بالتزامن مع الحديث عن احتمالات التطبيع العربي مع حكومة دمشق، تسعى الأخيرة لتعويم نفسها اقتصاديا وسياسياً من البوابة العربية عموماً والخليجية خصوصاً، عبر إصدار قوانين عديدة للاستثمار في خطوة تهدف إلى تعويض مواضع النقص في الاستثمارات الإيرانية والروسية.

رغم أن دمشق نجحت قبل عام 2011 باستقطاب استثمارات خليجية عديدة، توزعت في قطاعات السياحة والعقارات والمصارف والصناعة، إلا أن معظم هذه الاستثمارات لم تدخل حيّز التنفيذ أو الاستثمار الفعلي، وجزء مهم من المشروعات الخليجية لم يتم استكمالها، بل أن معظمها اصطدم أيضاً بـ “بلدوزر الاستثمار” في سوريا ” شركة شام القابضة”، والتي سبق لرامي مخلوف أن أعلن عنها بمعية أكثر من سبعين رجل أعمال سوري عام 2009.

في العام 2016 طالبت أصوات من حكومة دمشق بمصادرة الاستثمارات والممتلكات الخليجية في سوريا، تعويضاً عن بعض ما يسمونه نتائج الدعم الخليجي للمعارضة السورية، وما تبعه من تخريب للمنشآت الصناعية والعقارية وتدمير المدن.

الاستثمارات الخليجية عانت خلال مراحل الاستكمال من عقبات جدية بما فيها عقبات الإجراءات والتراخيص، تحديات البيروقراطية في عدد كبير من الأجهزة الحكومية، لاسيما الجمارك والمالية والسياحة.

وفي ظل الوضع الراهن وتكاثر الأحاديث عن احتمالات تطبيع دمشق لعلاقاتها مع بعض الدول عبر بوابة الاقتصاد، فإن التساؤل يبقى قائما بخصوص مصير الاستثمارات الخليجية في سوريا، هل هناك فرصة لعودتها بقوة، وكيف تأثر النظام بانسحابها سابقاً، وهل يمكن أن تشكل مستقبلاً طوق نجاة لاقتصاد النظام؟.

مراكز متقدمة على قائمة مؤشر مدركات الفساد

يرى الدكتور أسامة القاضي، في حديث لـ “الحل نت” أن معظم الاستثمارات الخليجية التي انطلقت قبل عام 2011 لن تستطيع استكمال مشروعاتها بسبب الفساد عموماً، وستبقى جميع الاستثمارات الأجنبية عرضة للاصطدام بعقبة البيروقراطية والفساد.
ففي مؤشرات ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2011 جاء تصنيف “تسهيل أعمال الاستثمار” في سوريا بالمرتبة 144 من أصل 183، أي ضمن قائمة أسوأ 40 دولة في العالم.

أما الكارثة الكبرى والكلام لـ القاضي، فحملها العام 2011 عندما حلت سوريا في المركز 129 من 184 أي ضمن قائمة أسوأ 50 دولة في العالم في مؤشر الفساد، وبعد شن النظام حربه ضد السوريين أصبحت سوريا في المراكز الأولى في مؤشر الفساد وحلّت في المرتبة 178، ضمن قائمة مؤشر مدركات الفساد للعام 2017، حسب التقرير السنوي الذي تصدره “منظمة الشفافية الدولية”، والذي يرصد حالتي الشفافية والفساد، في 180 دولة حول العالم.

ويؤكد القاضي أن الاستثمارات الخليجية كانت تواجه مشكلتين في البيئة الاستثمارية الحاضنة والرشادة، إضافة إلى مجموعات رامي مخلوف والشركات القابضة والتي قبضت على عنق الاقتصاد السوري، واليوم هناك مشكلة أخرى يجسدها “قانون قيصر” حيث لا تستطيع أي دولة في العالم من تعويم حكومة دمشق أو الاستثمار في سوريا، وهناك عقوبات ثانوية وبأثر متعدي على كافة الشركات، ومن المستحيل الرهان على أن يتحدى المستثمرون العقوبات الدولية أو قانون قيصر مقابل الاستثمار في سوريا.

الانفتاح الخليجي هو عمليات جس نبض؟

قبل عام 2011 سعت حكومة دمشق إلى زيادة رأسمال المصارف الخاصة وهي في معظمها خليجية، وذلك رغبة في توسيع قبضتها على ما تبقى من أموال ومدخرات السوريين، ولتمكين رامي مخلوف وأعوانه ومن ثم سامر الفوز وغيرهم من السيطرة على حصص العديد من رجال الأعمال والشركاء الأجانب في تلك المصارف عبر صفقات مشبوهة، وأغلب الشركاء الأجانب في المصارف الخاصة انسحبوا من سوريا لصالح رجال أعمال من أتباع حكومة مشق أو أمراء حربها وحيتانها، ولعل أبرز تلك البنوك: البنك السعودي الفرنسي – يُصنف كأكبر بنك خاص- ، وبنك قطر الوطني، والبنك الدولي الإسلامي، وبنك سوريا والخليج ، ومجموعة البركة وغيرها.

وهنا يطرح الصحافي الاقتصادي محمد بسيكي، في حديث لـ “الحل نت” تساؤلات عديدة، منها: هل دمشق قادرة على إعادة الأمور إلى ما قبل 2011 بحجم الاستثمارات التي كانت؟، وهل هي قادرة على تشغيل الاستثمارات التي انسحبت أو اقناع المستثمرين الخليجين -الحقيقيين- منهم بالعودة للسوق السورية.



ويتابع بسيكي “في ظل الوضع القائم وعدم وجود حل سياسي، وقانون قيصر والعقوبات والمقاطعة الدولية لا يمكن تحقيق شيء على المدى المنظور، فالاستثمارات وحدها لا يمكن أن تشكل أي طوق نجاة ولا يمكنها بالوقت الحالي إنعاش اقتصاد (دمشق)، لأن تجاوز العقوبات أمر مستحيل وما نراه من انفتاح من بعض الدول العربية هو عملية جس نبض واختبار لنوايا (دمشق)”.

واعتبر بسيكي أن المستثمر الحقيقي عندما يدخل أي بلد يبحث عن منفعة وعائد على الاستثمار وعلى أرباح، وسوريا الآن ليست على خارطة البيئات الاستثمارية، بحسب وصفه.

“حالياً طرح هذا الموضوع في هذا الوقت مغالطة كبيرة لأن البلاد مدمرة بشكل شبه كامل، وتحتاج لإعادة إعمار وايجاد مشاريع لإيواء المهجرين والنازحين، ولا يوجد بنية تحتية لهذا لأنه لا يوجد أموال” وفق بسيكي.

ويضيف “هناك العديد من الدول أعادت العلاقات الاقتصادية مع دمشق بعد أن وافقت على التطبيع ولكن أي استثمارات إن وجدت لن تكون بحجم استثمارات ما قبل عام 2011، فلا يوجد أي مستثمر حقيقي أو كبير عاد إلى سوريا، وما يحصل مجرد كلام لا أكثر ولا أقل وهو في اطار جس النبض كما ذكرت سابقا”.

وبيّن بسّيكي أنه إذا لم يتم تحقيق حل سياسي وتسوية لا يمكن القيام بأي استثمار للمستقبل، وحاليا لا يمكن تحقيق معادلة العائد على الاستثمار نظراً لضعف القدرة الشرائية، لأن 90 بالمئة من الشعب تحت خط الفقر وبحاجة للمساعدات، إضافة إلى أن السياسات الاقتصادية التي يتبعها النظام من فرض الرسوم والضرائب ومصادرة البضائع وحجز ممتلكات، تشكل عوامل طاردة لأي استثمار حالياً ومستقبلاً.

3 مليارات استثمارات خليجية

كشفت أرقام “هيئة الاستثمار السورية” أن قيمة استثمارات 3 دول خليجية هي: السعودية، والكويت والإمارات، فقط شملت على قانون الاستثمار رقم 10 والقانون رقم 8، بلغت خلال الفترة الممتدة من 1991 ولغاية 2014، أكثر من 118 مليار ليرة، أي ما يقارب 3 مليارات دولار، لكن بالمقابل فإن قيمة رؤوس الأموال السوريّة التي دخلت سوق الإمارات فقط منذ 2011 قد تصل إلى 40 مليار دولار.

وفي منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وقّعت وزارة الكهرباء السورية وشركات إماراتية اتفاقية لإنشاء محطة توليد كهروضوئية باستطاعة 300 ميغا واط في ريف دمشق، بقيمة 117 مليار ليرة سورية، أي ما يقارب 33 مليون دولار.

فهل يمكن الاستثمار في اقتصاد يعاني من الدمار والخراب وانهيار البنى التحتية وعقوبات “قيصر” التي تحظر الكيانات والمؤسسات والشركات والمصارف العالمية من التعامل، وما الفائدة التي ستجنيها دمشق من الإصرار على دعوة المستثمرين؟.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.