تعليم الأطفال السوريين بالأردن: هل يمكن وقف تسرّب أطفال اللاجئين من المدارس؟

تعليم الأطفال السوريين بالأردن: هل يمكن وقف تسرّب أطفال اللاجئين من المدارس؟

يعاني تعليم الأطفال السوريين بالأردن من مشاكل كثيرة. إذ يتسرّب مئات الأطفال اللاجئين من المدارس الأردنية. لأسباب متعددة. أبرزها الفقر. واضطرار كثير من الصغار للعمل لمساعدة عائلاتهم. وصعوبات التعلّم التي يواجهونها، والتي تزداد حدتها مع وصولهم إلى المرحلة الثانوية.

ورغم دعم منظمة اليونيسيف لمسألة تعليم الأطفال السوريين في الأردن. وتشجيعها للأهالي مالياً، لمنع تسرّب الأطفال من المدارس. ما يزال يوجد ما مجموعه مئة وخمسة عشر  ألف طفلاً غير ملتحقين بالمدارس في الأردن. أي حوالي 6.2% من كافة الأطفال في البلاد. فيما تظهر البيانات أن معظم الأطفال غير الملتحقين بالتعليم هم من غير الأردنيين. بما في ذلك خمسين ألف طفل سوري. كما تفيد البيانات بأن الفتيان أكثر عرضة للتسرّب المدرسي من الفتيات. 

موقع «الحل نت» عمل على استقصاء هذه الظاهرة، للوقوف على أبعادها وأهم أسبابها.

لماذا ينقطع تعليم الأطفال السوريين بالأردن؟

الطفل “عدي نيوف”، يخرج يومياً مع أهله إلى مزرعة تبعد عن منزلهم، في محافظة “المفرق” الأردنية، حوالي ثلاثين كيلومتراً. حيث يعمل أبوه وأمه وثلاثة من أخوته.  

و”عدي” نموذج عن المتسربين من المدارس الأردنية. ولمشاكل تعليم الأطفال السوريين بالأردن عموماً. فهو لم يرتد أي مدرسة في حياته، رغم بلوغه السابعة من العمر. ويقول لموقع «الحل نت»: «بشوف رفقاتي يروحوا عالمدرسة. بس أنا بطلع مع أهلي مشان نشتغل بالمزرعة. وبابا بحكيلي بس يصير عنا وقت بدرسك. بس نحنا بنرجع من الشغل تعبانين».

توجهنا بالسؤال للأب، عن سبب عدم إرسال ابنه إلى المدرسة،  فأجاب: «أنا لست مجرماً. أتمنى أن أرسل ابني إلى المدرسة. ولكني لا استطيع. لن يكون له مكان بعد عودته من المدرسة. فأنا وأمه وأخوته نبقى في المزرعة حتى غروب الشمس».

المعضلة التي سردها والد “عدي” تعاني منها عشرات العائلات السورية خارج مخيمات اللاجئين، وهي لا تعد بحد ذاتها العائق الوحيد. فالسبب الأساسي هو انقطاع الدعم الغذائي، الذي كانت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تقدمه شهرياً. ما زاد من مشاكل تعليم الأطفال السوريين بالأردن.

إذ فقد ما يقرب من مئتي ألف لاجئ سوري في الأردن إمكانية الحصول على الدعم الغذائي، بعد شهر أيار/مايو 2021. إضافة لانقطاع برامج إنسانية هامة أخرى. بسبب فجوات التمويل الخطيرة. فوفقاً لوزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية تم تأمين 1.6% فقط من مبلغ 2.4 مليار دولار، المطلوب لتنفيذ خطة الاستجابة  لأزمة اللاجئين السوريين في الأردن (JRP).

لا أرقام فعلية لدى الدولة الأردنية حول مشاكل تعليم الأطفال السوريين

بالتواصل مع “د.أحمد المساعفة”، الناطق الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم الأردنية، تبيّن أنه لا توجد «إحصائيات رسمية لدى الوزارة حول مشاكل تعليم الأطفال السوريين بالأردن. والعدد الفعلي للأطفال اللاجئين المتسربين من المدارس».

وأشار “المساعفة”، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «الوزارة تعمل على ثلاثة برامج، من أجل إعادة دمج الأطفال اللاجئين بالمدارس. وتطلق سنوياً خطة الاستجابة لحاجات الأطفال خارج المدرسة. إذ يوجد في وزارة التربية الأردنية قسم للتعليم غير الرسمي. يقدم خدمات متعددة. مثل مكافحة التسرّب. وإعادة الدمج، ومحو الأمية، والتعليم المنزلي. ويتم تقديم هذه البرامج بدعم من المانحين، وتهدف إلى دعم الانتقال إلى التعليم الرسمي».

وتوضح الأرقام الرسمية الصادرة من الحكومة الأردنية أن 3200 طفل سوري و3000 طفل أردني خضعوا لبرامج التسرّب. وقد طالب الأردن، في ورقة رسمية، مقدمة للدول المانحة وللأمم المتحدة لدعم تعليم الأطفال السوريين بالأردن، بتنفيذ خطة الاستجابة الأردنية للاجئين السوريين، بمبلغ 562,215,332 دولار من أجل التعليم. توزعت على الشكل التالي:  202,060,332 دولار لعام 2020، و180,315,000 دولار لعام 2021، و179,840,000 دولار لعام 2022. في حين أن إجمالي عدد الطلاب خلال العام الجاري 2022 هو 143,938 طالب، والكلفة المقدّرة لكل طالب هي  1251 دولار أميركي.

وأوضحت الورقة أن «تكلفة الطالب السوري في المتوسط تزيد بنسبة 15% عن الطالب الأردني. بسبب ضرورة توفير تكاليف التعليم له بشكل مضاعف، والتحولات في المخيمات». مؤكدة أن «ضرورة إعادة تأهيل البنية التحتية للمدارس وصيانتها سيكون ضرورياً أكثر من مرة». في حين اعتبر لاجئون كثر أن تكرار طلب الصيانة في الخطة لأعوام عديدة غير منطقي. فالصيانة وإعادة التأهيل تتم لمرة واحدة. وليس في كل عام.

وأوضحت الورقة المقدّمة من عمّان أن عدد الأطفال السوريين اللاجئين في المدارس الحكومية الأردنية ارتفع من 134121 طالباً للعام الدراسي 2018-2019 إلى 136،437 طالباً للعام الدراسي 2019-2020. ما يشير إلى تقدم في تعليم الأطفال السوريين بالأردن.

عدم حماس اللاجئين السوريين لبرامج التعليم

رغم هذا يواجه تعليم الأطفال السوريين بالأردن نقاط ضعف متعددة الأبعاد. فوفقًا لدراسة السكان لعام 2019، الخاصة بمؤسسة  (VAF) التابعة للأمم المتحدة، تم تصنيف 19% من الأطفال السوريين على أنهم معرّضون بشدة للتوقف عن الدراسة والتسرّب. 

وفيما يتعلق بالتفاوتات الجغرافية فإن الأطفال في محافظة “المفرق” والمنطقة الوسطى في الأردن هم الأكثر عرضة للعوامل المعيقة للذهاب إلى المدرسة. فقد وجدت الدراسة أن 25% منهم واجهوا صعوبات في المدارس. مثل القيود المالية، وبعد المسافة، والعنف، وعدم كفاية المرافق للأطفال ذوي الإعاقة.

“لينا الزعبي”، الباحثة في شؤون اللاجئين السوريين، تحدثت لـ«الحل نت» عن مشاكل تعليم الأطفال السوريين بالأردن. مؤكدةّ أنها «خلال مشاركتها في إحدى المبادرات، التي ترعاها مفوضية اللاجئين والحكومة الأردنية من أجل مكافحة التسرّب، لاحظت عدم استجابة عدد من العوائل السورية للانضمام إلى المبادرة».

وأوضحت أن «السبب الرئيسي، الذي كان يمنع الأهالي من إرسال أبنائهم إلى مراكز المبادرة، هو التكلفة المالية التي لا تغطيها مثل هذه المبادرات. والأمر الأخر هو  عدم شعورهم بالأمان لإرسال الأطفال وحدهم إلى مراكز وسط شوارع المدينة، غير مؤهلة ببيئة آمنة مثل التي توفرها المدارس».

برامج تعليم الأطفال السوريين بالأردن لا تخضع للمتابعة

وعن بعض أسباب ظاهرة التسرّب المدرسي داخل مخيمات اللاجئين السوريين قالت إحدى الموظفات في مفوضية اللاجئين،  فضّلت عدم ذكر اسمها بسبب شروط العقد المبرم مع المفوضية، الذي لا يخولها الحديث مع وسائل الإعلام باسمها الشخصي، إن «انقطاع الطلبة عن مدارسهم في سوريا فجأة ساهم بازدياد مشاكل تعليم السوريين بالأردن. فوجودهم ببيئة مدرسية جديدة، لم يعتادوا عليها. وعيشهم بالمخيمات، وعدم تقبّلهم للدراسة مع طلاب أصغر منهم سناً. إضافة للتعرّض للعنف في المدارس، من بعض المعلمين أو الزملاء. جعلهم يبتعدون عن الدراسة».

وأشارت، في حديثها لـ«الحل نت»، إلى أن أحد أسباب التسرّب قد يكون «خوف الأهل على بناتهم. في ظل وجودهن في بيئة جديدة. ودفعهن للزواج المبكر».

مضيفةً أن «منظمات دولية تعنى بدعم تعليم الأطفال السوريين بالأردن، حاولت حل قضية الطلبة المتسربين، من خلال برنامج تعزيزية. تستهدف الطلبة الذين انقطعوا عن الدراسة مدة تزيد عن ثلاث سنوات. أو الذين لا تنطبق عليهم شروط الدراسة النظامية بالمدارس. كما تستهدف اليافعين والشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاثة عشر وثمانية عشر عاماً للذكور. ومن ثلاثة عشر إلى عشرين عاماً للإناث. و يلتحق هؤلاء الشباب ببرنامج تعليمي يتكوّن من ثلاث حلقات. مدة كل منها ثمانية أشهر. ويستخدم مسيرو هذا البرنامج مناهج وكتب وزارة التربية والتعليم الأردنية. ويحصل الطلبة الملتحقون به على وثيقة رسمية. مصدّقة من وزارة التربية والتعليم الأردنية. تعادل الصف العاشر الأساسي. إلا إنها لا تمكّنهم من مواصلة تعليمهم بالمدارس النظامية. إلا في حال كانت أعمارهم تسمح لهم بالعودة».

وبيّنت أنه «لا توجد متابعة حقيقة من قبل المنظمات لتعليم الطلاب من خلال الدراسة المنزلية. أو الالتحاق ببرامج التدريب المهني، بعد إكمال البرنامج. وخصوصاً في مخيم “الزعتري”، الذي يعد أكبر مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن، ويقطنه مئة وخمسون ألف لاجئ. لسبب وجيه هو أن وزارة التربية والتعليم الأردنية لا تدعم التعليم المنزلي داخل المخيم». وكل هذا يضعف من فعالية تعليم الأطفال السوريين بالأردن.

توصيات لحل المشكلة

منظمة “هيومن رايتس ووتش” وثّقت، في تقريرها الصادر في حزيران/يونيو 2020، الأسباب الرئيسية لانخفاض معدلات التحاق اللاجئين السوريين بالمدارس الأردنية بشكل متزايد، وهي «الفقر، ونقص وسائل النقل الميسورة التكلفة والآمنة، وتدني جودة التعليم في المدارس للأطفال السوريين، وانخفاض قيمة تعليم الأطفال السوريين بالأردن بشكل مستمر نظراً لمحدودية فرصهم المهنية في البلاد. والعوائق الإدارية أمام الالتحاق. ونقص التسهيلات للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة».

وأوضح التقرير أن «80% من اللاجئين السوريين في الأردن يعيشون في فقر. و 2% فقط منهم لديهم مدخرات. وجميعهم تقريباً يعانون من الديون. وتعتمد معظم العائلات السورية في الأردن على الدعم المالي من الوكالات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. لكن المبالغ التي يتلقونها قد تم قطعها أو خفضها بشكل كبير في السنوات الأخيرة».

وفي مواجهة مشاكل تعليم الأطفال السوريين بالأردن أوصت المنظمة بـ«الاستمرار في توسيع نطاق برنامج التعليم غير الرسمي “المتسرب”.  والذي يصل حالياً إلى جزء صغير فقط من الأطفال، الذين كانوا خارج المدرسة. لضمان حصولهم على برامج التعليم العلاجي، واستمرارهم في التعليم. إضافة إلى رفع الحظر المفروض على الأطفال، الذين أكملوا برنامج “التسرب”. وتمكينهم من الالتحاق بالمدارس الفعلية إذا اختاروا ذلك. مع الاستمرار في السماح لهم بخيار الدراسة في المنزل، للتقدّم لامتحانات المرحلة الثانوية».

مقالات قد تهمك: اللاجئون السوريون والعودةُ المستحيلة.. كيف تستغلهم دول المَهْجَر؟

ويستضيف الأردن، الذي يبلغ عدد سكانه 6.6 مليون مواطن و2.9 مليون غير أردني، 660 ألف سوري، مسجلين رسمياً لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وما يصل إلى 1.3 مليون سوري إجمالاً، بناءً على تقديرات تعداد عام 2022.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.