حراكات سياسية سورية.. عودة القوى الديمقراطية المستبعدة؟

حراكات سياسية بارزة شهدتها الآونة الأخيرة من قبل القوى الديمقراطية السورية، تجلى آخرها في اجتماع “الطاولة المستديرة” الذي حضره عديد الشخصيات الديمقراطية، في وقت أعلنت عدة تيارات سياسية من الخط ذاته أيضا مبادرة وطنية لحل الاستعصاء الحاصل في محافظة السويداء.
ما يدفع للتساؤل حول إمكانية تفعيل الدور الحقيقي للقوى الديمقراطية وضرورة تسيدها المشهد السياسي في سوريا، بعد سنوات من الإبعاد والتهميش.مجموعة “لجان الديمقراطية السورية” (أمارجي)، التي تضم عددا من الشخصيات والقوى الديمقراطية السورية، عقدت اجتماعا وصف بـ اجتماع “الطاولة المستديرة” في الخامس عشر من الشهر الجاري.
وضم الاجتماع أكثر 35 شخصية سياسية ممثلين عن القوى الديمقراطية السورية.يأتي اجتماع أمارجي، وسط جو سياسي مضطرب بالنسبة للأزمة السورية، فهناك شبه توقف للمسار الدولي لحل الأزمة عبر المبعوث الدولي، وهناك رفض من الحكومة السورية، ومن ما يعرف بـ”المعارضة الرسمية” للسياسة الجديدة للمبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، التي أسماها “الخطوة مقابل خطوة”، وبين كل ذلك غابت القوى الديمقراطية عن المشهد السوري خلال الفترة الماضية، حيث كان أبرز الأسباب التي أدت إلى ذلك الغياب هو إقصائها المتعمد من قبل المعارضة المدعومة من قوى إقليمية متدخلة في الملف السوري.
استعادة مكانة القوى المبعثرة؟
لعل العمل من أجل تجميع القوى الديمقراطية السورية على طاولة واحدة مستديرة، هو هدف مرحلي إيجابية لإصلاح الوضع السياسي الداخلي السوري للانطلاق من أسفل الهرم إلى قمته، لأن التيار السائد في الدعوات والمؤتمرات وكل ما حصل في الإطار السوري المعارض لحكومة دمشق، لم يفض إلى نتائج حقيقية مهمة على الملف السوري.
في الوقت الحالي يهم القوى الديمقراطية السورية بناء العلاقة فيما بينها للتفاهم حول مختلف القضايا، قبل الوصول إلى عقد مؤتمر وطني شامل للقوى الديمقراطية السورية.
كومان حسين، عضو الأمانة العامة لـ”أمارجي”، قال لموقع “الحل نت”، إن لقاء “الطاولة المستديرة”، الذي عقد في 15 شباط/فبراير الجاري، هو اللقاء الخامس للمجموعة، وكان آخر لقاء قبل ذلك في مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عقد في مدينة بون الألمانية، وحضرته شخصيات من داخل سوريا، ومن دول أخرى.
وأضاف حسين، أن اللقاء الأخير، حمل إصرارا، بأن يكون هناك إنجاز ونتائج إيجابية، حيث تمت مطالبة الكيانات السياسية والشخصيات الديمقراطية المدعوة بأن يكونوا شركاء في كل شيء، “فالواجب يحتم على هذه القوى المبعثرة العمل معا وتذليل كل العقبات، حتى يكون لها مكانها في إعادة بناء سوريا”.
ولفت حسين، إلى أن أمارجي تمكنت في اللقاء الأخير أن تجمع بين المتناقضات السياسية، حيث استطاعت بعض القوى التي كانت تتعرض للتهميش من طرح كل أفكارها، وخلص الاجتماع للانتقال إلى خطوات أكثر عملية، لتأسيس أرضية تجتمع عليها كل القوى الديمقراطية، فما يجمعها أكثر مما يفرقها.
إقرأ:هل ينجح بيدرسون في الخطوة خطوة؟
الديمقراطية هي الطريق للإنقاذ
تعرضت الحركة الديمقراطية السورية، المتعددة الأطراف والمشارب، للإضعاف والتهميش خلال السنوات العشر الماضية، وزاد في ضعفها أن الخيارات السياسية لقسم منها، وخاصة تلك التي انخرطت في أجندات دول إقليمية لا تزال عامل تفتيت لقوتها وإضعاف لمصداقيتها.
يقول غياث نعيسة، عضو الأمانة العامة لـ “أمارجي”، خلال حديثه لموقع ” الحل نت”، أن معظم المحاولات عبر مؤتمرات لتوحيد القوى الديمقراطية، أو توحيد قطاعات واسعة منها كانت فاشلة ومحبطة، فإما أنها تأتي لتلبية طلب من هذه الدولة الإقليمية أو تلك، وأما أنها أشبه بمسرحية، لتعويم هذا الشخص أو ذاك، كما أن بعضها الآخر أسير لمنطق ضيق الأفق ومريض يختار من يجب أن يشارك أم لا وفق منطق المحسوبية أو الكيدية، وغير ذلك من الأسباب للفشل المتواصل لكل محاولات توحيد الحركة الديمقراطية السورية حتى الآن، بحسب حديثه.
وأضاف نعيسة أن المعارضة أو على الأقل تلك التي تكرست إعلاميا، ومن الدول المتدخلة في الواقع السوري، وأصبحت تابعة لها، تحولت إلى أكبر منظم للهزائم والفشل، “بالتالي يصبح مفهوما ومشروعا، أن تقوم القطاعات الأكثر جدية وصدقية في الحركة الديمقراطية السورية، وقد تعلمت من دروس الفشل المتكرر بالعمل على مقاربات جديدة لمشاريع توحيد الحركة الديمقراطية الوطنية بعيدا عن مفاهيم التذاكي السائدة”.
وأشار نعيسة إلى أن هذا التوجه المبشر والملتزم والصادق لجزء من الحركة الديمقراطية بدأ بالعودة منذ سنوات قليلة، ولعبت أمارجي- لجان الديمقراطية السورية دورا متقدما وهاما فيه، ويصبح تطوره ونموه قضية محورية لما أصبح عليه الحال السوري من تدهور مريع على كل الصعد، وهو قبل كل شيء قضية وطنية ملزمة”.
وأكد أن توحيد أوسع قطاعات الحركة الديمقراطية هو قضية ملحة، لأن “الشعب السوري يحتاج إلى قيادة سياسية ديمقراطية، متمرسة وخبيرة وجدية، تعبر عن المصالح العامة للشعب السوري وتستند في سياساتها على التحليل الملموس للواقع الملموس، وتقف في مقدمة كفاحه من أجل السلام والاستقلال والحرية والعدالة الاجتماعية”.
قد يهمك: بيدرسن وديمستورا.. فشل مستمر وتخريب للعملية السياسية في سوريا؟
من استوكهولم إلى الدوحة حراكات مستمرة
في العاصمة السويدية، استوكهولم، في نهاية العام الماضي، عقد مؤتمر وطني سوري يضم شخصيات وقوى ديمقراطية، أنشأت اللجنة التحضيرية لـ “مؤتمر قوى وشخصيات ديمقراطية سورية” خلال ثلاثة جلسات، لتكون منبرا لمنظمات المجتمع المدني والأفراد السياسيين الذين ليس لديهم انتماءات تنظيمية للتواصل بين بعضهم البعض من أجل اتخاذ موقف سياسي واضح موحد لما يخدم مستقبل سوريا.
وخلصت النقاشات التي عقدت في المؤتمر، إلى التوافق على عدد من النقاط. وهي: ضرورة التوجه الى كافة القوى والتجمعات الديمقراطية والتواصل معها داخل البلاد وخارجها، وتطوير حلقة تنسيق متماسكة قوية من أجل تسهيل انعقاد المؤتمر، ووضع جدول زمني لإتمام إنعقاد المؤتمر.
كما تم التوافق من الناحية السياسية على النظام السياسي مسؤول دستوريا وقانونيا عن المآلات الكارثية التي وصلت إليها البلاد. وإن أي انتقال سياسي يتصف بالديمومة يجب ان يرتكز على محاسبة مرتكبي جرائم حرب وتفعيل مسارات العدالة الانتقالية الأخرى.
وأضاف البيان أنّ أي حل سياسي يجب أن يعالج ملف النازحين واللاجئين وضمان عودتهم الطوعية والآمنة إلى ديارهم. فضلا عن إطلاق سراح المعتقلين، والتمسك بالقرار الأممي ٢٢٥٤وبيان جنيف1 أساسا للحل السياسي.
وفي العاصمة القطرية الدوحة، عقد في الخامس من شباط/فبراير الجاري، ندوة دعا إليها رئيس الوزراء السوري السابق، رياض حجاب، بعنوان “سوريا إلى أين”، استمرت الندوة لمدة يومين، بمشاركة نحو 80 شخصية ممثلين عن بعض مؤسسات المعارضة السورية. ومراكز الفكر، ومنظمات المجتمع المدني، كما ضمت عدد من الشخصيات السورية المستقلة. بالإضافة إلى ممثلين عن الجالية السورية.
وجدد حجاب خلال الندوة، التزامه بتحقيق مطالب الشعب السوري العادلة. وتعزيز الهوية الوطنية الموحدة للبلاد، وتحقيق عملية انتقالية لا مكان فيها للرئيس السوري، بشار الأسد ونظامه. مشدداً على ضرورة توحيد العالم لمحاسبة الجناة، وتحقيق العدالة وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
وأشار حجاب، إلى أن عقد هذه الندوة جاء لتقييم عمل المعارضة. وتصحيح الأخطاء التي وقعت فيها خلال مسيرتها الشاقة لتحقيق دولة ديمقراطية حرة موحدة. تقوم على أساس سيادة القانون وحق الجميع في التعبير، والتمتع بحقوق المواطنة المتساوية، وواجباتها دون تمييز.
توحد القوى الديمقراطية هو المخرج؟
أدى تسارع التغيرات في سوريا والتي دخلت أزمتها في نطاق منظومة التعقيد على مستوى العلاقات المتشابكة والمصالح المتضاربة، إلى التقليل من خيارات الخروج منها، وأيضا تشتت المعارضة السورية وتشظيها وارتهانها وسقوط سيادة القرار السوري.
تقول سميحة نادر، عضو أمانة “أمارجي”، لـ “الحل نت”، بأن “أمارجي” ارتأت أن تطرح مشروعها الذي يهدف إلى تشبيك القوى والشخصيات الديمقراطية، من خلال الحوار والتفاهم والتوافق والتنسيق المتماسك الفعال. وتجمع “أمارجي” شخصيات وطنية ديمقراطية من جميع الاتجاهات والانتماءات السورية المتعددة تقريبا، وكان أحد أهم أعضائها الدكتور أكثم نعيسة الذي وافته المنية قبل وقت قصير، بعد صراع مع المرض.
وأشارت نادر، إلى أن المجموعة لا تزال في بداية الطريق العملي، و “لايمكن الحديث الآن عن بيانات أو مخرجات العمل، فيجب أن تتبلور الرؤى، لتحقيق الهدف العملي قصير المدى، وهو التشبيك وتوحيد الجهود، ومتابعة الحوار حتى الوصول الى الهدف الرئيسي، بأن يساهم هذا الوسط السياسي في لعب دور أساسي فاعل ومؤثر في حاضر العملية السياسية ومستقبلها”.
مبادرات تدعم حراك السويداءكان لقرار الحكومة السورية بإلغاء الدعم، أثر سلبي على المجتمع السوري في ظل تدهور المعيشة في سوريا خلال السنوات الماضية، ما دفع بأهالي السويداء لتنظيم احتجاجات سلمية للمطالبة بإلغاء القرار الحكومي، واسترداد الحقوق.
حيث استمرت الاحتجاجات عدة أيام، ثم توقفت، ليتم قبل يومين من بلدة القريا مسقط رأس سلطان باشا الأطرش عن استئنافها يوم الجمعة المقبل. في تلك الأثناء أعلنت عديد القوى الديمقراطية السورية دعمها لحراك السويداء، وأصدرت بعض منها مبادرة لحل الاستعصاء القائم في المحافظة في ظل تهديدات السلطات الأمنية التابعة لحكومة دمشق.
الناشط السياسي، حسن البكفاني، من السويداء، قال لموقع “الحل نت”، إن هناك ناشطين في السويداء، على قدر كبير من الوعي يكفي لتحديد سقف المطالب والتوقيت المناسب لرفع ذلك السقف، بما يتناسب مع الظروف الموضوعية لأهالي المحافظة، وللوضع الدولي العام.
وتطرق البكفاني، إلى المبادرة الوطنية التي دعمت رسم خارطة طريق للحل السياسي والانتقال الديمقراطي، “هذا مطلب جميع القوى المعارضة، والشارع ليس عائق أمام وجود هذه الخارطة، بل على العكس فإن هناك ناشطين في الحراك الأخير طالبوا بتنفيذ القرار 2254 والبنود الخاصة به”، في إشارة إلى أن السلطة السياسية باتت عاجزة عن تحقيق طموحات ومطالب الشعب مهما كانت بسيطة.
وأشار البكفاني، إلى أن تلك المطالب تصب في صالح الحراك، رغم الخشية من استخدامها بشكل عكسي، لأن أبناء السويداء لديهم خوف من ركوب الجهات السياسية والعسكرية المعارضة لحراكهم، كما حصل مع الحراك السوري عام 2011.
وختم بالقول أن “هناك الكثير من الأخطاء، والارتهان لبعض الدول، من قبل بعض تيارات المعارضة السياسية، وبات يقينا لديهم أن الحل الوحيد هو الاجتماع كسوريين بقرار سوري مستقل للوصول إلى حل للأزمة السورية برمتها”.
يذكر أنه ونتيجة للاستعصاء السياسي في الملف السوري، والوضع الإنساني المتفاقم اقترح ممثلون عن هيئة التنسيق الوطني – حركة التغيير الديمقراطي، والمؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار، والمبادرة الوطنية في جبل العرب، سبعة حلول للوضع القائم في محافظة السويداء.
تضمنت قائمة الحلول، التي وصل لـ”الحل نت” نسخة منها، ما يلي:
1- ضرورة التشاور والتنسيق من أجل توحيد القوى السياسية الوطنية الديمقراطية كمقدمة ضرورية للمشاركة الفاعلة في الحل السياسي للأزمة السورية.
2- التفاهم على خارطة طريق تتبناها هذه القوى للحل السياسي على أساس القرار الأممي 2254. أو أية صيغة أخرى تلبي تطلعات السوريين في الانتقال الديمقراطي والحرية والكرامة.
3- العمل مع الأوساط الدولية المعنية لزيادة المساعدات الإنسانية وضمان إيصالها إلى السوريين المحتاجين في كافة المناطق السورية. والمساهمة بالتخفيف عن معاناتهم داخل البلد وفي مخيمات النزوح واللجوء. والمطالبة برفع العقوبات الدولية التي تضر بحياة المواطنين وتزيد من مآسيهم.
4-القيام باتصالات دولية خصوصاً مع الجهات المعنية مباشرة بالأزمة السورية. لحثها على تسريع الحل السياسي المنقذ الوحيد لسوريا وشعبها من الكارثة غير المسبوقة جراء الصراعات التي حلت فيها وعليها.
5- العمل على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والكشف عن مصير المخطوفين والمفقودين قسرا. ومطالبة المجتمع الدولي بالضغط على كل الأطراف والتأكيد على انه ملف إنساني فوق تفاوضي.
6- مطالبة الأمم المتحدة وقوى التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، والدول الأخرى المعنية بضرورة حل مشكلة أسرى تنظيم “داعش” الإرهابي وعوائلهم.
7- إن أي حل سياسي لا يؤدي إلى تغيير جذري وشامل لنظام الاستبداد إلى نظام ديمقراطي تعددي لا مركزي. يفصل الدين عن الدولة، سوف يعني واقعيا استمرار الأزمة السورية وتفاقم معاناة السوريين.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.