تهدف حكومة دمشق عبر “الإتاوات” أو ما يطلق عليه “رسوم التعبير” التي تجبيها الحواجز التابعة لـ”الفرقة الرابعة”، و”الحرس الجمهوري” المتمركزة في محافظتي دمشق وريف دمشق إلى الهيمنة على كافة الأنشطة الاقتصادية في المنطقة.

ورغم تعدد تبعية الحواجز المنتشرة في دمشق وريفها للأفرع الأمنية العديدة، إلا أن تقاضي الإتاوات الذي تمارسه الحواجز ينحصر بـ”الفرقة الرابعة” التي تتحصل على النسبة الأكبر، فيما يتقاضى “الحرس الجمهوري” جزءا بسيطا منها.

وبحسب مصادر محلية، من المحافظتين، تحدثت لـ”الحل نت” تتسبب حالة الهيمنة التي تفرضها الحواجز الأمنية والعسكرية بحالة من الجمود تطال النشاط التجاري والزراعي بالمجمل، بينما يشكو طلاب وسكان آخرون من العراقيل الناجمة عن تمركز الحواجز في المنطقة حيث يضطر كثيرون لدفع المال مقابل العبور.

يقول سمير (اسم مستعار لشخص من ريف دمشق) وهو مزارع أربعيني، إنه مضطر لدفع إتاوة يومية للسماح بعبور سيارته المحملة بمحاصيله الزراعية باتجاه سوق الهال بدمشق. ويتابع “يأخذ عناصر الحواجز مبالغ مالية تتراوح بين 500 وحتى 3000 ليرة سورية، وبعض الحواجز يكتفون بعلبة متة أو باكيت دخان أو سحارة عنب أو خيار”.

بينما يؤكد مروان (اسم مستعار لشخص من دمشق) أنه امتنع عن ممارسة نشاطاته التجارية نظرا للتصرفات المزعجة الناجمة عن الحواجز التي تفصل دمشق عن ريفها، “لاسيما مع إلحاحهم عند إدخال كل شحنة زيت زيتون أقوم بتمريرها من الساحل نحو دمشق، بإبراز الموافقة الأمنية وبما أنني لا أمتلكها فأقوم بدفع مبالغ تتراوح بين 5000 وحتى 10000 ليرة عن كل سيارة صغيرة من زيت الزيتون. لذلك توقفت عن هذه التجارة نهائيا”.

دولة موازية

يؤمن قيام هذه الحواجز بالتقطيع الجغرافي للمدن والبلدات، والتمركز على مداخل ومخارج المدن، إمكانية التحكم التام بكل الداخل والخارج من البضائع والسلع والمنتجات المحلية، وصولا إلى المواد التي تستخدم لإعادة بناء وترميم ما دمرته الحرب خاصة في ما يعرف بمناطق التسويات.

يلمح مهند أبو الحسن مدير البيانات في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية” خلال حديث لـ”الحل نت” إلى أن عملية التحكم بالاقتصاد في ظل الظروف المعيشية المتدنية الموجودة في الوقت الراهن، توفر لما يمكن أن نطلق عليه “الدولة الموازية” أمورا عديدة مثل تحديد مناطق نفوذ رجال الأعمال المحليين، وتحديد أنواع الأنشطة الاقتصادية التي تمارس في المنطقة، ما يخلق هيمنة كاملة على حركة الاقتصاد في مناطق سيطرة الحكومة السورية.

يؤكد أبو الحسن بأن الفاعل الاقتصادي على الحواجز هو الفرقة الرابعة بنسبة 99.97 بالمئة. ويميز بين ما يسمى رسوم الترفيق وهي الإتاوات التي تحصلها الفرقة الرابعة جراء حماية البضائع على الطرقات، وبين رسوم التعبير وهي الإتاوات التي تتقاضاها الحواجز داخل مناطق سيطرة الحكومة السورية.

يشير أبو الحسن إلى أن الأموال التي يتم جمعها عبر الحواجز الداخلية لا تذهب جميعها إلى الفرقة الرابعة وماهر الأسد، بل هناك جزء منها يتم تقاسمه مع الأجهزة الأمنية والاقتصادية التابعة لمنظومة الدولة الموازية التي تشكل وحدات النخبة في الفرقة الرابعة وقوات الحرس الجمهوري عمودها الفقري.

في المقابل لا تدخل أي ليرة من هذه الإتاوات إلى خزينة الدولة الرسمية بل يقتصر تقاسمها على الأجهزة الأمنية التي تحصلها، وأجهزة أخرى لا تمت للدولة الرسمية بأي صلة، تحت إدارة المكتب الأمني والاقتصادي في الفرقة الرابعة ونظيره لدى الحرس الجمهوري.

تحولات

يشير تقرير بعنوان “الفرقة الرابعة.. الجيش الموازي في سوريا” الصادر عن معهد الشرق الأوسط (MEI) إلى أن الفرقة الرابعة تعد الرقم الأول عسكريا في سوريا، بسبب الدعم الإيراني اللامحدود والصلاحيات المفتوحة لها على كافة الأراضي السورية.

لكن، ونتيجة لسنوات الحرب الطويلة فقدت هذه الفرقة ميزاتها كفرقة عسكرية خالصة تجيد العمل العسكري المهني على الرغم من الإمكانيات العسكرية، وذلك لأن أغلبية المتطوعين للقتال في صفوف أمن الرابعة هم من الهاربين من الجيش أو الأشخاص الذين كانوا مطلوبين جنائيا وتمت تسوية ملفاتهم مقابل القتال إلى جانب الحكومة السورية.
إضافة لـ”تحول عناصر الفرقة الرابعة إلى عناصر لجباية الأموال على الطرقات والحواجز العسكرية والمعابر بين المناطق المتصارعة، حيث تتولى الفرقة الرابعة مهمة جباية الأموال الأمر الذي جعل هذه الفرقة منبوذة على المستوى الشعبي وحتى العسكري”.

كما لاحظ التقرير “نشوء طبقات اقتصادية مدنية مرتبطة بالفرقة الرابعة نتيجة ظروف الحرب منهم أبو علي خضر، الذي ذاع صيته في الحرب كرجل أعمال ارتبط بالفرقة الرابعة نتيجة العلاقات الخاصة بضباط الفرقة الرابعة، إذ ظهرت هذه الشخصية بشكل مفاجئ في الحرب كشخصية اقتصادية، إلا أن هذه الشخصية هي امتداد لماهر الأسد الذي عمل إلى جانب الفرقة الرابعة في جباية الأموال”.

بيروقراطية جديدة

تختلف البيروقراطية الجديدة التي تمارسها الحواجز العسكرية عن المتعارف عليه خلال العقود الماضية من رشاوي وفساد ومحسوبيات، في صعود واضح لما يمكن تسميته “بيروقراطية الإتاوات” كونها تخلف عن الرشاوي في أن العملية لا تتمثل برشوة الموظف أو العنصر الذي يقف على الحاجز بل الكيان الموازي الذي يتبع له. “العنصر يقوم بتسجيل الأموال التي يجبيها ضمن جداول خاصة تخضع لتدقيق كبير. هناك محاسبون قانونيون يديرون حسابات هذه الحواجز” وفقا لمهند أبو الحسن الذي يتابع بأن النظام الجديد “هو نظام إتاوات وضرائب مفروضة ومدارة من قبل دولة موازية وليس الدولة الرسمية”.

في المحصلة، يشير أبو الحسن إلى أننا نتحدث عن نظام ضريبي معقد، تبدو مصطلحات مثل رشوة، فساد، بسيطة ومتواضعة جدا، أمامه. إذ نلاحظ منهجية عمل وطريقة إدارة تختلف عن البيروقراطية السابقة.

تختلف الإتاوات التي تتقاضاها “الفرقة الرابعة” و”الحرس الجمهوري” بحسب حجم البضائع الممررة. ويؤكد أبو الحسن أن عملية تقييم الإتاوة تتم وفقا لحمولة البضائع.

مصدر دخل أساسي

لعبت الحواجز الأمنية دوراً كبيراً في تحقيق المكتسبات الأمنية والاقتصادية للحكومة السورية ومثلت أحد أدواتها الفاعلة للإفقار المتعمد لبعض المناطق وتعطيل الحركة المعاشية والإنتاجية داخلها.

يرى محمد العبد الله الباحث في “مركز عمران للدراسات”، خلال حديث لـ”الحل نت”، أن الحواجز الأمنية إضافة لكونها أحد الوسائل التي استخدمتها الحكومة لإطلاق يد الأجهزة الأمنية والعسكرية للسيطرة الأمنية على المجتمع بشكلها العلني، تهدف أيضا لتحقيق أكبر قدر من المكاسب المادية سواء من خلال الإتاوات المفروضة على المرور عبرها عبر استخدام الترهيب الأمني، والمتاجرة بملفات المعتقلين عبر هذه الحواجز، أو من خلال استلاب المواد والمقتنيات الشخصية ومصادرتها. وكذلك تهريب المطلوبين لخارج مناطق حكومة دمشق مقابل مبالغ مالية ضخمة. واستخدام هذه الحواجز لتجارة المخدرات والمواد الممنوعة من وإلى مناطق الحكومة السورية عبر شبكات مرتبطة بهذه الحواجز.

إلى جانب قيام هذه الحواجز بالابتزاز المادي المتعمد للسكان في بعض المناطق في دمشق وريفها بين المدن والبلدات، بحيث أصبحت عملية دفع الإتاوات ممنهجة لدى جميع من يمر بهذه الحواجز ولكل شيء تسعيرته المحددة التي لا يمكن النقاش حولها مع عناصر هذه الحواجز.

كذلك قامت هذه الحواجز بفرض رسوم عبور مرتفعة على جميع المركبات ذات الصلة بالأنشطة الاقتصادية في ريف دمشق مثل الآليات المحملة بالوقود والمياه والمواد الغذائية ومواد البناء غيرها من المواد الأساسية، وحتى القيام بسرقة بعض هذه المواد ومصادرتها ومن بينها المساعدات الإنسانية الأممية الموجهة لهذه المناطق. ما عمق من تردي الأمن الاقتصادي للمواطنين في هذه المناطق. بحسب الباحث محمد العبد الله.

وفقا لما سبق، يمكن القول أنه ونتيجة للأزمة الاقتصادية التي ترزح تحتها الحكومة السورية خلال الأعوام الماضية وعدم قدرتها على تغطية الكلفة المرتفعة لهذه الأجهزة لضمان استمراريتها، فقد أطلقت يد أجهزتها الأمنية لتعويض مكتسباتها السابقة قبل عام 2011. وبالتالي؛ يمكن النظر إلى الإتاوات المتحصلة من خلال هذه الحواجز كمصدر دخل أساسي لعناصر هذه الأجهزة من أعلى مستوى الهرم الإداري إلى قاعدته. وبالتعاون والتنسيق بين جميع هذه الأجهزة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.