الاستثمارات الصينية في سوريا: هل ستقنع حكومة دمشق الصين بتجاوز العقوبات الأميركية؟

الاستثمارات الصينية في سوريا: هل ستقنع حكومة دمشق الصين بتجاوز العقوبات الأميركية؟

بات تطوير الاستثمارات الصينية في سوريا واحداً من أهم مساعي حكومة دمشق، التي تسعى للفت أنظار الصين إلى سوقها المحلية. على أمل دفعها للدخول لاعباً جديداً في المعادلة السورية.

وفي ظل التدهور الاقتصادي، الذي يسود سوريا، تسعى حكومة دمشق لتوفير بدائل عن الحليفين التقليديين، روسيا وإيران. ولا يوجد أفضل من الصين، باقتصادها الضخم ووزنها على الصعيد الدولي، لأداء هذا الدور.

وعلى الرغم من تقاطع مساعي الحكومة السورية مع استراتيجية بكين، الساعية إلى التوسّع اقتصادياً في المنطقة. إلا أن الحسابات الصينية في الملف السوري مازالت متعلّقة على ما يبدو بالعقوبات الأميركية  المفروضة على سوريا (قانون قيصر)، ما يحول دون تطوير الاستثمارات الصينية في سوريا، والدخول في مشاريع كبيرة.

وإلى جانب العقوبات الأمريكية تدرك بكين أن روسيا باتت المتحكّم بالدولة السورية، وأن الاستثمارات الصينية في سوريا لا بد أن تكون مشروطة بموافقة موسكو. وهو ما ترفضه الصين.

مجموعة “قاطرجي” والاستثمارات الصينية

وأمام فشل دمشق بإقناع حكومة بكين بتطوير الاستثمارات الصينية في سوريا، تحاول الاستعانة بالشركات الصينية الخاصة. وهو ما ظهر واضحاً في العقد، الذي وقعته مجموعة “قاطرجي القابضة” مع شركة صينية خاصة، لبناء معمل لتصنيع الآليات الثقيلة في سوريا.

وأوضحت مصادر إعلامية مقرّبة من حكومة دمشق أن مجموعة “القاطرجي القابضة”، المملوكة لـ”حسام قاطرجي”، رجل الأعمال الصاعد، وعضو مجلس الشعب السوري، وقّعت قبل أيام، خلال مشاركتها في معرض “إكسبو دبي”، عقداً مع شركة صينية لإنشاء أكبر معمل على مستوى الشرق الأوسط لتصنيع وتجميع الآليات الثقيلة. بما فيها حافلات السفر والنقل الداخلي والشاحنات والفانات والميكروباصات. 

ولم تكشف المصادر عن اسم الشركة الصينية، وهو ما يمكن تفسيره بالمخاوف من العقوبات الأميركية، وتأثيرها على الاستثمارات الصينية في سوريا. واكتفت بالقول، نقلاً عن ممثل الشركة الصينية، إن «المعمل سيغرق السوق المحلية، والأسواق المجاورة (الأردن، العراق، لبنان) بالآليات. إضافة إلى التصدير إلى بقية الدول العربية والإفريقية».

وأضاف الممثل، حسب المصادر ذاتها، أن شركته «تفاجأت من الإمكانيات الضخمة الموجودة في سوريا رغم الحصار. خاصة على مستوى الصناعات الثقيلة». مضيفاً: «الدولة السورية تقدّم تسهيلات، آخرها قانون الاستثمار الذي صدر مؤخراً. وستكون هناك إمكانية للمنافسة، مع وجود الأيدي العاملة الخبيرة، وانخفاض أجور النقل وتكاليف الإنتاج».

وسبق ذلك بأيام توقيع الحكومة السورية على مذكرة تفاهم مع الصين، في إطار “مبادرة الحزام والطريق“. ويطرح كل هذا تساؤلات عما إذا كانت هذه التحركات تؤذن بتطوير الاستثمارات الصينية في سوريا. ودخول الصين إلى السوق السورية.

هل تمتلك بكين حوافز لتطوير استثماراتها في سوريا؟

“د.رامي بدوي”، الباحث والأستاذ في “جامعة العلوم والتكنولوجيا” بمدينة “نانجينغ” الصينية، يقول، في إفادته لـ«الحل نت»، إن «الصين، شأنها شأن كل دول العالم، تتطلّع إلى الدخول في أسواق جديدة والحصول على استثمارات جيدة. لكن في الحالة السورية ما زالت الظروف السياسية غير مستقرة. وما زال تطوير الاستثمارات الصينية في سوريا يتطلّب حلولاً لم تتحقق بعد».

ويضيف أن «الصين قدّمت لسوريا، على امتداد العقد الأخير، بعض المساعدات الاقتصادية والطبية والإنسانية. لكن لم تقم بخطوات كبيرة على صعيد الاستثمار. لأنها ترى أن الاستثمار في سوريا ينطوي على نسبة مخاطرة عالية».

وبحسب “بدوي” فإن «الصين ما زالت غير مستعدة للاستثمار الاستراتيجي في سوريا ضمن الظروف الحالية. لكن ما سبق لا يعني إلغاء احتمالية دخول بعض الشركات الصينية الخاصة إلى سوق الاستثمارات السورية. غير أن السؤال الأهم، هل سيحقق هذا الاستثمار مداخيل ربحية؟ وهل سيتم في بيئة آمنة؟».

ويتابع الباحث بالقول: «سوريا تعاني من ضعف القدرة الشرائية لمواطنيها. وعدم توفّر الخدمات ومستلزمات الإنتاج. والأهم أن هناك عقوبات أميركية. وكل هذا لا يعطي حوافز لتطوير الاستثمارات الصينية في سوريا».

وكانت حكومة دمشق قد أعلنت قبل أيام عن فشل التعاقد مع الصين على تنفيذ مشروع “مترو دمشق”، بسبب الحسابات الاقتصادية الصينية، والمخاوف من العقوبات، وافتقار السوق السورية إلى عوامل الجذب الاستثماري.

وقال “حسام الدين سفور”، مدير الأملاك في محافظة دمشق، إن «سعر التذكرة المقترح لا يتناسب مع مستوى دخل السوريين. إذ وقفت أسعار تذاكر المشروع، الذي جرى بحث إعادة تنفيذه مع وفود صينية وإيرانية، عائقاً أمام تنفيذه». مضيفاً: «قدمنا العروض، وتلقينا دراسات وعروضاً من تلك الوفود، لكن لم يتم التوصل لاتفاق. لأن المشروع مكلف اقتصادياً، والشركات لا تقدم عليه».

السوق السوري غير مجدٍ للاستثمارات الصينية

وفي سياق الحديث عن الاستثمارات الصينية في سوريا، والعقد الأخير الذي وقعته “القاطرجي القابضة” مع شركة صينية، يشكك “د.أسامة قاضي”، رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، في إمكانية تنفيذ هذا العقد. شأنه شأن مذكرات التفاهم الكثيرة، التي وقعتها دمشق مع الصين، على مدار السنوات العشر الأخيرة.

وفي حديثه لـ«الحل نت» يرى “قاضي” أن «العقوبات الأميركية أغلقت المجال أمام بكين لتطوير الاستثمارات الصينية في سوريا».

ويتابع أن «الاستثمار في سوريا غير مجدٍ. ولا يعني تحقيق كثير من الأرباح. كي يدفع الصين إلى التغاضي عن العقوبات الأميركية»، مؤكداً: «لن تعرّض الصين مصلحتها للخطر من أجل سوق ضعيفة مثل السوق السورية».

وبناء على هذا يعتقد “قاضي” أن «الحديث عن عقد كبير مع شركة صينية لا يخرج عن إطار الدعايات، التي تروّجها حكومة دمشق». مبيناً أن «هناك كثير من مذكرات التفاهم الاقتصادي، التي وقعتها دمشق مع حليفيها روسيا وإيران، ومع ذلك لم تر النور. وسينطبق الأمر نفسه على كل التفاهمات بخصوص الاستثمارات الصينية في سوريا».

مختتماً حديثه بالقول: «كل ما يجري للآن هو أن روسيا وإيران تسيطران على الاستثمارات السورية، من دون تفعيلها. بالنظر إلى ضعف اقتصاديات هاتين الدولتين، وعدم قدرتهما على ضخ الأموال في السوق السورية».

مقالات قد تهمك: كيف تستغل الصين النفوذ الاقتصادي للهيمنة السياسية؟

ويجمع كثير من المحللين على أنه من الواضح حتى الآن أن حكومة دمشق تتعاطى بمبالغة مع الاستثمارات الصينية في سوريا، ودخول الصين إلى السوق السورية. لكن على أرض الواقع يبدو أن بكين ما زالت تنتظر الحل السياسي، الذي من شأنه فتح المجال أمام الاستثمارات. وتدفّق الأموال إلى سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.