تشهد معظم القطاعات في سوريا غيابا كبيرا للرقابة الحكومية والنقابية في السنوات الأخيرة، بعد توسع وتعاظم نفوذ أصحاب الشركات والمعامل، وذلك بسبب قرب معظمهم من جهات حكومية أو متنفذين في أجهزة الدولة أو المتعاونين مع الوزارات السيادية في البلد.

حيث تغيب الرقابة في معظم الأراضي السورية عن قطاع الأدوية، الذي يتكون من أدوية يتم تصنيعها محليا، وكذلك أخرى مهربة أو مستوردة في سنوات ماضية.

وفي غياب الرقابة عن هذا القطاع، يقوم أصحاب شركات ومستودعات الأدوية، بالتلاعب بالأسعار، والضغط على الصيادلة لبيع الأدوية المحلية بأسعار مرتفعة، لتكون في معظم الأحيان خارج قدرة المواطنين على شرائها.

رفع أسعار الأدوية في حلب وضرائب في اللاذقية

في حلب، قام الصيادلة ونتيجة لضغط شركات تصنيع الأدوية ومستودعات الأدوية بتحرير أسعار الأدوية المصنعة محليا، لتباع بأسعار تزيد عن تسعيرة وزارة الصحة السورية، تحت ذريعة ارتفاع أسعار المواد الفعالة التي تدخل في تركيبة الدواء، وذلك وسط غياب للرقابة الدوائية من مديرية صحة حلب، حسب صحيفة “الوطن” المحلية.

ونقلت الصحيفة عن صيادلة في حلب، أنهم يضطرون لشراء الأدوية من المستودعات بالسعر المحرر، وهو سعر يفوق التسعيرة المحددة بكثير، حيث لا يمكنهم سوى الرضوخ لذلك، فيما يكون المرضى هم المتضررين الرئيسيين من هذه العملية.

وتضع مستودعات الأدوية، الصيادلة أمام خيارات محددة، وهي الامتناع عن شراء الأدوية المحررة السعر، ما يؤدي لخلو صيدلياتهم من الأدوية المهمة للمرضى، أو الاضطرار لشراء تلك الأصناف من المستودعات مع فرضها أدوية أخرى عليهم غير مطلوبة مثل التحاميل والمراهم، أما الخيار الثالث، فهو اللجوء إلى المهربين لاقتناء الأصناف الأجنبية التي يزيد سعرها أضعافا مضاعفة على نظيرتها المحلية، بالرغم من جودة وفاعلية الأدوية المحلية المفقودة، بحسب قولهم.

في حين أشارت الصحيفة إلى أسعار بعض الأدوية التي تم رفعها في حلب، حيث تباع الصادات الحيوية حسب أصنافها وفق أهواء أصحاب المستودعات ومصالح شركات الأدوية، حيث يبلغ سعر علبة الأوجمنتين 19 ألف ليرة سورية في حين يفترض أن تباع وفق تسعيرتها المحددة بـ11 ألف ليرة. كذلك يبلغ سعر الروسفليكس 4 آلاف ليرة رغم أن سعره النظامي 2700 ليرة، مقابل رفع سعر السيفكس من 7200 إلى 9 آلاف ليرة، والزد ناد من 6800 إلى 8 آلاف ليرة، وأموكسيبين من 2550 إلى 4700 ليرة.

أما في اللاذقية، فقد طالب الصيادلة بتحسين واقع المهنة ورفع الأجر العلمي للصيدلي، واحتسابه بما يتلاءم مع الجهد والدور الذي يقوم به في تقديم الخدمات الصحية بغية تحسين الوضع الاقتصادي لمواجهة انعكاسات ارتفاع أسعار السلع الاقتصادية والمعيشية ومتطلبات العمل المهني.

وجاءت مطالبات صيادلة اللاذقية، خلال المؤتمر السنوي لنقابة الصيادلة هناك، والذي أكدوا خلاله على ضرورة تحسين الواقع المعيشي والبداية برفع مكافآت العاملين منهم بالقطاع العام أسوة بباقي المهن، حسب صحيفة “الوطن” السورية.

وطالب عدد من صيادلة اللاذقية، حسب الصحيفة، بتعديل القانون الضريبي المفروض على الصيادلة، والارتفاع الكبير للقيم الضريبية المفروضة عليهم، مشيرين إلى الأثر السلبي لقانون إلغاء الدعم الذي شملهم، ما أدى لمنع العديد منهم مزاولة المهنة لابتعاد سكنهم عن الصيدلية، ما يضطرهم لاستهلاك محروقات بالسعر الحر، إضافة لصعوبات النقل وللانتظار لساعات على المواقف لعدم وجود سرافيس خاصة للقرى الريفية البعيدة.

فقدان الأدوية وتراجع الواقع الدوائي

تشهد الصيدليات في حلب فقدان بعض الأدوية ومنها أدوية الأمراض العصبية، مع زيادة غير نظامية مماثلة في أسعارها، ما أدى إلى زيادة حالات الصرع وحدوث وفيات نتيجة لذلك. إضافة  لفقدان الأدوية النوعية كأدوية السرطان،  وحقن الغلوبيولين المناعي “أنتي دي”، والتي تعطى للحوامل، وهي أدوية محلية لا يتناسب سعر السوق السوداء منها مع القدرة الشرائية لمعظم محتاجيها، عدا عن تخزينها ونقلها بطريقة غير سليمة، وفق ما أفادت به صحيفة “الوطن” المحلية.

كذلك عمد أصحاب مستودعات الأدوية إلى طرح بعض أصناف أدوية الصرع لاقتراب موعد انتهاء فاعليتها، ما يدل على احتكارها بعد شرائها من الشركات المصنعة، وذلك من أجل بيعها بأسعار مرتفعة.

وأما في اللاذقية، قال نقيب الصيادلة محمود شبار، إن هناك خطة عمل جديدة للعام الحالي، لتطوير العمل الصيدلاني، مشيرا إلى إطلاق العمل بمشروع المعمل الدوائي التابع للنقابة وطرحه للاستثمار، بالتشاركية مع الصيادلة ونقابة صيادلة سوريا، بهدف تحقيق المنفعة والعائدية المادية للصيادلة، والسعي لافتتاح مستودع خاص بالنقابة يلحق بالصيدلية المركزية يتم استثماره لمصلحة النقابة، والصيادلة لتخفيف الأعباء عنهم حول حصولهم على احتياجاتهم من الأدوية، وتقديم الخدمات الصحية للمجتمع والمواطن، وفق حديثه لـ “الوطن“.

ودعا شبار إلى ضرورة إحداث هيئة الغذاء والدواء، للقيام بمراقبة التراخيص الممنوحة للأدوية وللأغذية في سوريا، سواء الوطنية منها أم المستوردة، وتعزيز دور الهيئة بمراقبة القطاع الصحي والغذائي.

قد يهمك:فجأة.. صيدلياتٌ بدمشق تفرغُ رفوفها من أدويةِ القلبِ والضغطِ

نقص الأدوية غير مرتبط بالعقوبات الأمريكية والأوربية

لفت تقرير، في وقت سابق من الشهر الحالي لموقع ” الحل نت”، إلى أن حدوث نقص حاد في الأدوية المتخصصة لعلاج مرضى السرطان الصغار، لم يكن فقط بسبب الفوضى العامة في القطاع الطبي، وإنما أيضا كان بسبب نقص الدعم الحكومي في سوريا، في الوقت الذي يلقي فيه مسؤولو الصحة في حكومة دمشق باللوم على العقوبات الغربية في تقييد واردات الأدوية بشدة، رغم أن الإمدادات الطبية معفاة إلى حد كبير من الإجراءات التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وفي حديثه لموقع “الحل نت” في وقت سابق، قال الدكتور عبد الرحمن المسالمة، إن سوريا قبل عام 2011 كانت تنتج 90 بالمئة من الأدوية التي تحتاجها، لكن الأدوية المضادة للسرطان كانت من بين الأدوية التي تعتمد فيها تقليديا على الواردات.

وأشار المسالمة، إلى أن واردات الأدوية تضررت بسبب “التخفيضات الكبيرة” في ميزانية الصحة الحكومية منذ عام 2011 بالإضافة إلى انخفاض قيمة الليرة السورية، مما جعل بعض الأدوية باهظة الثمن، مبينا أن ما يعقد الوضع أكثر بأن سوريا لا تملك المال لاستيراد الأدوية.

إقرأ:مرضى السرطان يموتون.. مناشدات لتأمين أدوية السرطان بسوريا 

هذا ويعتبر قطاع الأدوية من أهم القطاعات التي تمس حياة السوريين وصحتهم بشكل مباشر في الآونة الأخيرة، وذلك في ظل ارتفاع أسعار الأدوية وعدم توفيرها، وتدهور واقع القطاع الطبي في سوريا، وتزايد الأزمات المعيشية التي أثقلت كاهل السوريين. كذلك يعاني قطاع الأدوية من إهمال حكومي، وتسلط واستغلال من أصحاب المعامل والمستودعات، والمستوردين، للحصول على أرباح كبيرة، حيث يدركون أنهم سيحصلون عليها لحاجة الناس للأدوية، وليبقى المواطن هو من يعاني في كل المجالات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.