أن تسمع المرأة في مجتمعنا عبارة “استئصال الرحم” لن يكون وقعها سهلاً عليها، ولا يتعلق ذلك بالبعد الطبي وتأثيره صحياً على جسدها، بل الأمر مرتبط بمفاهيم ومعايير مجتمعية تحدد دور المرأة، لأنه وبالرغم من تطور وضع المرأة، إلا أن مهمتها الأولى هي الإنجاب!.

“ياحرام ماعاد تجيكي الدورة!” هذه الجملة مشتركة بين النساء اللواتي شاركن تجربتهن مع استئصال الرحم، فجميعهن دون استثناء تحدثن عن ردات فعل المجتمع المحيط بهن، وكان شغلهم الشاغل الدورة الشهرية وإنجاب الأطفال وإرضاء الشريك جنسياً.

منيح عندك ولاد!

سعاد 38 سنة، معلمة لغة انكليزية تقيم حالياً في ولاية هاتاي التركية، متزوجة ولديها 3 أطفال جميعهم ذكور، تعرضت لمضاعفات صحية في حملها الرابع، واضطرت للولادة مبكراً بسبب ما وصفته تآكلاً بالرحم.

تقول: “الحمل الرابع كان مرهق جداً، وعطول يصير معي نزيف، تعبت بالشهر السادس الجنين مات، والطبيب نصحني باستئصال الرحم”.

لم يكن القرار سهلاً عليها، ولكن كان يجب أن تختار بين الرحم أو حياتها، وكان زوجها شريكاً مسانداً وداعماً، ولكنها لم تسلم من محيطه.

وأضافت سعاد، ” كنت أنا وزوجي مقتنعين بالأطفال اللي عنا، ولكن والدته سمعتني حكي كتير وطلبت منه يتزوج علي لأني صرت مرة ناقصة بنظرها” وأكملت “جاراتي دائما يحكولي منيح جبتي هالولاد قبل ما تفقدي الأمل والله الزلم ما تصبر”.

اقرأ أيضاً: “نساء تمنوا الموت”.. حالات عنف منزلي صادمة ضد السوريات

يا حرام ما عاد تجيكي الدورة

سميرة 40 سنة، من محافظة إدلب وتعمل ممرضة في أحد المراكز الطبية في ولاية عنتاب، وهي أم لطفل عمره 8 سنوات، أصيبت بتليفات في الرحم وتعرضت لنزيف عدة مرات فنصحها الأطباء أن تجري عملية استئصال للرحم.

أكثر ما أزعج سميرة، هو السؤال المتكرر وبصيغة التعجب والاستغراب “يعني ماعاد تجيكي الدورة”، تقول: “كنت أنقهر من قلبي وكلهم آكليهن هم الدورة وماحدا سألني كيف وضعك الصحي.

وسارة 42، طبيبة أسنان من منطقة جنوب دمشق، تقيم في اسطنبول، سمعت نفس العبارة مراراً وتكراراً من قبل صديقاتها وجاراتها وحتى زميلاتها الطبيبات لم تسلم سارة من نظرة الشفقة بعينهن، خصوصاً فيما يتعلق بانقطاع الدورة الشهرية عنها.

أثر نفسي عميق

الاختصاصية النفسية أسيمة مرشد، تعتقد أن العوامل المؤثرة نفسياً على النساء اللواتي خضعن لعملية استئصال الرحم، مرتبطة بشكل كبير بعمر المرأة ووضعها الاجتماعي.

إذ أن تقبّل النساء المتزوجات واللواتي أنجبن ولديهن أطفال وتجاوزن الـ 40 ، أسهل من الفتاة في العشرينات أو الثلاثينات ولاسيما العازبات اللواتي لم ينجبن من قبل.

وأوضحت أسيمة، أن بعض النساء بهذه الحالة يعتقدن أن مثل هذا القرار الطبي قد يسلبها شيئاً مهماً بجسدها، وتراه “رمز أنوثتها وخصوبتها”، ويصبح لديهن مشاعر كره وقلة ثقة بأنفسهن ومن حولهن، إضافة إلى أنهن يشعرن بأنهن أقل أنوثة وجاذبية.

ويعتبر الخوف أحد الآثار النفسية التي قد تعيشها المرأة بعد الخضوع للعملية، في حال تعرضت لمضاعفات جسدية فترتفع مخاوفها على حياتها، وأيضاً الخوف من نفور الشريك والمجتمع، إضافة للخوف من رؤية مشاعر الشفقة في وجوه الناس حولها.

ذلك لأن المرأة في مجتمعاتنا قد تعاني من مشاعر مضاعفة، بسبب النظرة المجتمعية المهيمنة المرتبطة بمعتقد خاطئ والتي ربطت المرأة بالإنجاب وتجاهلت كل إنجازاتها الأخرى.

أفضل طريقة لتجاوز مرحلة ما قبل العملية وما بعدها، وفق ما قالته الاختصاصية النفسية، هي أن تتقبل السيدة وضعها الصحي والعملية، لأنه يساعد بشكل كبير على تخطي المرحلة بأقل العواقب الجسدية والنفسية.

كما نصحت أسيمة النساء في هذه الحالة بالتواصل المباشر مع الشريك أو الأصدقاء حول الحالة الصحية لهن، والتعبير عن مشاعرهن ومخاوفهن بشكل واضح، لأن مشاركة الآخرين يخفف عليهن العبء النفسي.

اقرأ أيضاً: “غالية.. رخيصة” وزن المرأة مَهرها!

صحة اللاجئات السوريات 

والصحة الإنجابية والجنسية للنساء تعتبر حق من حقوق الإنسان، والتي تعمل الأمم المتحدة بالتعاون مع حكومات الدول والمنظمات الحقوقية لرفع الوعي وزيادة المعرفة.

وأشارت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة في مفوضية الأمم المتحدة،  إلى أن حق المرأة في الصحة يشمل صحتها الجنسية والإنجابية.

 ووقعت العديد من الدول  اتفاقيات تنص على  احترام وحماية وإعمال الحقوق المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية للمرأة، منها ” اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”.

إذ يحتفل العالم سنوياً في 18 كانون الأول/ديسمبر، باليوم العالمي لمناهضة كل أشكال التمييز ضد النساء.

وحسب الدراسة أعلاه، تواجه النساء السوريات مشاكل عديدة في الصحة الإنجابية، يتعلق بعضها بقلة المعرفة حول المشاكل التي قد تواجه صحة الجهاز التناسلي الأنثوي.

دواعي استئصال الرحم

الطبيب عمر المصطفى المتخصص في أمراض التوليد والنسائية، والعامل في أحد المراكز الطبية في ولاية غازي عنتاب، يقول: إن هناك العديد من الأسباب لإجراء استئصال للرحم، منها حدوث تمزق ونزيف في أثناء الولادة وعدم القدرة على السيطرة، أو نزوفات متكررة ومستمرة لا تستجيب للتدخلات الطبية.

وأيضاً الألياف، وخاصة الليف ذو النواة المتعددة، بالإضافة إلى المراحل قبل السرطانية، وسرطان الرحم وعنق الرحم.

ونصح الطبيب النساء، بإجراء فحوصات بشكل دائم للاطمئنان على صحتهن ووضع الجهاز التناسلي لديهن.

عادة يجري الأطباء فحوصات معينة لكشف الحالات المرضية لدى النساء، ويتبعون تقنيات معينة مثل المعاينة البسيطة ويسمونها “تأمل”، والفحص النسائي عن طريق الأصابع، أو الفحص عن طريق منظار يدخل في المهبل، وإيكو مهبلي أو عادي.

وأشار المصطفى، إلى أن الأطباء في الفحوص الاستقصائية، يلجؤون إلى تنظير باطن الرحم وأحيانا لصورة طبقي محوري ورنين مغناطيسي، وإجراء لطخات أو خزعة مخروطية لعنق الرحم، أو كورتاج استقصائي.

ويسبب استئصال الرحم العديد من الآثار الجانبية قريبة وبعيدة المدى، منها الإفرازات الدموية وتورم المهبل، وربما تشعر المرأة بهبات ساخنة وجفاف مهبلي.

وفيما يتعلق بحياة المرأة الجنسية، أكدت العديد من الدراسات أن معظم النساء اللواتي أجرين عملية استئصال الرحم، لم يحدث أي تأثير على حياتهن الجنسية، بحسب موقع “ويب طب”.

اقرأ أيضاً: “أكتوبر الوردي”.. ليس توعية بالمرض فقط بل بأسلوب الحياة

أمراض الجهاز التناسلي

قال المصطفى، أن أكثر الأمراض شيوعاً هي الالتهابات، منها جرثومية أو طفيلية المشعرات أو فطرية، ويمكن معالجتها بالأدوية.

ونصح الطبيب في حال الالتهابات المعنّدة أن يأخذ الشريك علاجاً لأنه قد يكون المسبب للمرض.

وفيما يتعلق بأمراض عنق الرحم، أوضح الطبيب أن التهابات انتانية منقولة بالجنس مثل الزهري والانتانات الفيروسية والفيروس الحليمي البشري والإيدز تصيب عنق الرحم، ونوه إلى أنها في حال تركت لفترة طويلة دون علاج قد تؤدي إلى سرطانات.

ويعتبر سرطان الرحم وسرطان عنق الرحم، أكثر السرطانات شيوعاً، ويوجد أنواع أخرى لكنها حالات قليلة، مثل سرطان الفرج والمهبل، حسب ما قاله الطبيب.

وفي إحصائية نشرها موقع أطباء بلا حدود في 6 آذار 2020، أن حوالي 311,000 امرأة  توفيت خلال سنة 2018 بسبب سرطان عنق الرحم، و أكثر من 85 بالمئة من هؤلاء النساء يعشن في بلدان ذات دخل منخفض ومتوسط، وتم تشخيص 570,000 إصابة جديدة بهذا المرض، في العام نفسه.

مراكز الرعاية الصحية

يوجد في ولاية غازي عنتاب 8 مستوصفات طبية للاجئين السوريين تسمى “مراكز المهاجرين”، تقدم من خلالها خدمات صحية وتعتبر رعاية الصحة الإنجابية للمرأة من أولويات هذه المراكز.

إذ أكد الطبيب مصطفى، أنه يتم إجراء مسحات عنق الرحم بشكل مجاني في هذه المراكز، وترسل إلى  مراكز تابعة لوزارة الصحة التركية من أجل تحليلها.

تتواجد هذه المراكز في منطقة بلبل زادة وفي أرتوغلور غازي، وفي كولاج تبه قرب مشفى العيون، ومركز بمنطقة تكستيل كنت ( معروف عند السوريين دوار أبو شروال )، ومركز باراق.

وجب التنويه أنه تم التواصل مع طبيبتين يعملن في هذه المراكز من أجل استفسار حول الخدمات المقدمة للصحة الإنجابية ولكن دون تجاوب.

الصورة من صفحة مديرية الصحة في عنتاب “فيسبوك”

مراكز KETEM

بالإضافة لمراكز اللاجئين، يوجد في تركيا مراكز للكشف عن السرطان المبكر، وتعرف المراكز باسم “KETEM” وهي اختصار لعبارة “مراكز الكشف المبكر عن السرطان والفحص والتدريب”.

وهذه المراكز تقدم خدمات مجانية ويوجد مركز على الأقل في كل ولاية، ويمكن معرفة مكان المركز وعنوانه بالتفصيل من خلال كتابة KETEM في خرائط قوقل وسيظهر الموقع بدقة عالية.

وتعمل هذه المراكز لرفع الوعي حول مرض السرطان وأهمية الكشف المبكر عنه، ولديها برامج متخصصة بطرق الوقاية، وبرامج الفحص من خلال التدريبات وجهًا لوجه، وإجراء الفحص والوقاية من السرطان.

وتقدم مراكز “KETEM” فحصاً مبكراً لسرطان الثدي وعنق الرحم وسرطان القولون، ويتم التواصل مع المستفيدين من هذه الخدمات إما عن طريق زيارة المراكز أو في عربات الفحص المتجولة في الولايات، أو من خلال اتصال هاتفي أو إرسال رسائل نصية أو وسائل أخرى.

يمكن للنساء بين عمر 30 و60 عاماً أن يتقدمن إلى المركز لإجراء فحص لعنق الرحم.

تجدون عناوين مراكز المهاجرين الصحية مع أرقام التواصل باللغة التركية، وفق ما نشرته مديرية الصحة في غازي عنتاب على صفحتها الرسمية في فيسبوك.هنا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.