لطالما عانت المرأة السورية من التمييز، فكان من أوجه ذلك حرمانها حقها في منح جنسيتها لأطفالها، وواجه أبناؤها تحديات وصعوبات فيما يتعلق بالميراث وحقوق التملك.

وما كان ينقص المرأة السورية إلا حرب قاسية تدفع بها إما للنزوح والهجرة أو التهجير فتجد ملاذاً تعتقده آمناً بالزواج من أي رجل متوافر وإن لم يكن من مواطني بلدها، وتزيد الطين بلة حالات تزويج القاصرات من أزواج في بلد النزوح الحدودي أو الإقليمي طمعا بالمال.

والكارثة تتجاوز الأم القاصرة إلى ما تنجبه من أبناء يحرمون من سوريتهم، وحقوق كثيرة لهم حين عودتها أو تطليقها على الأغلب.

معاناة قديمة مع دستور لا يتجدد وهو أصل التمييز

رغم أن الدستور السوري ينص في المادة 25 منه على أن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، وفي المادة 44 على أن الأسرة هي خلية المجتمع الأساسية وتحميها الدولة. إلا أن المادة الثالثة من مرسوم الجنسية السورية الصادر عام 1969 (رقم 276)، تنص على أنه: يعتبر عربياً سورياً حكماً: أ ـ من ولد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري. ب ـ من ولد في القطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه قانوناً. ج ـ من ولد في القطر من والدين مجهولين أو مجهولي الجنسية أو لا جنسية لهما، ويعتبر اللقيط في القطر مولوداً فيه وفي المكان الذي عثر عليه فيه ما لم تثبت العكس. د ـ من ولد في القطر ولم يحق له عند ولادته أن يكتسب بصلة البنوة جنسية أجنبية. هـ ـ من ينتمي بأصله للجمهورية العربية السورية ولم يكتسب جنسية أخرى ولم يتقدم لاختيار الجنسية السورية في المهن المحددة بموجب القرارات والقوانين السابقة.”

وواضح من نص هذه المادة إيقاع الحرمان على المرأة السورية بمنح أولادها جنسيتها. وجاء دستور 2012 ليكرس المنبع الرئيسي للتمييز ضد النساء في مادة دستوريّة هي المادة الثالثة في فقرتها الرابعة حول حقّ الطوائف الدينيّة في صياغة الأحوال الشخصية التمييزية، حيث جاء فيها: “الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية”. ومع اعتبار قوامة الرجال على النساء المكرّسة في جميع قوانين الأحوال هي المعيار القانوني لحقوق النساء في سوريا، هذا يعني الآثار التمييزية ستنعكس على القوانين المدنية، وفي مقدمتها قانون الجنسية.

خالد كحال، عضو مجلس الشعب في دورة سابقة، وناشط حقوقي أوضح لـ”الحل نت” بأن تعديل قانون الجنسية السورية يعد من القضايا الملحة التي يجب التركيز عليها، فيقول: “القوانين المتعلقة بالمرأة السورية للأسف في جلها متخلفة والمبررات التي يقدمها المشرع السوري لا تقوم على أساس، سوى قصور التشريع السوري، وجموده، وعجزه عن مواكبة العصر، وعدم رغبته الحقيقية في تعديل القوانين التمييزية التي تنتهك حقوق المرأة”.

ويعتبر كحَال أن الدستور السوري كان ومازال ديكوراً وليس منظماً للسلطات، ولأنه لم يأتي نتيجة وعي حقوقي لأصحاب الحق في المجتمع، ولم تمثل المرأة تمثيلا حقيقاً عند وضعه كما يجب.

بلسانهن يروين معاناتهن

اثنان وعشرون عاماً مرّت على إلهام محمود، السورية التي تزوجت من رجل أردني في وقت لم تدرك فيه أن ذلك الزواج سيترتب عليه عواقب ما زالت مستمرة ليومها هذا، فهي تنتظر قانونا ينصفها لزواجها ذات يوم بشخص من غير جنسيتها في بلد لا يعترف لها بحق منحها الجنسية لأبنائها وزوجها.

تشرح إلهام معاناتها لـ “الحل نت”: “قانون الجنسية السوري انعكس على مجمل حياتي التي بدأت منذ زواجي من طبيب أردني غادرت معه إلى الأردن منذ أكثر من عشرين عاماً، لكن بعد الشهر الخامس من زواجي تطلقت وعدت إلى سوريا وكنت حاملا في شهري الثالث، معاناتي لم تكن فقط من إهمال طليقي لنا أنا وطفله وعدم تكفله ماليا بنا، بل حتى أنه لم يسأل علينا وانقطعت أخباره عنا”.

تغص إلهام وهي تذكر معاناة ابنها اليوم وتضيف: “كم يؤلمني حين يقول لي ابني آلاف المرات كان عليك أن تعرفي حقوقك قبل أن تتزوجي رجلا من غير جنسيتك، فقد تقدم ابني بعد نيله شهادة البكالوريا على وظيفة حكومية ورفض كونه أردني الجنسية، رغم أنه لايعرف من الأردن شيئاً”.

معاناة السيدة بيداء حناوي تفوق السنوات العشرين لمواطنتها الهام، فهي سيدة سبعينية تعيش في أحد أحياء مدينة دمشق القديمة، تزوجت من عبد الغفور مرزوقي وهو جزائري الجنسية ولد في دمشق من أب قدم أجداده الى الشام برفقة عبد القادر الجزائري أواخر القرن التاسع عشر.

تقول السيدة حناوي للحل نت: “أبنائي وأحفادي ولدوا في سوريا وترعرعوا فيها ودرسوا في مدارسها وتخرجوا من جامعاتها، ولم يحصلوا على الجنسية السورية، رغم أن أمهاتهم وجداتهم سوريات، وهم يعاملون معاملة الغرباء حتى الآن، ما يجعلهم عرضة لكثير من المصاعب والعقبات التي تقف في وجه حياتهم اليومية ومستقبلهم وعملهم وخصوصا بعد صدور القوانين الخاصة بالملكية العقارية لغير السوريين”.

وتتابع “لقد أصبح أبنائي وأحفادي الذكور معرضين للتشرد والضياع، لعدم قدرتهم على توفير الشروط المطلوبة للتملك وللعمل أيضاً، وبالتالي دون زواج، ما سيؤدي إلى القضاء على نسل عائلة عربية موجودة في بلد عربي منذ أكثر من مئة عام ومستمرة فيها، خصوصا أن صلاتهم بأقاربهم في الجزائر مقطوعة، ومن الصعب بمكان العودة إلى الجزائر وبدء حياة جديدة من الصفر دون أية إمكانات مادية».

الحرب السورية تضاعف معاناة الأمهات

السيدة أمل محمد -وهو اسم مستعار- تبلغ اليوم اثنين وعشرين عاما، تم تزويجها في لبنان إلى رجل يحمل الجنسية السعودية عام 2014 وهي قاصر تبلغ من العمر 15 عشر عاما فقط، تروي أمل لـ “لحل نت” قصتها، فتقول: “نزحت مع أهلي من محافظة ريف دمشق إلى لبنان منتصف عام 2011 وبقينا هناك في أحد المخيمات قبل عودتنا، للأسف تم بيعي حرفيا، سامح الله أبي وأخوتي فقد زوجوني إلى رجل سعودي كان يزور المخيم في عمل تطوعي”.

وتزيد بالقول “نعم كنا في أمس الحاجة للمال ونعاني ظرفا تعيساً في الخيم، لكن هذا الزواج كان كارثيا علي وعليهم لأن الرجل وبعد أقل من عام عاد لبلده ولم يعترف لا بي ولا بابنتيه التوأم فاضطر أهلي للتكفل بي وبهما”.

وتضيف “عدنا إلى سوريا منذ ثلاث سنوات ومحتارة ماذا أفعل بابنتيَ اليوم وهما تحملان جنسية سعودية لأب لايعرف عنهما شيئاً. و أي مستقبل حزين ينتظرهما في بلد لا تحملان فيه جنسيته”.

حالات عديدة بأرقام مجهولة

حاول موقع “الحل نت” الحصول على أرقام دقيقة عن عدد النساء اللواتي عدن إلى سوريا أو يعشن فيها وهنَ أمهات لأولاد بجنسية أجنبية أوعربية، إلا أن الأمر كان صعباً في ظل الأرض السورية المنقسمة بين مناطق النفوذ المختلفة.

إلا أن آخر إحصائية كانت قد تم تسجيلها وفقاً لتقديرات (رابطة النساء السوريات) وهي جمعية أهلية تأسست منذ العام 2003 من أجل المطالبة بحق منح الأم السورية الجنسية لأبنائها، والعمل على تعديل جميع القوانين التمييزية ضدّها، كانت عام 2019 حيث بلغ عدد النساء السوريات المتزوجات من أجانب وعرب نحو مئة ألف امرأة تجمعهن معاناة قانون الجنسية، والتي تظهر في عدة أوجه وأشكال.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.