البيئة الاستثمارية في سوريا.. الغائب الدائم في الاقتصاد المتدهور

البيئة الاستثمارية في سوريا.. الغائب الدائم في الاقتصاد المتدهور

تحاول حكومة دمشق جذب أنظار المستثمرين العرب والأجانب نحوها، وجرهم لسحب أموالهم موحية لهم، بأن استثماراتها ستدر عليهم الأرباح الكبيرة والاستقرار طويل الأمد. متغافلة عن الهجرة غير المسبوقة لأصحاب رؤوس الأموال من الصناعيين والتجار، بالتزامن مع استمرار نزيف الاقتصاد السوري.

عندما يتعلق الأمر بالاستثمار في سوريا، فإن المؤشرات على أن الفرصة قد ولت تتلخص بخمسة أمور، أولها أن تغيير حكومة دمشق مازال مطروحا على قائمة الحل السياسي حتى اللحظة، وهي العلامة التي يمكن أن تشير إلى أن سوريا ليست المكان المناسب للاستثمار، لا سيما وأن الحكومة سياسيا غير مستقرة.

فضلا عن ذلك، فإنه عندما يصبح الوصول إلى المعلومات صعبا للغاية وخاصة للمستثمرين فإن تلك هي الإعاقة الأكبر، وهو ما تمتاز به الدوائر الرسمية في سوريا. أما بالنسبة للاقتصاد، فإن الوضع الحالي في دمشق يقول بأن نسبة التكلفة إلى الفائدة تكاد تكون معدومة، وأيضا هناك الكثير من الناس يتنافسون على مورد محدود، فلذلك المنافسة شرسة.

نستعرض في السطور التالية أبرز المشاريع الكبرى في سوريا، جمّدت أو تعرقل إكمالها منذ سنوات أمام المستثمرين بسبب الفساد، وتسلط حيتان الأموال المرتبطين برأس هرم السلطة السورية.

السويداء.. مشاريع حبر على ورق

في المحافظة الجنوبية، التي تعد نوعا ما مستقرة على المستوى العسكري والأمني، إلا أن الحكومة السورية كانت حجر عثرة أمام المستثمرين فيها. فأبرز المشروعات التي قدرت تكلفتها منذ عشر سنوات بحوالي 18 مليار ليرة سورية، لا تزال حتى اللحظة مجمّدة.

كان من المفترض، في أيلول/سبتمبر 2011 افتتاح مشروع “مجمع الشاعر السياحي”، الذي يعد أكبر محطة سياحية في جنوب البلاد، إذ يقع في منطقة عين المرج بظهر الجبل، ويمتد على أرض بمساحة 63000 متر مربع وبمساحة طابقية تصل إلى 53000م2، وتبلغ كلفته الاستثمارية 12 مليار ليرة سورية.‏

لكن المشروع، لم يكتمل حتى اللحظة سوى ببناء هزيل لا يوحي بضخامة المجمع السياحي، والذي كان من المفترض أن يصل في نهايته إلى فندق ومسبح ومطعم من فئة خمس نجوم، بطاقة استيعابية 1444 كرسي إطعام و193 غرفة و368 سريرا فندقيا. فضلا عن مسطحات مائية وخدمات متممة، وناد صحي، وصالات كافتيريا، وسينما.

وأرجع المقاول، جعفر الأطرش، في حديث لـ”الحل نت”، سبب فشل مشروع رجل الأعمال، صياح الشاعر، وهو سوري مقيم في فنزويلا منذ عام 1981. إلى شح الموارد وعرقلة الموافقات اللازمة للمشروع من قبل مؤسسات الحكومة السورية، للحصول على حصة من هذا الضخ المالي الضخم.

أما المشروع الآخر، الذي يقف دون حراك يذكر في ذات المحافظة، فهو “أبراج الريان”، الذي صدر قرار تنفيذه منذ 25 عاما. وأعيد إطلاقه عام 2016 ضمن منطقة التطوير العقاري في موقع سوق الحسبة وسط المدينة، وهو مشروع مؤلف من برجين، كل برج ينطلق بـ 19 طابقا، ثلاثة منها أقبية تحت الأرض ومرآب للسيارات ومحال تجارية وشقق سكنية ومرافق خدمية، بتكلفة تبلغ 6 مليارات ليرة سورية.

“زيتون سيتي”.. مشروع خيال علمي؟

ويبدو أن إكمال مشروع “زيتون ستي” الذي أعلن عنه لبناء مدينة جديدة على طريق ريف دمشق- حمص سيطول انتظاره. لا سيما وأن تكلفة “مدينة الخيال العملي” تصل إلى مليارين ونصف المليار دولار أميركي.

وبحسب ما نقلته رئيس اللجنة العلمية في التجمع آنذاك، غادة دهيم، فإن المدينة التي لم يدق فيها حتى الآن مسمار واحد، كان من المخطط لها أن تضم مدارس ودور عبادة، وجامعة، ومشفى، وحظيرة أبقار بسعة 50 ألف رأس، ومبنية على استخدام الطاقة المتجددة، لحوالي 600 مبنى سكني.

جميع ما ذكر لم ينفذ سوى عبر إعلان ورسم المخطط على ورق، تكفل بها عضو مجلس إدارة “التجمع” بشير العبد الله، أحد رجال الأعمال السوريين ذوي العلاقة الجيدة مع الصين، فيما تشير التقارير الإعلامية أن جهات إيرانية تعطل المضي بالمشروع من أجل الاستحواذ عليه، لبناء مدينة مماثلة للسيدة زينب في ذات البقعة.

أبراج وسط العاصمة

حتى نهاية عام 2021، نسي سكان دمشق المشروع الضخم والذي من أجله أغلقت الحكومة أحد أقدم الكراجات في وسط العاصمة مقابل الوكالة السورية للأنباء “سانا”، والتي تعرف بكراجات البرامكة، أو كراج بيروت، ويرجع ذلك لنحو عقد من الزمن، عندما قررت وزارة التجارة توكيل “شركة أبراج سورية” ببناء برجين بتكلفة تقدر بـ15 مليار ليرة سورية (32 مليون دولار حينها)، على أن ينجز بمدة تصل إلى ست سنوات.

ومنذ عام 2008، لم يبن شبرا واحدا في المشروع وظل معلقا حتى تشرين الأول/اكتوبر 2020، عندما قررت ذات الوزارة حل الشركة القائمة على المشروع، وأوكلت شركة “سورية القابضة” التي أعلن عن تأسيسها في 2006 بين 24 من رجال الأعمال السوريين المقيمين والمغتربين، بمتابعة العمل على المشروع، لكن استمرار التوقف بالعمل أدى لفسخ العقد معها هي الأخرى من قبل محافظة دمشق صاحبة أرض المشروع.

ومشروع “أبراج سورية” هو عبارة عن برجين بارتفاع 60 طابق والبرج الثاني أقل قليلا من الأول. وتبلغ مساحة الأرض 33 ألف م² والذي كان يتضمن عدد من المنشآت الخدمية والترفيهية وهي كأبنية مكتبية، وفندق خمس نجوم، ومركز تسوق، ومجموعة مطاعم، ودار للسينما.

وتشير توقعات عضو نقابة المقاولين، ورجل الأعمال، خلدون الزعبي، لـ”الحل نت”، إلى أن توقف المشروع وإعادة طرحه أمام المستثمرين، يرجع إلى أن الحكومة السورية تبحث عن المال السريع. لذلك يعاد طرح هذه المشروعات للاستثمار مقابل حصولها على عوائد نقدية مجزية وسريعة.

إلا أن رجل الأعمال، منير الزعبي، أكد لـ”الحل نت”، أن أية طرح مشاريع جديدة من قبل الحكومة السورية، سيتولى مهمتها رجال أعمال مقربون من زوجة الرئيس السوري، أسماء الأسد، لا سيما بعد أن باتت متحكمة في الاقتصاد السوري بعد إبعادها ابن خالة الأسد، رامي مخلوف عن الساحة.

المدن السريانية الوهمية في دمشق

وعلى المنوال ذاته، بين إعلان المشروع والهيئة المنفذة له، وتأجيل بنائه أو تناسيه، كانت مدينتا “ماروتا” و”باسيليا” في العاصمة دمشق من ضمن هذه المشاريع، إذ صودق على تنفيذ بناء المدينتين عام 2012.

واستمر تعاقب الشركات للحصول على هذه المشاريع الاستثمارية دون أن ينجز متر واحد حتى اللحظة، في حين أن سكان المنطقة التي تقع عليها المدينتين يكافحون من أجل استعادة منازلهم أو تعويضهم بمبالغ مالية من أجل شراء منازل جديدة لهم.

“ماروتا سيتي” (والتي تعني السيادة)، عرف عنها القائمون على المشروع والمعاقبون دوليا وأبرزهم حليف زوجة الأسد، سامر الفوز، ورجل النفط السوري، حسام قاطرجي، بأنها سوف تساهم في بزوغ “فجر جديد” لدمشق العراقة وتضعها على خارطة الحداثة والعالمية. كان من المفترض بنائها في منطقة بساتين الرازي جنوب غرب دمشق؛ بمساحة 2.149.000 متر مربع.

ووفقا للتقارير الرسمية والتي تبناها، بشار الأسد، في خطابه عام 2012، فإن سكان المدينة لن يحتاجوا الخروج منها، لأنها قطعة متكاملة حتى أنها ستضم أبنية حكومية.

أما “باسيليا سيتي” (والتي تعني الجنة)، فهي الأخرى لم تبرح مكانها، إذ كان من المفترض أن تنفض الغبار عن أبراجها بعد الإعلان عن بدء صب خرسانتها الإسمنتية في حزيران/يونيو 2021، رغم أنه قد أعلن سابقا عن بدء العمل فيها عام 2017 من قبل محافظة دمشق وشركة “شام القابضة”.

ويمتد المشروع، من جنوب المتحلق الجنوبي وصولا إلى حيي القدم وعسالي وشارع الثلاثين، بمساحة تبلغ 900 هكتار، أي ما يعادل تسعة ملايين متر مربع، ويشمل ما يقارب أربعة آلاف عقار.

جميع هذه المشاريع، اتفق فيها على إقامتها، ووعد سكان أراضيها الأصليين بالتعويض دون تنفيذ ذلك، وإحالتها لمستثمرين مقربين من الدائرة الحاكمة في البلاد، بينما لم يتم إنجازها بانتظار أموال المستثمرين العرب لتنفيذها، وتربع حيتان الحرب في سوريا على أرباحها دون جهد أو تعب.

وأخيرا من المهم الإشارة إلى أن “نقابة عمال المصارف” في العاصمة دمشق، قدرت خسائر الاقتصاد السوري منذ عام 2011 وحتى الآن بأكثر من 530 مليار دولار، أي ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عام 2010.

وقال التقرير الذي صدر في شباط/فبراير الماضي إن نسبة دمار البنية التحتية تجاوزت 40 بالمئة وشملت خسائر المساكن وشبكات الكهرباء والمدارس والمستشفيات ومرافق الخدمات، وتراجع إنتاج النفط الخام من 400 ألف برميل يوميا إلى أقل من 30 ألفا.

وبذلك، فإن فرص الاستثمار في سوريا، لن يكون إلا وبالا على أصحاب الأموال الذين يتعطشون لدخول الساحة السورية، والبدء بإنشاء المشاريع التي يعتقدون أنها ستدر عليهم أرباحا هائلة. إلا أن هذه المعطيات لا تؤشر إلا على أن سوريا باتت هوة ستبتلع الأموال لمصلحة حيتان الحرب السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.