أجل إلغاء كافة أنواع العنف ضد النساء، وتصادف الفترة الحالية من كل عام (25 تشرين الثاني_10 من كانون الأول) حملة الستة عشر يوم لمناهضة جميع أنواع العنف ضد النساء، بما فيها العنف النفسي الذي لا يقل ألماً وتأثيراً عن باقي أنواع العنف، وقد يشترك بممارسته أفراد أو جماعات أو ثقافة مجتمعية بحد ذاتها، يُحجّم هذا العنف من إمكانيات النساء ويختصر وجودهن على زاوية واحدة فقط يستطعن التحرك ضمنها وفي حدودها تبدأ وتنتهي كل أدوراها في الحياة، وقضية المرأة هي قضية مجتمعية يجب أن تُعنى بها الدولة ومؤسساتها أيضاً، وأي خطوة في طريق حقوقها هي خطوة اتجاه واجباتها أيضاً مما يخلق مجتمعاً متوازناً مبنياً على مفاهيم المساواة والعدالة والمدنية لجميع أفراده بغض النظر عن جنسهم وتنميطهم الاجتماعي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.