في ظل واقع زراعي متردي، وعوامل سلبية تزيد من أعباء القطاع السوري، يعود الحديث مجددا للاستفادة من الزراعات البديلة في المساحات المتبقية للزراعة في مناطق سيطرة حكومة دمشق.

وللزراعة البديلة أشكال مختلفة تعوض عن الزراعة التقليدية التي قد تواجه عوامل متعددة تضر بتطور قطاع الزراعة وإنتاجه، لعل من بينها استبدال المحاصيل التقليدية ضمن البيئة الزراعية في البلد بمحاصيل جديدة لم يعتد عليها في تلك البيئة، ولعل هذا النموذج يعاد التركيز على تعميم تطبيقه في سوريا، ولو إن كانت هذه التجربة حديثة العهد ولم تتجاوز بضع سنوات.

في عام 2017، أصدرت “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، تقريرا زراعيا من إعداد الخبير الزراعي والأكاديمي، عبد العزيز ديوب، حول الزراعات البديلة في سوريا، حيث شجّع التقرير آنذاك المزارعين على القيام بزراعة المحاصيل البديلة ذات الجدوى الاقتصادية، التي تدر أرباحا حقيقية، خصوصا النبات العطرية لا سيما وأن أن سوريا ومن خلال التنوع الحيوي، والميزة النسبية فإنها تعتبر ذات مخزون كبير جدا بنحو ألف نوع من النباتات الطبية والعطرية وجميعها تحقق ريعا كبيرا للمزارعين.

تقارير صحفية أشارت في مرات عدة إلى لجوء المزارعين في مناطق سيطرة دمشق، لا سيما في الساحل السوري إلى زراعات بديلة مثل الزعفران، والنباتات المدارية وشبه المدارية مثل الكيوي والبابايا والقشطة والمانغو.

فمع الانتكاسة التي تعرضت لها مناطق الساحل السوري سواء بسبب كساد محصول الحمضيات خلال الفترة الأخيرة، واستمرار الجفاف في أزمة لم تحدث في سوريا منذ 70 عاما، تحولت أنظار المزارعين إلى زراعة أغلى النباتات العطرية في العالم، وهو الزعفران، والذي على ما يبدو أنه سيكون زراعة واعدة في سوريا.

واقع متدهور للزراعة السورية

واقع سيء يعاني منه قطاع الزراعة في سوريا، منذ سنوات، والمعضلات ما تزال تتفاقم دون إمكانية على حل المشكلات، سواء بفعل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة ككل، أو ضيق المساحات المزروعة في مناطق سيطرة حكومة دمشق.

رويدة النهار، مديرة السلامة البيئية في وزارة الإدارة المحلية والبيئة، قالت مطلع شهر كانون الثاني/يناير الجاري، إن من أبرز المصاعب التي تواجه التنمية في سوريا لا سيما الزراعية منها، تتمثل بظاهرة الجفاف، “يمكن رؤية تأثير الجفاف في كل النشاطات، خاصة الزراعية والاقتصادية والاجتماعية بدرجات مختلفة”.

مشيرة إلى أن سوريا تتعرض في الوقت الحالي لأسوأ موجة جفاف منذ سبعين عاما نتيجة انحباس الأمطار في معظم المناطق، في مقدمتها المناطق الساحلية التي عادة ما كانت تتعرض للعواصف المطرية. إضافة إلى موجات الحر العالية في بعض مناطق سوريا، وبالتالي لحق الضرر بالمحاصيل والمزارعين.

وفيما يتعلق بتأثير شح المياه على الزراعة، أكدت النهار أن الحد من توفر المياه الناتج عن التغيرات المناخية، سيؤدي إلى تقليص الإنتاجية الزراعية الحالية، وسيهدد الأمن الغذائي في سوريا، وسيزيد معدلات تآكل التربة.

وفي تقرير نشره موقع “ميدل إيست” البريطاني، مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، من “خطر مروع يهدد سكان الشرق الأوسط”، جراء التغيرات المناخية المستقبلية، مشيرا إلى أن بعض المناطق ستصبح “غير قابلة للسكن”.

ويشير التقرير إلى تحول السواحل السورية إلى “مبعث قلق رئيسي”، بسبب “عقد من الحرب”.

لقد كانت معظم السياسات الزراعية في سوريا، هي سياسات سيطرة وتحكم بالشعب طوال العقود التي بدأت بقانون الإصلاح الزراعي، الذي هو في الواقع والأرقام دمر إمكانيات سوريا الزراعية، وقلص فرص الزراعات التنافسية وقلص حصة سوريا من الصادرات الزراعية، بسبب تفتيت الملكية الزراعية إلى نمط المزارع الصغيرة، وفق رأي الكاتب المتخصص في الشؤون الاقتصادية، مصطفى السيد.

وأضاف السيد خلال حديثه لـ”الحل نت”، بأن سوريا “تم إخراجها من التنافسية في السوق الزراعي العالمي نتيجة تفتيت الملكيات، وهذا يمنع بشكل استراتيجي الأرضية لظهور منتجات قادرة على الوصول للأسواق العالمية وفق التطورات الكبيرة في سلاسل التوريد الزراعي في أسواق الاستهلاك العالمي”.

وأضاف “سوريا تنتج فائضا من التفاح لا تستطيع تصديره، وإن صدرته يعاد إليها نتيجة ازدياد نسبة السموم التي يستخدمها المزارعون لمواجهة الحشرات بلا علم وبلا مراقبة، و بعضهم بلا ضمير نتيجة غياب الرادع الأخلاقي في مجتمعات الإنتاج الناجمة عن فساد الرقابة المهنية والمجتمعية والحكومية في ذات الوقت”.

ما مستقبل الزراعات البديلة؟

في وقت سابق قالت “الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية” إن وجود الزراعات البديلة مثل زراعة الأنواع المدارية وشبه المدارية لن تكون بديلة من زراعة الحمضيات بل رديفة لها، فالبيئة السورية ليست بيئتها الأساسية حتى وإن نجحت، وفق تقديرها. مثل الأفوكادو والكيوي والمانغو والقشطة والبابايا، مبيّنة أنه بات يلجأ إليها المزارعون بدلا من الحمضيات.

وأكد رئيس قسم بحوث الحمضيات والنباتات المدارية وشبه المدارية في الهيئة آنذاك، أحمد يوسف أحمد، أن وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، لم تذكر أي بيانات إحصائية عن المساحات المزروعة أو عدد الأشجار أو الإنتاج لهذه الأنواع المدارية منذ 2016، حسبما نقلته صحيفة “تشرين” المحلية.

وأضاف أحمد أن تدني أسعار الحمضيات خلال السنوات الماضية دفع بعض المزارعين لزراعة الأنواع المدارية، وبلغ سعر الغرسة الواحدة 10 آلاف ليرة سورية، وتمت زراعة أعداد قليلة منها وأكثرها المانجو والأفوكادو والقشطة.

في حين أشارت إحصائيات مديرية زراعة طرطوس، إلى ازدياد الزراعات المدارية والاستوائية في المحافظة، مثل الأفوكادو والكيوي والمانغو والقشطة والبابايا، مبينة أنه بات يلجأ إليها المزارعون بدلا من الحمضيات.

وبات مزارعو الساحل يبحثون عن بدائل لزراعاتهم التقليدية لا سيما الحمضيات، بعد خساراتهم الأخيرة بسبب صعوبة التسويق الداخلي والتصدير للخارج،إلى جانب الجفاف والحرائق المتكررة، ما دفعهم لتجربة الزراعات الاستوائية كتجارب فردية.

ويوجد نحو 600 ألف طن حمضيات فائضة عن حاجة السوق السوري، لا يمكن تصريف سوى جزء بسيط منها عبر معبر نصيب الحدودي مع الأردن، وفق ما ذكره المستشار الفني في “اتحاد الغرف الزراعية” عبدالرحمن القرنفلة مؤخرا.

إن الزراعات البديلة في سوريا بالعموم ظاهرة ايجابية، اذا ما تمت دراسة تجريبية متخصصة له من قبل مراكز الأبحاث، فالبيئة السورية متنوعة من المناطق الرطبة جدا إلى المناطق الجافة جدا، وهي ميزة تتسم بها سوريا بشكل عام فالزراعات البديلة يمكن أن توفر فرص عمل وتخفف من عمليات الاستيراد، وفق حديث المهندس الزراعي، وائل باكير، لـ”الحل نت”.

وأضاف “بالتالي يمكن أن ترفع من مستوى الدخل القومي، إذا تم التسويق لها بشكل مدروس”.

يذكر أن بداية تجربة زراعة الزعفران في سوريا كانت من خلال حقول سرغايا والزبداني، ووصلت إليه من تطورات من حيث عدد الأزهار وإنتاج وجودة السيقان وطرق زراعتها وإكثارها وانتشارها لتصبح زراعة واعدة، فهي قد تكون من المحاصيل الاستراتيجية كمورد اقتصادي جديد للأشخاص ذوي الدخل المحدود والأسر الفقيرة.

الصحفي المتخصص بالشؤون الاقتصادية، مصطفى السيد، لفت بأن وزارة الزراعة السورية تطلق بين فترة وأخرى أكاذيب، من أجل تضليل الفلاحين السوريين، “أعظم إنجازات قسم الإصلاح الزراعي في وزارة الزراعة أنه فتت الملكية الزراعية نتيجة رؤية النهب المتمركزة في أذهان الطبقة السياسية السورية، التي فرضت حلولا فاشية على الملكية والإنتاج والاستهلاك فوصل الشعب السوري إلى الجوع والبرد”.

وختم بالقول “لكشف أكاذيب السياسات الزراعية البديلة التي تتحدث اليوم لمنتجي الساحل من الحمضيات يمكن لهؤلاء المنتجين سؤال أنفسهم هل اختاروا بنزاهة قيادة كفوءة، ام فرضت عليهم هذه القيادة. كما يمكنهم سؤال أنفسهم لماذا يتكدس التفاح والحمضيات في أسواقهم ولا يوجد سوقا لتصريف المنتجات،
هل سيتم إيجاد سوق للزعفران إذا تم قلع أشجار الحمضيات من الساحل”.

تعيش سوريا خللا بنيويا في خارطتها الزراعية، لاستمرار ابتعادها عن وضع استراتيجية زراعية واضحة، وتمسك القائمين على هذا القطاع الحيوي باتخاذ قرارات ارتجالية ساهمت في خروج الكثير من العاملين بالقطاع الزراعي من العملية الإنتاجية، سواء أكان ذلك قبل أو خلال سنوات الحرب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.