انشقاق عناصر القوات النظامية: ما موقف حكومة دمشق من خسارة مقاتليها لمصلحة حلفائها؟

انشقاق عناصر القوات النظامية: ما موقف حكومة دمشق من خسارة مقاتليها لمصلحة حلفائها؟

لم يتوقف انشقاق عناصر القوات النظامية في سوريا. على الرغم من تراجع ما كان يسمى “الجيش الحر”. المكوّن من المنشقين أساساً. ولكن الانشقاق هذه المرة لا يتم بين قوى متحاربة. بل بين تشكيلات عسكرية حليفة. إذ يتسرّب معظم المنشقون من القوات النظامية إلى الميلشيات الإيرانية المتعاونة مع الحكومة السورية. ما جعلها تصبح أقوى من القوات النظامية، بحسب عدد من المحللين العسكريين.

وبعد سيطرة الحكومة السورية وحلفائها على معظم المناطق، التي كانت تخضع لسيطرة تنظيم داعش بين عامي 2017 و2018، ظهر نوع جديد من العلاقة بين القوات النظامية والميلشيات التي تقاتل معها. تتسم بنوع من التنافس الخفي. والتصادم، الذي يتم تداركه بسرعة. وصارت الميلشيات الموالية لإيران قادرة على استقطاب كثيرين. سواء العناصر المنشقين من القوات النظامية. أو المطلوبين للتجنيد فيها من المواطنين السوريين.  

ما أسباب انشقاق عناصر القوات النظامية؟

«الفارق كبير بين الخدمة في القوات النظامية والخدمة في الميلشيات التي تتبع لإيران». هذا ما قاله (ش.ر) لموقع «الحل نت»، وهو متطوع سابق في القوات النظامية في دير الزور، يبلغ من العمر واحداً وثلاثين عاماً.

ويبين (ش.ر) أسباب انشقاق عناصر القوات النظامية بالقول: «الخدمة مع الفصائل المدعومة من الحرس الثوري الإيراني أفضل بكثير. ففيها تقوم بعمل محدد في منطقتك. ولا تذهب في مهمات بعيدة. كما أن المتطوع السوري لا يشارك بالأعمال القتالية في البادية. فهذه المهمات ينفذها مقاتلو ميلشيات “فاطميون” و”زينبيون”. وبعض الفصائل العراقية. أما الرواتب والإجازات فإنها متساوية تقريباً لدى الجهتين. وإن كان أجر من يخدم بالحرس الثوري الإيراني أعلى قليلاً».

ويوضح المتطوع أنه «قبل عام كانت الفروقات في المرتبات كبيرة. ما ساعد أكثر على انشقاق عناصر القوات النظامية. فمن يتطوّع بالحرس الثوري يتقاضى ضعف المبلغ الذي تمنحه القوات النظامية. فقد كنا نحن المتطوعون نتقاضى مرتباً شهرياً قيمته خمسة وسبعون ألف ليرة في القوات النظامية. أما في الحرس الثوري وميلشياته فنتقاضى ما بين مئة ألف ومئة وثلاثين ألف ليرة. فيما لا يتجاوز راتب العسكري المجند أربعين ألف ليرة. إلا أن الحال تغيّر الآن. وأصبحت هناك فروقات أكبر بالمرتبات بين المتطوعين والمجندين. والمتزوجين وغير المتزوجين».

متابعاً: «المجند في الخدمة الإلزامية يتقاضى سبعة وعشرين ألف ليرة سورية. أي ما يعادل 7.5 دولار. أما المُحتفظ بهم، أو الذين يخدمون في الاحتياط، فيتقاضون تسعين ألف ليرة، أي نحو 25.5 دولار. إذا كانوا عازبين. أما إذا كانوا متزوجين فيصل مرتبهم إلى حوالي مئة وعشرة آلاف ليرة، أي ما يعادل 31.5 دولاراً شهرياً. أما في الحرس الثوري فيتقاضى العازبون رواتب تتراوح بين مئة وثلاثين ومئة وأربعين ألفاً، أي ما يتراوح بين 37.5 و 40 دولاراً في الشهر. في حين تصل رواتب المتزوجين إلى مئة وستين ألف ليرة. أي ما يعادل 46 دولاراً. وأيضاً لهم امتيازات أخرى. فهم لا يعملون في السخرة أو الحراسة. ويُعطون إجازات طويلة».  

ظروف الانشقاق

ويواصل المتطوع، الذي رفض نشر اسمه الكامل لأسباب أمنية، إفادته بالقول: «سابقاً كان انشقاق عناصر القوات النظامية، والتحاقهم بالميلشيات الإيرانية، سهلاً ومضموناً. فالعنصر الذي يلتحق بالحرس الثوري يُعتبر أنه ما يزال يؤدي خدمته في القوات النظامية. وهذا ما جعل كثيرين يلتحقون بالحرس الثوري أو الفصائل التابعة له. أما الآن فإن الحرس الثوري يعيد الفارّين إليه من القوات النظامية. ولا يقبل أن يلتحق به عناصر جدد. لكنه يضمن لهم تسوية عسكرية دون عقوبات، لدى إعادتهم إلى فصائلهم في القوات النظامية. وفي بعض الحالات الخاصة جداً يقبل الحرس بقاء بعض العناصر الفارين حسب اختصاصهم. فهو يتغاضى عن الذين يملكون مهارات يحتاجها».

مضيفاً: «بعد انشقاق عناصر القوات النظامية لا ينتمي المنشقون بشكل مباشر للحرس الثوري. فنحن نقول مجازاً إن الشخص تطوّع في الحرس. ولكنه في الحقيقة ينتمي لفصائل من السوريين تتبع له. مثل “فوج زينب” في مدينة الميادين. و”لواء الباقر” و”جيش العشائر”، الخ. وقد كان الانتساب سابقاً لهذه الفصائل لا يحتاج إلى أية شروط. ولكن اليوم يطلب مكتب التنسيب من قيادات الفصائل توضيحاً بشأن وضع المنتسب. وإذا كان فاراً من القوات النظامية. أم أنه أجرى مصالحة. ومنذ ثلاثة أشهر لم يعد الحرس الثوري يستقبل أي فارٍ من القوات النظامية بدون مصالحة».

أهم الجهات التي يقصدها المنشقون

ويعدد المصدر أهم الميلشيات المحلية، التابعة للحرس الثوري في دير الزور: «”فوج زينب” في مدينة الميادين. أسسه “مؤيد ضويحي”، وهو يتبع بشكل مباشر للحرس الثوري. وقد كُرّم “الضويحي أكثر من مرة من قبل الإيرانيين. وأوصى “الحاج هادي”، وهو قائد في الحرس الثوري الإيراني بدير الزور، بمنحه الجنسية الإيرانية. كذلك يوجد “لواء الباقر” في دير الزور، بقيادة “نواف الراغب البشير”. ويتبع للواء الباقر الذي يتزعمه “خالد المرعي”. ومقره في ريف حلب. فضلاً عن “جيش العشائر”. الذي كان هدف إيران من تشكيله محاولة استقطاب العشائر السورية. وضم أبنائها إلى تشكيل يتبع للحرس الثوري بشكل مباشر، لزيادة تأثيره الاجتماعي في المنطقة».

ويختتم المتطوع حديثه بالقول: «في الحالة المعاكسة. أي إذا عاد أحد المتطوعين في الحرس الثوري إلى القوات النظامية. وهي حالات نادرة جداً. فهناك إجراءات شبه تأديبية بحق العنصر العائد. إذ يخضع لمساءلة في البداية. إلا أنه يتم احتساب الفترة الزمنية التي قضاها في الحرس الثوري بوصفها خدمة في القوات النظامية، في حال كان العنصر يؤدي الخدمة الإلزامية. وتضاف كذلك إلى خدمة الاحتياط. وتسهّل عملية التطوّع. إذا كان قصد الملتحق التطوّع في القوات النظامية».

ازدواجية قانونية في التعامل مع انشقاق عناصر القوات النظامية

العميد “عبد الله الأسعد”، الخبير العسكري، يرى أن أسباب انشقاق عناصر القوات النظامية تعود لـ«سعي الحرس الثوري الإيراني لتشكيل خلايا نائمة تابعة له، من أبناء المناطق التي يسيطر عليها».  

وأضاف في حديثه لموقع «الحل نت»: «الميلشيات الإيرانية تمنح المتطوعين لديها (العاديين والفارين من القوات النظامية) بطاقات للمرور على الحواجز العسكرية والأمنية. وتعفيهم من الخدمة الإلزامية في القوات النظامية. وللميلشيات الإيرانية تأثير قوي على القوات التابعة للحكومة السورية. فلا يستطيع عناصر القوات النظامية الموجودون على الحواجز التعرّض لأي عنصر من الميلشيات الإيرانية. ويكتسب العناصر الملتحقون بهذه الميلشيات نفس التأثير. ويصبح لهم سطوة على عناصر القوات النظامية».

مؤكداً أن «الميلشيات الإيرانية تختلف عن القوات النظامية، المتسلطة على عناصرها. والتي يستغلّ ضباطها جنودهم بكل الوسائل. وبالتالي فإن وضع المجند، في حال انتسابه للميلشيات الإيرانية، سيصبح أفضل بكثير. وهذا أحد أهم أسباب انشقاق عناصر القوات النظامية».

 أما عن الوضع القانوني، المترتب عن انشقاق عناصر القوات النظامية، فيؤكد “الأسعد” أن «القضاء العسكري يتناقض في عقوباته على من يصفهم بالفارّين. حسب قوانين جديدة، وظّفها لإعطاء وضع خاص للمنشقين، الذين ينتمون للميلشيات الإيرانية. فبحسب النظام الداخلي لقانون العقوبات العسكري يعاقب كل عسكري ترك الخدمة. ولكن بما أن الميلشيات الإيرانية تعتبر قوات رديفة. فإن القضاء العسكري يعفي العناصر المنشقين فعلياً من المساءلة».

القوات النظامية تعوّض المنشقين عنها بسهولة

وتعليقاً على مسألة انشقاق عناصر القوات النظامية يرى “مصطفى النعيمي”، الباحث المشارك في “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية”، أنه «مما لا شك فيه أن أي عملية انشقاق عن صفوف القوات النظامية ترهق كاهل المؤسسة العسكرية برمتها. لكن القوات النظامية تلجأ إلى تعويض الخسائر الناجمة عن الانشقاق برفد وحداتها بعناصر جدد. سواء كانوا من  الذين أجروا تسويات. وهذا ما حصل في المنطقة الجنوبية مثلاً. أو المستدعين للخدمة الإلزامية. وبذلك نستطيع القول إن القوات النظامية لا تكترث كثيراً للعناصر الذين تفقدهم. سواء في المعارك أو الانشقاقات. فهي تعتمد على خزان بشري كبير. هو ما تبقى من الشعب السوري. والذي لا تهتم بحياته أو معاناته».

مقالات قد تهمك: الضربات الإسرائيلية ضد الميلشيات الإيرانية في سوريا: إلى أين ستصل المواجهة؟

متابعاً في حديثه لـ«الحل نت»: «الحكومة السورية تعتبر وجودها في السلطة شرعياً. رغم ارتكابها كثيراً من المجازر. وترى بأن لديها الحق في دعوة الحلفاء لتقديم الدعم العسكري. لكن المغالطة هنا بأنها تستجلب ميلشيات رديفة متعددة الجنسيات، ما يجعل العناصر المقاتلة في الحرب السورية أشبه بمرتزقة. يتنقّلون بين الفصائل والميلشيات بحثاً عمن يدفع أكثر. أو يقدم شروطاً أفضل. وهكذا فإن انشقاق عناصر القوات النظامية ظاهرة متوقعة للغاية ضمن هذا الشرط. وربما لا تزعج الحكومة السورية على الإطلاق. بل تشجّعها بالخفاء».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.