دائما ما يكون تطبيق عملة جديدة في بلد ما أمر مثير للجدل، بسبب ما يحتويه من المزايا والعيوب. فالعملة الجديدة لها تأثيرات مختلفة على الشركات والأفراد، ما يخلق المزيد من وجهات النظر حول فائدة اتحادات العملات، ونتيجة لذلك، غالبا ما تعاني المؤسسات الحكومية عندما تحاول تطبيق عملة جديدة بعد الدخول في اتحاد نقدي، لاسيما في دول مثل سوريا ولبنان، العملة المحلية فيها متراجعة، والوضع الاقتصادي متدهور.

معرض الحديث عن عملة جديدة بين سوريا ولبنان، جاء بعد دعوة صحيفة “الأخبار” اللبنانية المقربة من “حزب الله” اللبناني حليف الحكومة السورية، إلى توحيد العملتين السورية واللبنانية، مستشهدة بمدى ارتباط اقتصادات البلدين سلبا وإيجابا، وزعمت أن هذا الاقتراح هو أفضل طريقة لتحقيق ذلك لإخراج البلدين من أزمتهما الاقتصادية.

توحيد الانهيار

وبحسب الصحيفة، فإنه وبعد فحص جميع التداعيات والصدمات التي يواجهها الاقتصاد اللبناني والسوري تم الكشف عن روابط قوية بين البلدين، تمكن من النظر في إمكانية وجود عملة مشتركة. فرغم جميع الشوائب التي أصابت الليرة السورية إلا أن الشعب السوري لم يتخل بعد كليا عن عملته الوطنية، إذ إن سوريا قادرة على إعادة إحياء إنتاجها الزراعي والصناعي الذي سيساعدها في ضمان نقدها.

https://twitter.com/TheSyrianTweet/status/1490702810077401090?s=20&t=uo_vm2woM28PSbe8t_SAwQ

وردا على من يخشى أن يؤدي توحيد العملة اللبنانية والسورية إلى تعريض السيادة الوطنية للبلاد للخطر، ذكرت الصحيفة أنه “في الحالة اللبنانية، لا يمكن الحديث عن سيادة العملة الوطنية بالدرجة الأولى، لأن الدولة تعتمد على المعاملات التجارية بالدولار، وقد تخلى المواطنون بالفعل عن عملتهم منذ بداية الأزمة”. 

وتعليقا على ذلك، قال المحلل الاقتصادي، فراس شعبو، لـ”الحل نت”، إن المشكلة في سوريا ولبنان أنهما اقتصاد واحد في بلدين مختلفين، فهو  اقتصاد مشترك ومتداخل لا يمكن فصلهما، ولكن جدوى طرح عملة موحدة وحتى إن كانت رقمية تخضع لعدة معايير وأهمها الثقة”.

ويشير شعبو، إلى أن الثقة بالعملة الأساسية سواء في الليرة السورية أو اللبنانية معدوم أو ضمن الحد الأدنى. فالاقتصاد في كلا البلدين منهار ومتفكك تماما، والاقتصاد اللبناني على شفا الإفلاس. مضيفا، “اليوم طرح هكذا موضوع صعب، يحتاج إلى تدخلات مالية معقدة نوعا ما، من حيث الاحتياطيات والناتج المحلي الإجمالي من حيث عدد السكان”.

ويعتقد شعبو، أن العملة الجديدة وإن أقرت لن تلقى رواجا بسبب عدم الثقة بمصدر للعملة، إذ أنه “من المعروف أن مصدر العملة لهاتين الدولتين هو ضعيف، بلا قوة إنتاجية أو إرادية، كما أنه ليس قوة ضامنة للأموال. فعلى سبيل المثال المودعين اليوم في لبنان لا يستطيعون سحب ودائعهم”. 

وتوقع شعبو، أن تكون الفائدة المرجوة لهذا الطرح، هو من قبل بعض المسؤولين في البلدين، “الذين يستخدمون العملات الرقمية في عمليات غسيل الأموال، وعمليات التحويل المشبوهة في عمليات دعم الإرهاب، إذ يستخدمونها حاليا بشكل كبير بين المحافظ دون المرور في القنوات الرقابية الدولية”.

للقراءة أو الاستماع: مهور الزواج في سوريا بالليرة الذهبية بعد تدهور الليرة السورية

الليرة الصحفية

في حين يقول الباحث والمحلل الاقتصادي، رضوان الدبس، أنه “لا بد من اليقين حول موضوع إطلاق عملة مشتركة، فهل المقصود أن يتجه البلدان إلى إصدار عملة جديدة التخلي عن الليرة السورية والليرة اللبنانية، ويطلق عملة باسم جديد وتركيب جديد”. 

ويعتبر الدبس، في حديثه لـ”الحل نت”، أن الطرح إذا كان بهذا المستوى فهو ضخم جدا وكلفته المادية والاقتصادية عالية جدا، ويحتاج إلى ترتيبات عميقة وقوية، “هذا ما لا يقوى عليه الاقتصادين اللبناني والسوري، إذ لديهما عجز في الميزانية، وهما غير مهيئين لذلك”.

وأما إذا كان الطرح عن اعتماد إحدى عملتي البلدين، بحيث يعتمد اللبنانيون على الليرة السورية كون حاليا هي الاقتصاد الأقوى مقارنة ببيروت التي تخلى أهلها عن الليرة، واستعاضوا عنها بالدولار، فذلك لا يمكن التوافق عليه كون الطرح جاء من جهة واحدة قريبة من “حزب الله” اللبناني”.

وبرأي الدبس، أن الخيار الثاني لا يرى له سبيلا للنجاح، كون أن اللبنانيين معتمدين على تعاملاتهم بالدولار الأميركي، وهم غالبا سيتخلون عن الليرة السورية كما فعلوا باللبنانية، “بالعموم فإن هذا الطرح لا يتعدى كونه صحفيا لا يرتكز على أسس علمية اقتصادية”.

للقراءة أو الاستماع: هبوط حاد قريب لـ الليرة السورية.. فما هي الأسباب؟

ماذا يعني التوحيد النقدي؟

اتحاد العملة والمعروف أيضا باسم الاتحاد النقدي، هو اتفاقية حكومية دولية تضم دولتين، أو أكثر. تشتركان في نفس العملة، ولا يجب أن يكون لهذه الدول بالضرورة أي تكامل إضافي، مثل الاتحاد الاقتصادي والنقدي. بالإضافة إلى ذلك، اتحاد جمركي وسوق واحدة.

وهناك ثلاثة أنواع من اتحادات العملات، غير رسمي كاعتماد عملة أجنبية من جانب واحد. ورسمي  كاعتماد العملة الأجنبية بموجب اتفاق ثنائي، أو متعدد الأطراف مع السلطة النقدية. يُستكمل أحيانا بإصدار العملة المحلية، في نظام ربط العملة.

أما الثالث، فهو رسمي مع سياسة مشتركة، عبر وضع العديد من البلدان لسياسة نقدية وسلطة نقدية مشتركة لعملتهم المشتركة.

ومن حيث التقارب فمن الأسهل تشكيل اتحاد نقدي، للدول ذات التقارب الأكبر في التضخم ونمو الاقتصاد. لأن هذه البلدان لديها نفس الأهداف، أو على الأقل متشابهة للغاية. ويعتبر الاتحاد النقدي الأوروبي نموذجا معاصرا لتشكيل اتحادات العملات. 

وتتطلب العضوية في الاتحاد النقدي الأوروبي أن تتبع البلدان مجموعة محددة بدقة من المعايير. إذ يتعين على الدول الأعضاء أن يكون لديها معدل محدد للتضخم، والعجز الحكومي والدين الحكومي. وأسعار الفائدة طويلة الأجل وسعر الصرف.

أما الاختلاف هو عكس التقارب تماما، فمن الصعب للغاية دمج البلدان، ذات الأهداف المختلفة في اتحاد عملة واحدة. حيث سيكون سلوكهم الاقتصادي مختلف تماما، مما قد يؤدي إلى خلافات. وبالتالي فإن الاختلاف ليس هو الأمثل لتكوين اتحاد عملات.

للقراءة أو الاستماع: بأدنى مستوى تاريخي لها.. الليرة اللبنانية تهوي مقابل الدولار

كيف باتت الليرتين السورية واللبنانية

سجل سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية خلال تداولات اليوم الثلاثاء، ارتفاعا جزئيا في عموم المحافظات السورية على حد سواء. حيث ارتفع سعر صرف الدولار في دمشق، بمقدار 5 ليرات واستقر عند سعر شراء 3600. وسعر مبيع يبلغ 3635 ليرة للدولار الواحد. بمدى يومي بين 3630 و 3635 ليرة.

أما في مدينة إدلب، ووفقا لموقع “الليرة اليوم” المحلي، فقد ارتفع سعر صرف الدولار بمقدار 5 ليرات عن آخر إغلاق (أي بنسبة تقارب 0.14 بالمئة). واستقر عند سعر شراء يبلغ 3655، وسعر مبيع يبلغ 3695 ليرة سورية للدولار الواحد. بمدى يومي بين 3690 و 3695 ليرة.

وفي لبنان، انخفض سعر الدولار اليوم الثلاثاء، أمام العملة المحلية الليرة في مطلع التعاملات الصباحية، بالسوق السوداء غير الرسمية وعند الصرافين. فبلغ السعر للشراء إلى 21 ألفا و250 ليرة. في حين وصل سعر البيع إلى 21 ألفا و150 ليرة فقط لكل دولار أميركي واحد.

كما أعلن مصرف لبنان المركزي، سعر صرف جديدا للسحب من الودائع الدولارية بالليرة اللبنانية عند 8000 ليرة للدولار.

الجدير ذكره، أن أسعار الدولار شهدت ارتفاعا غير مسبوق في السوق السوداء غير الرسمية في لبنان، في كانون الثاني/يناير الماضي. إذ وصل سعر الشراء إلى 30000 ليرة لكل دولار، في حين وصل سعر البيع إلى 30100 ليرة لكل دولار. ليكسر الدولار حاجز الـ30 ألف ليرة أول مرة في تاريخ البلاد.

للقراءة أو الاستماع: راتب السفير اللبناني في سوريا يثير موجة من الغضب

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.