في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها مناطق شمال شرق سوريا، وكذا المعاناة اليومية التي أفرزتها عشرية الحرب السورية، فإن إغلاق المعبر (سيمالكا/ فيشخابور) الوحيد المتبقي، الذي تعبر منه بعض المساعدات الإنسانية والإغاثية فضلاً عن البضائع الغذائية وجزء من المواد الأساسية التي قد يحتاجها المواطن في مناطق الشمال الشرقي من سوريا، يفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية للمواطنين.

منذ 15 كانون الأول/ ديسمبر الفائت، أُغلق المعبر الذي يربط بين مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، وإقليم كردستان العراق، بيد أن المناوشات المسلحة التي حدثت على الحدود، ورغم التنديد بحدوثها من قبل عدة أطراف، حقوقية ومدنية محلية وأجنبية، إلا أن ذلك لم يمنع إغلاق المعبر.

من بين الأزمات الناجمة عن غلق المعبر، غلاء السلع الأساسية، الأمر الذي سيرافقه تزايد الضغوط المجتمعية والنفسية، بخاصة مع الأعباء المتفاوتة التي ينوء تحت وطأتها المواطنون، ثم التخوف الهائل بين العالقين على طرفي المعبر. وبالتأكيد له تداعيات جمة على عمل المنظمات المدنية والإعلاميين، وفق آراء مختصين تحدثوا لـ”الحل نت”.

متغيرات سلبية

وعبر هذه البوابة الحدودية الوحيدة، يدخل جزء من المساعدات الإنسانية عبر منظمات المجتمع المدني المستقلة، وغير المرخصة من قبل الحكومة السورية. المنظمات المدنية كانت قد ناشدت حكومة إقليم كردستان العراق، لأجل فتح الممر الإنساني هذا، فبغير ذلك ستحصل كارثة إنسانية، وفق تقديرها.

ضمن هذا السياق، يقول ماجد داوي، مدير “مركز آسو للاستشارات والدراسات الاستراتيجية”، إن عددا كبيرا من موظفي المنظمات (كان هو من بينهم) غادروا المنطقة عندما فتح المعبر ليوم واحد وسمح لهم بذلك، لافتا إلى أن ذلك المتغير الأخير سوف تكون له ارتدادات سلبية على استراتيجيات المنظمات الدولية العاملة في المنطقة.

ويضيف داوي لـ “الحل نت”، أن هناك أكثر من 50 منظمة دولية و250 أخرى محلية تعمل في شمال شرقي سوريا، حيث تدخل 85 بالمئة من مساعدات هذه المنظمات عبر معبر سيمالكا/فيشخابور، ومنها رواتب الموظفين والمواد والمعدات اللوجستية، أما الـ15 بالمئة المتبقية مرتبطة بالأمم المتحدة تتم عبر معابر الحكومة السورية، أي مطار قامشلي الدولي، وبالتالي، سيتأثر قرابة خمسة ملايين إنسان في المنطقة، وهو ما بدأت آثاره تظهر ولو بشكل طفيف منذ الآن.

ويشير داوي إلى أن أكثر من 500 موظف، غالبيتهم من الأجانب، يعملون مع المنظمات الدولية، ويتناوبون على السفر لشمال شرقي سوريا عبر هذا المعبر، بغية الإشراف والمراقبة على عملهم داخل منظماتهم، مضيفا أن “إغلاق المعبر يمنع هؤلاء الأجانب من مزاولة عملهم، مما قد يوقف مشاريعهم وبرامجهم في المنطقة”.

وأردف “في السنة يدخل حوالي نصف مليار دولار إلى شمال شرقي سوريا فقط عبر هذا المعبر من خلال مساعدات هذه المنظمات. وفي الحقيقة؛ هناك تخوف إذا تأخر فتح المعبر خلال الأشهر الثلاثة الحالية، فالعديد من المنظمات الدولية ستسحب عملها ومراكزها من مناطق شمال شرقي سوريا، وتذهب للعمل في مناطق ودول أخرى، كما ستعتمد عبر تمويل المنظمات المحلية فقط، لكن ستبقى المشاريع صغيرة جداً وبنسب لا تتجاوز 10 بالمئة من ميزانياتهم في المنطقة”.

واقع الحال، لا يختلف مع الحقل الإعلامي؛ حيث أدى إغلاق المعبر إلى مغادرة عدد من الصحفيين والإعلاميين الأجانب، إضافة إلى تعليق عدد منهم، فتعطل سفرهم وتوقفت مهامهم الإعلامية المزمع إجراءها في شمال شرقي سوريا.

يقول الصحفي المصري، كريم شفيق، المختص في الشأن السوري، إنه كان ينتظر إتمام أوراقه للتوجه إلى مناطق شمال شرقي سوريا لإنجاز مجموعة من المواد الصحفية المكتوبة والمصورة، لكن إغلاق المعبر اضطره لتأجيل قدومه وتنفيذ نشاطه المهني في المنطقة.
وتابع شفيق خلال حديثه مع الحل نت، أن “الإغلاق المباغت للمعبر أمر سيء للغاية للطرفين، ومن ثم يضع قيودا وعقبات أمام العمل الإعلامي، ولا ينبغي خلط الخلافات السياسية مع الشؤون الإنسانية والمصالح العامة”.

الانعكاسات السلبية التي قد تترتب على إبقاء المعبر مغلقا لشهرين أو ثلاثة عديدة ومتباينة، وقد تؤدي إلى الوصول لمشهد معقد في ظل التحديات القائمة، كما أنها ستضع المنطقة تحت وطأة معضلات إنسانية واقتصادية وأمنية وسياسية، من الضروري تفاديها في الواقع الراهن.

وفي تقدير شفيق، ربما لا تكون تداعيات العمل الإعلامي بحجم العمل الإنساني، لكنها في النهاية تشكل فارقا مع منطقة متهالكة من سنوات الحرب، فستضطر العديد من المنصات الإعلامية الدولية إلى تعليق أو إلغاء أنشطتها في المنطقة، بما في ذلك مواد إعلامية وأفلام وثائقية مصورة، التي عادة لا يقوم بإنتاجها بها سوى الموظفين الأجانب ضمن مؤسساتهم، ويتم إرسالهم لأداء المهمة بأنفسهم، وليس بجهود الصحفيين المحليين من المنطقة.

وعليه، لا يستبعد الصحفي المصري أن تغلق بعض وسائل الإعلام مكاتبها في المنطقة، فلابد بين الفترة والأخرى أن يقوم أحدهم بزيارة المنطقة والإشراف والكشف على مكاتبهم، وبالتالي، الاعتماد فقط على جهود الصحفيين المحليين، الذين لا يكلفونهم دائما بالعديد من المهام.

عواقب وخيمة

وبالعودة إلى ماجد داوي، فإنه يحذر من كون إغلاق المعبر سيخلف عواقب وخيمة على المنطقة، ويقول: “عادة ما تبدأ المنظمات مشاريعها في شهر شباط/ فبراير، حينها ستكون الأسواق قد تم افراغها من البضاعة، ما سيشكل عقبة عند شراء مشتريات المشاريع، من أدوية ومعدات ومواد إغاثية، التي تأتي عبر هذا المعبر في الأساس، وبالتالي، ستتوقف المشاريع”.

كذلك، إذا لم يتواجد حلول بديلة للمنح والبرامج التي يقدمها المانحون للمنظمات العاملة في المنطقة، فسيتعين على الجهات المانحة سحب الدعم تدريجيا، وإغلاق مشاريعهم في المنطقة، وبالتالي سوف يقل عمل المنظمات وفقدان الكثير من الموظفين وظائفهم وانخفاض فرص العمل بشكل عام، مما سيؤثر على السوق والعمال وكل المرتبطين بشكل مباشر وغير مباشر مع العمل المدني.

ويشير متابعون إلى أن استمرار إغلاق المعبر بشكل دائم، قد يدفع بعض المنظمات للجوء إلى معابر الحكومة السورية، ما سيؤدي إلى هيمنة حكومة دمشق على ما تبقى من المساعدات، وتساعده لاستغلال نسبة كبيرة منها لمصلحته، تماما كما يتعامل مع مساعدات الأمم المتحدة، بحسب التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان.

بالإضافة إلى ذلك، ربما تغير غالبية المنظمات الأجنبية استراتيجياتها، وهو المغادرة النهائية والعمل في دول أكثر أمنا واستقرارا لهم. وهكذا فإن المنطقة قد تواجه كارثة إنسانية خانقة، وتفشي الأمراض والعديد من المشاكل الاجتماعية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.