تهجير مسيحيي العراق: هل الخوف من تنظيم داعش وحده هو ما يمنع العودة؟

تهجير مسيحيي العراق: هل الخوف من تنظيم داعش وحده هو ما يمنع العودة؟

تعتبر قضية تهجير مسيحيي العراق من الملفات الساخنة، التي ما تزال مفتوحة، رغم مرور سنوات على هزيمة تنظيم داعش، المسؤول عن تهجير قسم كبير منهم.
الوجود المسيحي في العراق مغرق في القدم. وقد كان عدد المسيحيين العراقيين، قبل سقوط نظام صدام حسين عام 2003، يقدّر بأكثر من مليون ونصف المليون نسمة. يتبعون عدداً من الكنائس المسيحية. أكبرها كنيسة الكلدان الكاثوليك، إلى جانب كنيسة السريان الكاثوليك، والكنيسة الآشورية. إلا أن مفوضية حقوق الإنسان كشفت عام 2019 أن “عدد المسيحيين في العراق تراجع إلى مئتين وخمسين ألف مسيحي فقط. أغلبهم يعيشون في إقليم كردستان العراق”.
وكشف تقرير صادر عن المنظمة أن “سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل أدت لمقتل مئة وخمسة عشر مسيحيا. واختطاف مئة وواحد وستين آخرين. وتعذيب واحد وتسعين. كما تم تدمير جميع الكنائس في المدينة. وقد نزح مئة وثلاثين ألف مسيحي عموما بسبب سيطرة التنظيم المتطرف على غربي العراق”
وأشار التقرير إلى أن “أربعين بالمئة من المسيحيين، النازحين من سهل نينوى إلى إقليم كردستان العراق، عادوا إلى مناطقهم، بعد تحريرها من سيطرة داعش”.  
رغم كل هذا فإن قضية تهجير مسيحيي العراق لم تنته بعد. ويبدو أن مخاوف المسيحيين لا تقتصر على عودة التنظيم المتطرف. بل هنالك عوامل أخرى متعددة تمنعهم من العودة.

مخاوف مسيحيي العراق

تحاول السيدة نور، المسيحية العراقية المقيمة في فرنسا، أن تخفي عن طفليها الأسباب الفعلية، التي تمنعها من العودة إلى البصرة مدينتها الأم. فهي “تتمنى كل عام زيارة البصرة، إلا أنها تؤجل هذا المشروع، خوفاً مما تقرأه على مواقع التواصل الاجتماعي من أنباء عن خطف الاطفال المسيحيين هناك. والاغتيالات والتوترات الامنية بين العشائر العراقية. الأمر الذي يصيبها بالهلع من أن تتعرض هي وعائلتها أيضا لهذه الحوادث”.
وتضيف نور في حديثها لـ”الحل نت”: “منذ ولادة ابني البكر وأنا احاول زيارة البصرة. ففيها كل الذكريات اللطيفة عن نشأتي، والكنيسة التي كنت أصلي فيها، وأصدقائي وجيراني القدامى. إلا أنني أدرك أن كل مسيحي أعرفه تقريبا قد خرج من العراق”.   
خالد صبري، البالغ من العمر سبعة وستين عاما، يؤكد لـ”الحل نت” المخاوف التي أدت لتهجير مسيحيي العراق: “خرجت من العراق عام 2010، أي قبل نشوء تنظيم داعش، بعد أن حاولت بشتى الطرق البقاء في البلاد. إلا أن سلامة عائلتي تأتي أولا”.
حاول خالد العودة إلى البصرة مرتين، إلا أنه تعرض لمشكلات عرقلت هذا المشروع. “في المرة الأولى عام 2012 ظلت والدتي تبكي يومين متواصلين، وتطالبني بعدم العودة للبصرة خوفاً على سلامتي. أما في المرة الثانية فقد سعيت لزيارة المدينة عام 2013، إلا أنني سمعت بقضية اغتيال صاحب محل صيرفة مسيحي، وسط أحد أسواق البصرة. فألغيت زيارتي”، يقول صبري.

مقالات قد تهمك: عقب انتهاء زيارة الحبر الأعظم: هل سيلبي المسيحيون العراقيون دعوة البابا للعودة إلى البلاد؟

لماذا لا يجدد المسيحيون كنائسهم؟

وعلى الرغم من تهجير مسيحيي العراق المستمر دون انقطاع في العقدين الأخيرين، إلا أن مدينة البصرة جنوبي العراق ما تزال تضم أكثر من أربعمئة عائلة مسيحية. يصل عدد أفرادها إلى ألف وخمسمئة شخص. بحسب عماد البناء، المعاون الأسقفي للرئاسة الأسقفية الكلدانية في البصرة وجنوب العراق.
ويتابع البناء، في إفادته لـ”الحل نت”، أن “عدد الكنائس، التي يمكن اقامة الطقوس الدينية للمسيحيين فيها، هو ست كنائس مؤهلة من أصل أربع عشرة كنيسة في البصرة. ويمكن اعتبار هذه الكنائس الست الوحيدة في كل جنوب العراق. خاصة أن مدينة الناصرية تفتقر لوجود الكنائس. ولا توجد في كل محافظة ميسان سوى كنيسة مؤهلة واحدة”.
ولكن لماذا لا يستطيع مسيحيو العراق تجديد كنائسهم، أو بناء كنائس جديدة؟
عماد نويل، النائب السابق في البرلمان العراقي عن المكون المسيحي، يجيب على هذا السؤال بالقول: “الأمور بدأت تتجه قليلا نحو إعادة إعمار أهم الكنائس وأقدمها في العراق. مثل كنيسة كوخي وقطي سافون. على أن تشمل عملية إعادة الإعمار كنائس الكوفة والنجف وكربلاء، التي عانت وتعاني من إهمال واضح وكبير. خاصة بعد العمليات المسلحة، والإهمال الحكومي، وتجريف الأراضي، والاستيلاء على الآثار. كما حدث في الموصل، حين تم تجريف سور نينوى الأثري”.
ويدعو النائب المسيحي السابق، في حديثه لـ”الحل نت”، الحكومة العراقية الى “توخي الحذر. فعملية تهجير مسيحيي العراق وطمس وجودهم مستمرة. وما يحدث يمكن عده محوا لتاريخ العراق بأكمله” .

تهجير مسيحيي العراق ليس ذنب داعش وحده

الخبير الأمني حاتم الفلاحي يرى، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “تهجير مسيحيي العراق. وهجرة الاقليات الدينية عموما الى خارج البلاد. جاءت نتيجة أسباب متعددة، وليس فقط ممارسات تنظيم داعش. فالفوضى الأمنية، وتصاعد الطائفية، واستمرار الصراع العسكري والسياسي بين مختلف الأطراف. وتعدد الميلشيات والمنظمات الإرهابية، ساهم باضطهاد الأقليات العراقية. ودفعها للهجرة. الأمر الذي أدى لتغيير ديمغرافي كبير في البلاد”.

وبناء على هذا يجمع معظم من التقاهم الموقع على أن قضية تهجير مسيحيي العراق لا يمكن حلها من خلال تعويض ضحايا الحرب على داعش فحسب. لأن لها أبعادا أكثر تعقيدا. تتعلق بالتركيبة السياسية للبلد بعد سقوط النظام السابق، وتصاعد خطاب الكراهية والتطرف الديني والعنف الطائفي. ولذلك فإن معالجتها تتطلب تغييرا سياسيا وثقافيا شاملا. كي يعود العراق واحدا من أكثر بلدان العالم تنوعا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.