نظام الفوترة في سوريا.. إعادة تشكيل الطبقة التجارية؟

نظام الفوترة في سوريا.. إعادة تشكيل الطبقة التجارية؟

تسعى حكومة دمشق من خلال تطبيق نظام الفوترة، لزيادة التحصيل الضريبي، ورفع حصة الدولة من الضرائب على حساب المنتج والمستهلك. يرى مراقبون أن البلد غير مهيأة للعمل بهذا النظام، نظرا لصعوبات الاستيراد والإنتاج، وعدم استقرار سعر صرف العملة، ما سيدفع وزارة التموين لتبديل الأسعار خلال فترات قريبة، وهو أمر غير ممكن، وقد يدفع البعض للخروج من الإنتاج بشكل نهائي.

تفيد تصريحات وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عمرو سالم، أن نظام الفوترة سيبصر النور قريبا. بحيث “يخدم ويحمي كل الأطراف (الصناعي – المواطن – خزينة الدولة)” على حد قوله.

وبحسب وسائل إعلام محلية، فإن سياسة التسعير الجديدة التي اتبعتها الوزارة تنصف الجميع لأنها تقوم على بيانات الكلف الحقيقية، كما أن الوزارة بصدد إنشاء موقع خاص بالمواد والمنتجات غير الأساسية يضم كل الصناعيين، وكل صناعي يضع فيه بجانب منتجه السعر والتكلفة بشكل واضح.

بشكل عام، يعد نظام “الفوترة” الذي يلزم الفعاليات التجارية والاقتصادية والخدمية بتقديم فاتورة عن جميع عمليات البيع والشراء، أحد أبرز الوسائل الناجعة في مكافحة التهرب الضريبي.

وتضمن القانون رقم “8” للعام 2021 لحماية المستهلك، فرض عقوبة غرامة مالية بين 200 ألف و400 ألف ليرة سورية، بحق بائع المفرق الذي يبيع مواد وسلعًا دون حيازته على فواتير لها، أو يمتنع عن إعطاء فاتورة للمستهلك، أو يعطيه فاتورة غير صحيحة. في حين تكون العقوبة الحبس شهر على الأقل وغرامة قدرها 400 ألف ليرة سورية، إذا كان الفاعل بائع جملة أو نصف جملة.

هل يخدم نظام الفوترة الأجهزة الأمنية؟

تؤكد الحكومة السورية أن الهدف يتمثل بدعم الصناعة والصناعيين، وعلى المقلب الآخر، حماية المستهلك، وأيضا القيام بدور فعال وهام لجهة حماية الصناعة الوطنية من ورش الغش التي تزور المنتجات ولا تتبع عوامل الأمان، ومن البضائع المهربة ومجهولة المصدر والتي تسيء بالدرجة الأولى للمنتج الوطني وسمعته في الأسواق الداخلية والخارجية، في حين يرى مراقبون أن تطبيق نظام الفوترة الجديد لن يكون ممكنا، و لن يؤدي إلى الفائدة المرجوة منه كما في اقتصاديات الدول المتقدمة.

يرى المستشار الاقتصادي رفعت عامر، أن نظام الفوترة يحتاج إلى بنية تحتية وتشريعية وضرائبية غير متوفرة في سوريا، ويشير خلال حديث لـ”الحل نت” إلى أن مناطق سيطرة الحكومة السورية قائمة على الفساد، والسوق السوداء التي تعمل بقوة أكبر. لذلك “لن يستطيع نظام الفوترة إحداث أي تأثير إيجابي في بلد واقتصاد مدارين بهذه الطريقة”.

وحول ما تريده الحكومة من هذا الإجراء، يلمح عامر إلى وجود رغبة لدى الحكومة في زيادة التحصيل الضريبي بعد أن يفرض على الشركات والمؤسسات، حصصا ونسبا معينة من المبيعات التى ستظهر من خلال نظام الفوترة، وستكون فعلا من مداخيل الشرائح الفقيرة التي تشكل الغالبية المطلقة من السوريين، أما الأغنياء وكبار التجار والسماسرة فستسمر أعمالهم في السوق السوداء وبدون فوترة، بحسب رأيه.

ورغم إدراك الحكومة لهذه المعادلة، إلا أن خطة تطبيق الفوترة تخدم الأجهزة الأمنية والإدارية، من خلال تحقيق فرص أكبر للتسلط على من تشاء من التجار وأصحاب الأعمال تحت حجة قانونية/رقابية.

يوضح عامر، أنه “في حال أرادت هذه الأجهزة إخراج من لا ترغب بوجوده من التجار وأصحاب الأعمال من السوق، أو إخضاعهم للابتزاز المالي سيكون تحت حجة عدم إجراء المدفوعات بنظام الفوترة الذي سيكون صعبا على من يريد البقاء في السوق، عندها ستكون الحجة جاهزة دوما”.

وبالتوازي، سوف يلمع نظام الفوترة صورة حكومة دمشق التي تقدم نفسها دوما على أنها رائدة التحديث أمام المجتمع الدولي، على غرار ما جرى بداية العقد الأول من القرن الحالي حيث تم تقديم العهد الجديد بأنه عهد التطوير والتحديث.

ما فرص نجاح نظام الفوترة؟

ليست المرة الأولى التي تحاول فيها الحكومة السورية تطبيق نظام الفوترة، فقد بدأت أولى المحاولات قبل عام 2011 لكنها باءت بالفشل نظرا لغياب البنى التحتية.

كما تردد الحديث عن تطبيق نظام الفوترة أكثر من مرة خلال السنوات السابقة، فقد أعلن رئيس مجلس الوزراء السابق، عماد خميس، بداية العام 2020 أن الحكومة ستطبق نظام الفوترة والتسعير العادل مع بداية العام 2021 كحد أقصى، وسيكون ملزما لجميع الفعاليات التجارية، لمكافحة الفساد والمتلاعبين بالأسعار، وتحقيق استقرار في السوق. مشيرا إلى أن الحكومة شكلت فريقا مختصا سيضع خلال شهرين معايير شفافة و عادلة للتسعير وسيقدم رؤية عن كيفية تنفيذ نظام الفوترة، كما سيقود إلى العدالة الضريبية.

وأثارت تلك التصريحات غرفة تجارة دمشق التي تحدثت خلال العام السابق عن عوائق عديدة لتطبيق الفوترة، تشمل التكاليف الكبيرة غير المسجلة رسميا التي يتكلفها التاجر لاستيراد أي مادة، في إشارة إلى أن القيم المتفق عليها في القانون تختلف عن القيم الحقيقية التي ترد فيها البضاعة. في حين تعتبر آلية دفع قيمة البضاعة غير الواضحة، والتغيرات التي تطال سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، والبيانات الجمركية غير الدقيقة، أبرز تلك العوائق أيضا.

يوضح الباحث الاقتصادي يونس الكريم خلال حديث لـ”الحل نت” أن مشروع نظام الفوترة انطلق في العام 2007 لكنه تعرض لعوائق، ولم تفلح الحكومة في استئنافه بعد ذلك بسبب نقص البنى التحتية التي يقوم عليها المشروع مثل شبكة الإنترنت، إضافة لأن الحكومة كانت ولا تزال تعاني من العقوبات الاقتصادية الدولية بعد مقتل الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان. تمثلت أبرز العراقيل حينها وجود إشكالية في نظام الدفع، وعدم انتشار طريقة الدفع الإلكتروني لدى الشريحة الأوسع من المواطنين.

في فترات لاحقة، عملت الحكومة السورية على إصدار قوانين لإجبار الشركات التجارية على إصدار الفواتير، لكن كلفتها كانت مرتفعة من حيث العمالة، الطباعة، والورق وهي أكلاف تضاف إلى سعر المنتج، لذلك لم تنجح هذه القرارات في تطبيق الفوترة.

نظريا، تهدف الحكومة من تطبيق الفوترة الآن أو في فترات سابقة، إلى زيادة التحصيل الضريبي، وحصر احتياجات البلد من السلع والخدمات وبالتالي: الوصول إلى إعداد موازنة حقيقية للمواطنين توجه القطع الأجنبي نحو مساره الصحيح.

في الإطار العملي، يؤكد الكريم أن هذه الإجراءات لا تتعدى التطلعات النظرية البحتة. “تطبيق نظام الفوترة محاولة للقول إن اقتصاد البلد يسير بشكل أفضل. محاولة لإيصال رسالة للمجتمع الدولي بأن النظام الاقتصادي في سوريا يخطو باتجاه التنظيم الإداري على غرار ما حققته دبي مثلا. هذا أمر غير واقعي لافتقاره إلى أدنى البنى التحتية، فسوريا لا يتوفر فيها حتى الكهرباء، أو الإنترنت الجيد والرخيص، كما لا يتوفر أيضا نظام الباركود، وصولا إلى السلعة بحد ذاتها. يضاف إلى ذلك عدم سيطرة الحكومة على كبار التجار الذين يعتبرون حيتان الاقتصاد خلال الفترة الحالية”.

هل الهدف إعادة تشكيل الطبقة التجارية؟

إذا كان تطبيق نظام الفوترة غير ممكن في الوقت الراهن، وربما خلال السنوات القادمة بسبب حالة التردي الاقتصادي التي وصلت إلى أدنى مستوياتها في سوريا، فلم تروج الحكومة ووسائلها الإعلامية لاقتراب تطبيق نظام الفوترة.

في معرض إجابته عن السؤال، يرى يونس الكريم، أن الإجراء الجديد هو حجة للحكومة لدفع التجار نحو تقدم مزيد من الغرامات المالية والضرائب، من خلال ابتزازهم بشكل قانوني.

ولا تقتصر أهداف الحكومة على تحصيل مكاسب مادية فقط، بل يتجاوز ذلك إلى “إعادة تشكيل الطبقة التجارية الحالية، من خلال الضغط على الفئة غير المرغوبة وإغلاق متاجرها ودفعها نحو بيعها” بحسب الكريم.

استنادا إلى ذلك، سوف ترتفع أكلاف السلع بشكل كبير ما سيؤثر على المنتجين ورجال الأعمال، لأن نظام الفوترة لن يسمح لهم بالمناورة والحصول على السلع من مصادر أخرى مثل التهريب، كما سيفقد المنتجون القدرة على منافسة السلع الأخرى.

وبالتالي يخسرون الحجم الأكبر من الزبائن، إضافة لتقليص أرباحهم من عملية الإنتاج، وهذا ما تقصده الحكومة من تطبيق الفوترة، وما ينجم عنها من إعادة تشكيل الطبقة التجارية المركزية، فضلا عن تحصيل المزيد من الضرائب الذي يعتبر بمثابة تحصيل حاصل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.