يُسدّد السوريين فاتورة هجرتهم مرتين، الأولى عندما يغادرون بلدهم، والثانية عندما يموت أحدهم في منفاه، حيث للموت وجه آخر تعكسه ارتفاع أسعار القبور وتكاليف إجراءات الدفن، وهي ما يمكن أن نسميها بـ”فواتير الموت”.
بطبيعة الحال، تختلف التقديرات حول الرقم الدقيق لـ “فواتير الموت”، إلا أنها تدور في فلك قريب من 5 آلاف يورو، وقد تصل إلى 8 آلاف في بعض الحالات.

وإزاء هذه الأرقام، تسعى الجمعيات والأفراد في أوروبا إلى التكافل فيما بينهم بغية تحمل نفقات وأعباء فواتير الموت الباهظة، قياسا بدخل المتوفى أو ذويه.

وإلى جانب التكاليف المرهقة، فإن دفن الموتى السوريين والعرب عموما في أوروبا، كفيل بإدخال الشخص في مسار معقد وطويل من الإجراءات الإدارية، بدءا من المشفى، وإصدار شهادة الوفاة وتصريح بالدفن، وليس انتهاء بالحصول على قبر.

أما في حالة الرغبة بنقل الجثمان إلى سوريا، فهناك إجراءات أخرى مختلفة نوعا، وقد يستغرق استكمال إجراءات الدفن ما بين أسبوع و10 أيام في معظم الأحيان.

وفي هذا التقرير نحاول الإجابة على عدة تساؤلات، من بينها؛ كيف يتمكن السوريين من تدبر نفقات الدفن في أوروبا، وما هي الصعوبات والعقبات التي تواجههم في يخص إجراءات الدفن، ولماذا يرغب بعض السوريين بالدفن في سوريا.

إخراج الرفاة بطريقة إخراج المستأجر

محمد كاظم هنداوي، مدير المنظمة العربية الأوروبية لحقوق الإنسان، يقيم في ألمانيا. يستهل حديثه عن هذا الأمر قائلا: عندما نتحدث عن وفاة أي شخص في المرتبة الأولى يجب إبلاغ السفارة السورية (بغض النظر عن الموقف السياسي) باعتبار السفارة هي الممثل القانوني للسوريين، وذلك لأجل تقييد وفاة هذا الشخص في سوريا.

وفي المرتبة الثانية يتم التواصل مع الجمعيات الإسلامية في ألمانيا لتأمين مكان في المدافن الإسلامية، والتي في معظمها مقابر بعيدة عن المدن وفي مناطق يصعب زيارتها.

وإلى جانب هذه المعاناة الكبيرة في إيجاد قبر، يشير هنداوي إلى أن القبر يتم استئجاره لمدة تتراوح بين 5 و 10 سنوات، وبعد انتهاء المدة المحددة، وفي حال يتم تجديد “عقد الإيجار”، فإن البلدية تقوم بإخراج رفاة الميت، تماما بنفس الطريقة التي يتم فيها إخراج المستأجر الحي من منزل يسكن فيه.

ويقول هنداوي أنه وبعد وفاة أي شخص، يمنح ذوه مدة زمنية ليتم دفع الرسوم وإتمام إجراءات الدفن، وإلا فإن الجثمان يحرق، ولهذا السبب تتدخل الجمعيات، أو يقوم السوريين بالتكافل فيما بينهم لتغطية نفقات الدفن. لكن هذا الجهد يبقى فرديا وغير منظم، ولهذا تتعثر في بعض الأحيان عملية جمع كامل مصاريف الدفن.

وينوه هنداوي إلى أن كلفة الوفاة ورسوم الدفن تختلف من منطقة إلى أخرى في ألمانيا، وقد تصل في بعض المناطق إلى 8 آلاف يورو، وهذا ما يجعل السوري عاجزا عن تحمل كامل النفقات بمفرده، مع الإشارة إلى أن مركز “السوسيال” يمنح مساعدة لمصاريف الدفن، واستئجار القبر لمرة واحدة في حال كان المتوفي ليس لديه أي عمل أو دخل.

أما بخصوص كلفة نقل الجثمان إلى سوريا فقد تصل إلى 4 آلاف يورو، وهو بحسب هنداوي أفضل من الناحية النظرية، لكن الإجراءات ليست بالأمر السهل أيضا، كما إن التكاليف تبقى مرتفعة نوعا ما، لاسيما أن تكافل السوريين محدود، والطرق التي يتم بها ربما تبقى قاصرة، وهكذا يدفع المتوفى ثمن هذا التباعد بين السوريين والحواجز التي ما تزال قائمة بين فئات عديدة منهم.

تكاليف مرتفعة

قبل عام 2011 كان القانون يلزم السفارة السورية بتحمل جميع مصاريف نقل جثمان السوري المتوفى خارج البلاد، إذا لم يكن لدى أهله رغبة في دفنه حيث مات، أما اليوم فإن تكاليف نقل الجثمان إلى سوريا تقع على عاتق أهل الفقيد.
وإذا كانت عملية الدفن في ألمانيا مشوبة بصعوبات وعقبات عدة، فإن دفن السوري في فرنسا ليس أسهل، فالحصول على قبر ضمن المساحات المخصصة للمسلمين في المقابر الفرنسية أمر معقد، وعندما لا يتوفر هذا القبر في إحدى المدن الفرنسية، فإن أهل الفقيد يضطرون إلى دفن الميت في أماكن بعيدة، بعد دفع تكاليف الدفن التي تتراوح بين 1300 و5000 يورو.

وهنا يُذكر الباحث الاقتصادي، يونس الكريم، أن العديد من اللاجئين السوريين وصلوا إلى مناطق وقرى فرنسية قد لا يوجد فيها عدد كبير من السكان، وبالتالي فإن إجراءات الدفن، والحصول على قبر في مقبرة إسلامية، تحمل في طياتها عقبات عديدة.

أما إذا رغب أهل المتوفى بدفنه في سوريا، فإن الأمر لا تقل عقباته عن عقبات التكاليف والإجراءات الواجب اتباعها في حالة دفنه بفرنسا.

الكريم أوضح في حديثه لـ”الحل نت” أن إجراءات الدفن والعزاء في فرنسا تكلف مبلغا ضخما جدا، علاوة على إجراءات إدارية ليس لكثير من ذوي المتوفين على علم أو معرفة بكاملها.

ويضرب الكريم على ذلك مثلا بقوله، إن إجهاض المرأة الحامل لجنينها في عمر 4 شهور وما فوق، يوجب على الأهل تحمل رسوم نفقات الدفن كاملة مثل أي شخص طبيعي بالغ، وهذه النفقات قد تصل إلى 3 آلاف يورو، وقد لا يعلم بهذا التفصيل كثير من السوريين اللاجئين أو القادمين إلى فرنسا حديثا.

التأمينات

وعادة ما يتم التغلب على الصعوبات والنفقات الكبيرة المترتبة عن الوفاة ببعض الطرق، منها بحسب الكريم، التأمين على الحياة حيث يستفيد منه أهل الفقيد بشكل أكبر، فمثلا يدفع 16 يورو كل 3 شهور وبحال الوفاة يتم تعويض الورثة حتى 25 ألف يورو على مدى 10 شهور، وقد يساهم بنقل الجثمان إلى سوريا، يضاف إليه التأمين على الوفاة، وهو أمر يختلف وفق طبيعة العقد، إلا أن تعويضه بسيط وقد لا يكفي في بعض الحالات لتغطية مصاريف الدفن.

ويؤكد الكريم أن البلديات لا تتحمل النفقات وإنما تقدم في بعض الأحيان القبور المفتوحة -الجماعية-، فالميزانية المتاحة في المكتب المعني بالدفن تعتبر ضئيلة جدا، أما الإجراءات فهي طويلة قد تستغرق 10 أيام، لأن الآلية تتطلب أن تبدأ إجراءات الدفن من المشفى، ويتم تدخل شركة دفن حصرا، كما يجب شراء صندوق (تابوت) وهذا الإجراء بحاجة إلى مبلغ كبير.

ويختم الكريم منوها بإنشاء بعض الجمعيات من قبل “السوريين القدامى”، حيث تقوم بالمساهمة في الأعباء إضافة إلى المساعدة في عملية نقل المتوفى إلى سوريا (حال الرغبة)، لكن التكاليف بالمجمل مرتفعة، فضلا عن قضية استئجار القبر لمدة 15 أو 30 عاما، لا بل إن مواصفات حفرة القبر وعمقها لها رسوم متفاوتة أيضا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.