مآزق سياسية ووجودية تعاني منها حكومة دمشق مقابل مخططها لإعادة تعويم نفسها على الساحة الإقليمية والدولية، في ظل وجود رأي شبه تام يرفض هذا المسعى في ظل تعنت سياسي وعدم وجود أي رغبة حقيقية لدمشق في تفعيل سبل الحل السياسي والالتزام بضماناته.

آخر تلك المساعي أعلن عنها بوضوح وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، أمس الثلاثاء، حينما قال من موسكو، أن دمشق مستعدة لإعادة العلاقات مع أنقرة لكن ضمن شروط حددها، لا يبدو أن موسكو وطهران حليفتي الجانبين قد تجد بالانطلاق منها خطوط تلاقي مشتركة من جديد بين الرئيس السوري بشار الأسد، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، بعد علاقة توافق غير مفهومة بين مصالح الطرفين قبل عام 2011 بسنوات قليلة.

أدوار سلبية لكل من أطراف مسار “أستانا” (روسيا، تركيا، إيران)، تريد دمشق البناء عليها من أجل توسط الإيرانيين والروس لدى الأتراك من أجل إعادة العلاقات، فعلى ما يبدو ترى دمشق أن أعداد اللاجئين السوريين الأكبر الذين تستضيفهم أنقرة، سيساعدونها في تحريك ملف إعادة الإعمار من بوابة الاستخدام الإعلامي والسياسي لورقة اللاجئين، إلا أنه وبحسب مراقبين فإن المطامح التركية في الملف السوري لا تتوافق مع رؤية دمشق وقد لن تتلاقى حتى وإن تلاقوا في وقت سابق من خلال بعض الملفات الأمنية.

قد يهمك: أردوغان في الإمارات.. ما أهداف أبوظبي وأنقرة؟

تطبيع العلاقات مع تركيا لكن بشروط!

أعرب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد عن استعداد حكومته، أمس الثلاثاء، لتطبيع العلاقات مع تركيا، لكن وفق شروط معينة.

وقال المقداد خلال المؤتمر الشرق أوسطي لمنتدى “فالداي” للحوار في موسكو، “نطالب الحكومة التركية بسحب قواتها من الأراضي السورية، وثانيا الكف عن دعم الإرهابيين والكف عن حرمان السكان السوريين من الموارد المائية، وبناء علاقات معنا على أساس الاحترام المتبادل”، مبينا “أعتقد أنه إذا التزمنا بهذه النقاط يمكن أن تتحسن علاقاتنا”.

الكاتب والباحث في الشأن التركي، فراس رضوان أوغلو، قال حول ذلك خلال حديثه لـ”الحل نت”، “أعتقد أن مجرد طرح هذه الفكرة، يعني بأن هناك بعض التغييرات سواء في المسار السياسي أو الإقليمي، وسيؤثر بشكل أو بآخر في الملف بين أنقرة ودمشق”، موضحا بأن “الفكرة بحد ذاتها تؤكد أن هناك تغيرات في المشهد السياسي، وهذا في اعتقادي مهم”.

وعن اهتمام أنقرة بما تحدث عنه المقداد، قال رضوان أوغلو، بأن أنقرة ستكون مهتمة، لكن طريقة هذا الاهتمام مختلفة، لأن أنقرة لها مصالح ورؤى، وفق تعبيره.

كما أشار إلى أن “الملف السوري لا يمكن عزله عن باقي الملفات، وهذا التصريح جاء بعد التقارب التركي-الإماراتي، ومحاولات التقارب التركي مع كل من مصر والسعودية”.

هل لروسيا أي دور؟

في 18 كانون الثاني/يناير الماضي، كان قد صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لوسائل الإعلام، إن “الرئيس السوري الحالي ما كان لينجو ويبقى بدون دعم  وفضل روسيا وإيران”. مبينا “نأمل أن يعم السلام والهدوء في المنطقة في أسرع وقت ممكن”.

وبشأن احتمال حدوث هذا التقارب بين أردوغان والأسد بوساطة روسية، أجاب الباحث في الشأن التركي، بأن “العلاقات قائمة مع الجانب الروسي إلى حد كبير، ولكن ليس إلى هذا الحد، وأعتقد أن الطرفين، أنقرة ودمشق، قد يتبادلان الأفكار حاليا، ولكن دعونا ننتظر لأننا لا نستطيع أن نقول أن هناك حوارا سياسيا بين الطرفين، ولكن هذا الطرح الآن جيد بالنسبة للطرفين”.

يشار إلى أن المقداد أجرى زيارة إلى روسيا، ألتقى خلالها نظيره الروسي، سيرغي لافروف، وبحثا ملف اللجنة الدستورية السورية، في حين سيجري لافروف محادثات مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص لسوريا، غير بيدرسن، لمناقشة التقدم في اللجنة الدستورية، وفق ما أوردت وكالة “تاس” الروسية.

وبحسب مراقبين، فإن السؤال الأبرز في العلاقة بين تركيا وروسيا في الملف السوري وما سينبني عليها من توافقات، سيثار حوله أكثر من تساؤل حول استغلال تركيا لورقة علاقاتها مع روسيا ضد الولايات المتحدة، فأنقرة الآن تواجه خيارات محفوفة بالمخاطر، بعدما قررت التغول أكثر في الملف السوري وتدخلت عسكريا ونشطت في السنوات الأخيرة الماضية بشكل مختلف حتى وصلت علاقاتها مع روسيا إلى مستوى بدت وكأنها تخسر رصيدها في حلف “الناتو” بعدما اشترت نظام الصواريخ الروسي “S-400”.

قد يهمك: ما هي التطورات التي تعيد فتح ملف التطبيع بين الأسد وإسرائيل؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.