تشير الدلائل إلى أن التسويات التي ابتدعتها روسيا في سوريا منذ عام 2018 وتستمر حتى الآن في مناطق مختلفة من سوريا لم تفض إلى نتيجة، في الوقت الذي تتواصل فيه الاغتيالات في الجنوب السوري منذ توقيع أول تسوية برعاية روسية بين حكومة دمشق وفصائل المعارضة في تموز/يوليو 2018. إلا أن تصعيدها الأخير وامتدادها إلى كل مناطق درعا بعد توقيع اتفاق التسوية الثاني في أيلول/سبتمبر 2021. يدل على الصورة الحقيقية لفشل التسوية في المناطق السورية لا سيما في درعا التي تنتشر فيها عمليات القتل المستهدف والتي تبدو كأنها عمليات انتقامية.

“تسوية صورية”؟

غطت وسائل الإعلام السورية، التسويات الجديدة في درعا باهتمام بالغ أواخر الصيف الماضي. معلنة أنها نهاية للانفلات الأمني في جنوب سوريا. وقالت إن المنطقة في السابق كانت تعاني من العصابات والجرائم في ظل غياب قوات الأمن السورية، بحسب إدعائها.

فبعد استعادة حكومة دمشق السيطرة على جنوب سوريا في صيف عام 2018، بمساعدة مباشرة من روسيا. بعد قصف هستيري طال أنحاء متفرقة من المحافظة. أُبرمت “اتفاقيات مصالحة” مع بلدات درعا على أساس فردي. فسمحت هذه الاتفاقات على الورق، بشكل عام لشخصيات المعارضة المسلحة سابقا بالحصول على عفو من الحكومة. ودمج مقاتلين في القوات النظامية، وضمنت عدم دخول الجيش إلى داخل المدن.

ثم عادت اللجنة الأمنية التابعة للحكومة، ووفد روسي بتقديم منتصف آب/أغسطس الماضي، للجنة التفاوضية في مدينة درعا خارطة طريق تضمنت تشكيل مركز تنسيق مهمته تنظيم المفاوضات بين الأطراف الثلاثة – الروس والحكومة ولجنة درعا – من أجل الوصول إلى حل في درعا البلد والإشراف على خارطة الطريق الروسية ومراقبة تنفيذها. 

وأنهت اللجنة الأمنية، في الـ 6 من أيلول/سبتمبر الماضي، تنفيذ بنود التسوية في درعا البلد بحضور وفد عسكري وأمني روسي. وامتدت التسوية إلى جميع مدن وبلدات منطقة درعا التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة قبل صيف 2018.

الوضع الأمني المضطرب والاقتصادي المتدهور منذ عقد أول اتفاقية تسوية في درعا (صيف عام 2018) يدفع للقول وفق متابعين لمسار التسويات التي تتدخل بها روسيا (سياسيا وعسكريا) للقول أن الدخول بهذه التسويات لم يدفع واقع الحال إلى الأفضل على مختلف الأصعدة. إلا ضمن إطار الاستفادة الإعلامية لحكومة دمشق على الصعيد الإعلامي بفرض سيطرتها هناك. رغم عدم واقعية هذا الطرح في ظل وجود نفوذ مشترك متقاسم بين الروس من ناحية وبين ميليشيات النفوذ الإيراني و”حزب الله” اللبناني من ناحية ثانية. 

للقراءة أو الاستماع: الجانب المظلم لـ“التسوية” في شمال شرق سوريا.. ما أسباب رفضها

تزايد الاغتيالات في درعا رغم التسويات

عضو لجنة التفاوض بدرعا، أبو محمد البطين، يقول لـ”الحل نت”، إن دمشق سعت إلى الترويج لاتفاقات التسوية التي أبرمتها في درعا على أنها انتصار لقواتها في المحافظة. وإعادة بسط السيطرة، ووسيلة للعودة إلى الحياة الطبيعية. 

https://twitter.com/thawraa_syr/status/1484614137028259840?s=20

ولكن، وطبقا لحديث البطين، فإن الواقع على الأرض كشف وجهة نظر مخالفة. إذ عادت عمليات الاغتيالات بقوة إلى الواجهة، وبلغت عدد العمليات اليومية نحو خمس عمليات.

وشهد النصف الثاني لعام 2021، ارتفاعا في أعداد القتلى مقارنة بالنصف الأول من العام ذاته في درعا، إذ وثق “مكتب توثيق الشهداء في درعا” في تقريره السنوي الصادر في كانون الثاني/يناير الجاري، مقتل 309 شخصا، بينهم 39 طفلا و11 امرأة،  ضمن 59 نقطة جغرافية داخل المحافظة.

وطبقا لإحصائية المكتب الحقوقي، فإن عام 2021 شهد 508 عملية ومحاولة اغتيال. حيث توزعت بـ 317 عملية ومحاولة اغتيال في ريف درعا الغربي، و150 في ريف درعا الشرقي. وفي مدينة درعا 41 عملية ومحاولة اغتيال.

للقراءة أو الاستماع: عشائر الرقة ترفض عمليات “التسوية” التي أطلقتها حكومة دمشق بريف المحافظة الشرقي

مآلات التسوية في سوريا

ورأى البطين، أن نظام التسويات الروسية، فشل فشلا ذريعا، حتى مع ترويجه في محافظات أخرى للتسوية، كالسويداء ودير الزور والرقة وحمص. 

وتابع “قد يعكس استمرار المحاولات المستمرة في القضاء على جميع الشخصيات المعارضة عبر اغتيالات مجهولة الجهات؛ ضلوع دمشق في ذلك”.

ويرى عضو لجنة المفاوضات في درعا، أنه وفي الوقت الذي تقترب فيه صفقة المصالحة التي رعتها روسيا من الانهيار. وأصبحت قدرة روسيا على تقديم ضمانات طويلة الأمد داخل سوريا موضع شك على نحو متزايد لدى العديد من أهالي المنطقة.

ومن ناحية أخرى، في ظل عدم اليقين بشأن مستقبل سوريا، يبين البطين، أن العديد من اللاعبين في الحرب السورية. لا سيما الإيرانيين ينتهجون استراتيجيات مختلفة في البلاد تكون في الغالب خارج سيطرة روسيا. 

ومنذ تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، بدأت الحكومة السورية الترويج لتسويات في دير الزور والرقة. حيث أفادت الوكالة السورية للأنباء “سانا”، بأن اللجان الأمنية تواصل عمليات التسوية وقد بلغت الأرقام نحو 11 ألفا من أهالي دير الزور، و1650 في مدينة الرقة.

في حين أن وسائل إعلامية، نقلت أنه وبعد أقل من شهرين على بدء العملية، ألغت الحكومة اتفاقات “التسوية” التي كان قد أبرمها في محافظة دير الزور بحضور ضباط أمنيين وعسكريين يترأسهم اللواء حسام لوقا رئيس إدارة “المخابرات العامة”. واعتقل عددا من عناصر التسوية بعد مداهمة منازلهم في حيي الحميدية والعمال، بتهمة عدم التحاقهم في الخدمة العسكرية الإلزامية.

للقراءة أو الاستماع: “غرامة جديدة”.. الأمن العسكري يفرض ألف دولار على أهالي السويداء

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.