في الوقت الذي تتزايد فيه معدلات التضخم في سوريا وتتسارع وتيرة ارتفاع الأسعار في الأسواق، كان أحد الأسئلة الأكثر شيوعا يتمحور حول أسباب فشل الحكومة السورية بضبط الأسعار الرسمية التي حددتها ومنع تجاوزها في الأسواق، في ظل وجود فوارق كبيرة بين نشرات الأسعار الرسمية وبين أسعار المبيع في مختلف السلع والمواد والتي تزداد بشكل دوري دون ضوابط أو مبررات منطقية. 

جدل ضوابط الأسعار

إن النقاش حول ما إذا كانت ضوابط الأسعار ستعمل على وقف التضخم تجتاح الشارع السوري، فحتى الآن، لا تحظى بقبول يذكر. حيث سيؤدي تحديد المبلغ الذي قد تفرضه الحكومة على السلع المحلية إلى تعطيل الأسواق، مما يؤدي إلى حدوث نقص وزيادة مشكلات سلسلة التوريد دون خفض للتضخم.

وبرأي تاجر المواد الغذائية، محمد السكري، فإنه ليس من الممكن أن تستقر الأسعار في العام الجديد، لأن سلاسل التوريد العالمية تتعافى ببطء، والطلب المحلي يتجه للانخفاض، حيث تتلاشى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لخطة الإنعاش. بينما تفتقر سوريا للمخزونات الغذائية التي يمكن أن تحافظ على مستويات الأسعار.

ومع ذلك، فإن هذه أداة التسعير الجبري/الرسمي أو الحكومي غير دقيقة، وهي ذات فعالية محدودة عند استخدامها بشكل كبير، ومن غير المحتمل أن تؤدي الضوابط الهامشية في ارتفاع أسعار المواد وإلى انخفاض كبير في الطلب. كما أن آثارها الجانبية سيئة على الاقتصاد والمستثمرين.

ويعتقد رجل الأعمال السكري، في حديثه لـ”الحل نت”، أن الحكومة يمكنها في الوقت الحالي فرض قيود سعرية على مجموعة كبيرة من السلع، مع تحديد الحد الأدنى والحد الأقصى من القيود. إلا أن جدواها ليس على المدى الطويل، فعلى سبيل المثال، حاولت دمشق الحد من أسعار المواد النفطية الذي فرضه التجار على المدنيين.

من ناحية أخرى، فإن تثبيت الأسعار شجع الشركات على توفير منتج أقل، وبالتالي فإن انخفاض العرض وزيادة الطلب سيأخذ السوق إلى عجز لا مفر منه.

للقراءة أو الاستماع: نظام ضريبي جديد في سوريا.. هل يتحمل جيب المواطن؟

لماذا يكره التجار تحديد الأسعار؟

في معظم النماذج الاقتصادية الأساسية، تكون الأسعار نتيجة دلالة على العرض والطلب، فإذا كانت أسعار منتج ما مرتفعة للغاية، فلن يشتري الناس الكثير منه. أما إذا كانت الأسعار منخفضة جدا، فلن تجني الشركات الكثير من المال وستجني أقل من المنتج. 

https://twitter.com/TheSyrianTweet/status/1479174971096289284?s=20

وعليه فإنه وبحسب السكري، في هذا النموذج، عندما تفرض الحكومة سقفا مصطنعا على الأسعار، ينخفض ​​العرض نظرا لأن الشركات لن تجني الكثير من المال، ويزداد الطلب نظرا لأن المزيد من الناس سيرغبون في الشراء بالسعر المنخفض الذي تفرضه الحكومة. ونتيجة لذلك، لا يمكن للعرض تلبية الطلب، مما يؤدي إلى نقص.

للقراءة أو الاستماع: زيادة أعداد الشركات الوهمية في سوريا.. أسباب خفية وغريبة

تشجيع لاستمرار السوق السوداء

ومع قدرة الحكومة السورية على إنشاء سياسة لإدارة الأسعار لفرض أقصى قيود على السوق والسلع الأساسية في مرحلة من المراحل، ورغم أن قيود التسعير كانت فعالة في الغالب في السابق، إلا أنها أدت إلى ظهور سوق سوداء قوية، ومن المرجح أن توفر الأرباح حافزا للمتنفذين في هذه السوق باستمرار رفع الأسعار واحتكار المواد.

فبحسب السكري، فقد أنشأ المستفيدون من الحرب سوقا سوداء مزدهرة من خلال التحايل على نظام العقوبات. وكسبوا الملايين من خلال استيراد وبيع السلع المرغوبة كثيرا. ومن خلال الأرباح الهائلة والاحتكار، وصلوا إلى فرض درجة هائلة من السيطرة على حياة السوريين الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

وبدأ صعود ملوك السوق السوداء منذ الشهر الأول الذي انطلقت فيه الاحتجاجات بسوريا، واستفادوا من التشوهات التي أصابت كل القطاعات الحكومية والخاصة. حتى وصل بهم الأمر إلى عدم الالتزام بقرارات الحكومة التي تفرض في الغالب على صغار التجار، وفقا لحديث السكري.

للقراءة أو الاستماع: حل نهائي لوقف ارتفاع الأسعار في سوريا

أسعار ملتهبة منذ بداية العام الجديد

ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية في سوريا بداية العام الجديد. كانت المفاجئة التي استفاق عليها السوريون رغم الوعود الحكومية التي أطلقها الوزراء في الشهر الأخير من العام الفائت.

فحلقت أسعار اللحوم، مطلع الشهر الجاري، حيث بلغ سعر كيلو لحم الخروف الضأن 42 ألف ليرة سورية. والدجاج 8800 ليرة، وشرحات الدجاج 19500، كما وصل سعر كيلو الطحين إلى 3800. وبيعت البيضة الواحدة، بـ550 ليرة سورية، ووصل سعر ليتر الحليب إلى 2200 ليرة.

وبلغ سعر كيلو السكر 3500 ليرة سورية، وكيلو الأرز 3 آلاف ليرة، فيما ارتفع كيلو الشاي 4 آلاف ليرة ليصبح الكيلو بـ30 ألف. أما القهوة فقد وصل سعر الكيلو الواحد منها إلى 35 ألف ليرة سورية.

وبلغ سعر كيلو البرغل 2800 ليرة، وسعر كيلو العدس 3 آلاف ليرة، والفريكة 9 آلاف ليرة. وملح الطعام ارتفع سعره 50 ليرة ليصبح بـ400 ليرة، كما بلغ سعر الزيت النباتي 18 ألف ليرة.

الجدير ذكره، أن سوريا تحتل المرتبة 101 على مؤشر الأمن الغذائي. حيث وجاء ذلك في تقرير لمجلة “إيكونوميست” البريطانية، الصادر في 25 من شباط/فبراير الماضي. فيما كانت ارتفعت أسعار السلع بنسبة 107 بالمئة في مناطق سيطرة حكومة دمشق منتصف عام 2020. كما تضاعفت في نهاية العام الفائت.

للقراءة أو الاستماع: مقترحات متعددة للتخلص من الأزمة الاقتصادية في سوريا.. كيف ستنجح؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.