رغم أن سوريا لا تزال في حالة حرب وتخضع لعقوبات دولية، إلا أن العديد من منظمي الرحلات السياحية الأوروبيين يعرضون السفر إلى هناك.

وفي مواجهة انتقادات عدة؛ يدافع منظمي الرحلات عن أنفسهم بالقول إنهم لا يعملون مطلقاً على إعادة تأهيل الرئيس السوري بشار الأسد، وإنما يتمثل هدفهم بتقديم الدعم للمدنيين السوريين.

“تجول في أسواق دمشق، وشاهد مدينة تدمر القديمة واقفة في وسط الصحراء، وتسلق إلى قمة قلعة الحصن، بقايا الحروب الصليبية”، بهذه الوعود باكتشاف بلد غني يعود إلى عشرة آلاف سنة من التاريخ، يعود منظمي الرحلات السياحية الأوروبيين للترويج لرحلاتهم إلى سوريا، بعد انقطاع عن الرحلات السياحية منذ عام 2011، وفق ما لفت إليه تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية.

شركات فرنسية وألمانية

“الوجهة رائعة بلا شك لأولئك الذين يحبون التاريخ ويسافرون بعيداً عن الزحام، ولكن خلف الصور اللامعة للدرر المدرجة في قائمة التراث العالمي من قبل اليونسكو، هناك حقيقة أخرى تلوح في الأفق. فلا تزال سوريا في عهد بشار الأسد دولة في حالة حرب، وتخضع لعقوبات دولية، حيث يمنع القمع المستعر عودة أكثر من ثلث السكان الذين يعيشون الآن في المنفى”، وذلك ما أفاد به التقرير الذي ترجمه موقع “الحل نت”.

فتحت وكالة “سوفيت تورز”، ومقرها ألمانيا، الطريق إلى سوريا في العام 2017، حيث حددت أولى رحلات مشاهدة المعالم السياحية في البلاد. في وقت كان بشار الأسد قد استعاد للتو ثلثي الأراضي بدعم من روسيا وإيران. وبدون أي تأخير، فتحت الحكومة السورية البلاد مرة أخرى للسياح، حريصةً بذلك على إظهار ما يشبه الحياة الطبيعية بعد سنوات من الحرب، التي خلفت أكثر من 350 ألف قتيل ودمار هائل للمدن والبلدات.

وحذت وكالة “كليو” الفرنسية، المتخصصة في السفر الثقافي، في عام 2019 حذو “سوفيت تورز”، حتى جاءت جائحة “كورونا” لتقوم مرة أخرى بعزل سوريا عن بقية العالم. ومنذ إعلان دمشق في تشرين الأول/أكتوبر الماضي عن استئنافها إصدار التأشيرات السياحية، عرضت حفنة من منظمي الرحلات السياحية الأوروبية هذه الوجهة على زبائنها من جديد، وبدأت بالترويج لها.

مجموعات صغيرة أو مسافرون فرادى

الزبائن كانوا على الموعد! فبعض الرحل ممتلئة بالفعل في أواخر عام 2021 أو أوائل عام 2022. لكن ليس كل الزوار الأجانب مرحب بهم. “الصحفيين غير مسموح لهم حالياً بالانضمام إلى الرحلات. هذا توجيه حكومي صارم يجب علينا الالتزام به”، تحذر “سوفيت تورز” على موقعها على الإنترنت.

ويقرّ جيمس ويلكوكس، مؤسس وكالة “Untamed Borders”، بأنه عند تقديم طلبات الحصول على تأشيرة، يتم رفضها في بعض الأحيان.
والرحلات المنظمة التي طورتها “سوفيت تورز” و”كليو”، أو الوكالات البريطانية “Untamed Borders” و”Rocky Road” متشابهة تقريباً. فهي مخصصة للمجموعات الصغيرة أو المسافرين الفرادى، الذين هم على استعداد لدفع 1500 يورو كمعدل وسطي ​​للإقامة لمدة أسبوع واحد في سوريا.

وتقول “سوفيت تورز” إن المواقع التي تمت زيارتها تقع في مناطق تسيطر عليها حكومة دمشق وهي بعيدة عن مناطق الصراع. “في المناطق التي نزورها، عاد كل شيء إلى طبيعته مرة أخرى، والبنى التحتية للطرق والفنادق والمواقع والآثار والمتاحف بحالة جيدة. لقد اخترنا لهذه الرحلة فئة أولى من المواقع التي لم تتضرر بسبب الحرب منذ عام 2011″، تضيف وكالة “كليو”.

وإدراكاً منهم للعديد من الأسئلة والانتقادات التي أثارها اختيارهم لتقديم رحلات سياحية في سوريا، يشرح منظمو هذه الرحلات ذلك على موقعهم، إنهم يدّعون بأنهم لا يخدمون الأجندة السياسية لحكومة دمشق. “نعتقد أن أي شكل من أشكال المشاركة، حتى الزيارات القصيرة، يحسّن التفاهم الثقافي بين الأمم والشعوب، على عكس عزلة البلد والتي من شأنها تعزيز الوضع الراهن وبالتالي النظام نفسه”، يبرر شين هوران، الرئيس التنفيذي لشركة Rocky Road Travel السياحية.

“سوريا ليست كوريا الشمالية”!

تحاول جميع وكالات السياحة تسليط الضوء على دعمهم للسكان المحليين، في الوقت الذي تواجه فيه سوريا أزمة اقتصادية حادة. “يريد السوريون استئناف السياحة في أسرع وقت ممكن. ينتظر الكثير منهم للعثور على عمل ليتمكنوا من توفير حياة كريمة لأسرهم. إن مقاطعة بلادهم عندما يخرجون بشكل مؤلم من كابوس طويل من شأنه أن يعاقبهم مرتين”، تقول وكالة الرحلات السياحية الفرنسية “كليو”.

قبل عام 2011، كانت السياحة مزدهرة، حيث ساهمت بنحو 14 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي ووظفت 8.3 بالمئة من القوى العاملة المحلية.

كذلك يدّعي بعض منظمي الرحلات إنهم حريصون على العمل فقط مع مرشدين سياحيين محليين، ومستقلين تماماً عن السلطات السورية. “سوريا ليست كوريا الشمالية. ليس عليك العمل مع الحكومة. تعمل بعض “الوكالات” في أوروبا بشكل مباشر مع الحكومة، وذلك لتكون بمثابة أداة دعاية مثالية. نحن حريصون على عدم الوقوع في هذا الفخ”، يقول جيانلوكا بارديلي من شركة “سوفيت تورز”.

لكن هذه الحجة التي يروّج لها منظمو الرحلات السياحية هذه لا تقنع “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، وهي منظمة غير حكومية سورية سبق أن حذرت في مذكرة في تموز 2021 من آثار سياحة ما بعد الحرب على إعادة تأهيل الأسد. “إن حكومة بشار الأسد في حاجة ماسة إلى إيجاد مصادر جديدة للدخل، لتجاوز العقوبات وتعزيز النوايا الدولية تجاهها. ويأتي شريان الحياة المحتمل من مصدر غير عادي وهو السياحة”، يشير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”. وقبل جائحة “كورونا”، سهلت الحكومة السورية وصول المؤثرين الأمريكيين والأوروبيين الذين روجوا لدمشق، دون ذكر أي انتهاكات لحقوق الإنسان.

وتخلص المنظمة غير الحكومية، التي تدعو إلى عدم الترويج للسياحة في البلاد قبل التوقيع على اتفاق سلام عادل وعودة مئات الآلاف من النازحين السوريين قسراً، إلى أنه “إذا كان من الممكن أن تساعد السياحة بالفعل بعض السوريين، فإن الترويج الجماهيري لها اليوم هو في أفضل الأحوال عمل غير مسؤول، وفي أسوأ الأحوال يحتمل أن يكون قاتلاً للعديد ممن لا يزالون يعيشون في ظل العنف والفقر والقمع”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.