التأمين الزراعي في سوريا.. هل يُلغى الدعم عن المزارعين؟

التأمين الزراعي في سوريا.. هل يُلغى الدعم عن المزارعين؟

فيما تقول الحكومة السورية إنها بصدد التحضير لأول بوليصة تأمين زراعي تفاديا للخسائر الهائلة التي تلحق سنويا بالمزارعين، يشكك مراقبون في نجاح هذه الخطوة، من بوابة عدم توفر مقوماتها الأساسية.

وبالتوازي، تشير التقديرات إلى إمكانية حدوث تغيرات جذرية؛ في حال تم طرح بوليصة التأمين فعلا؛ تطال الخريطة الزراعية الراهنة، من قبيل اعتماد زراعة محاصيل معينة على حساب محاصيل أخرى، وتشكيل ملكيات كبيرة، وما ينجم عن ذلك من خروج الفلاحين الصغار من القطاع الزراعي بشكل كامل. كما يعد تطوير البنية التحتية للمصارف الهدف الأساسي من هذه الخطوة التي لن تدخل تغييرات إيجابية ملموسة على القطاع الزراعي الذي يعاني أوضاعا كارثية صعبة.

تروج الصحف المحلية في مناطق سيطرة حكومة دمشق، إلى اعتزام الحكومة التحضير “لبوليصة تأمين زراعي بالحد الأدنى من التكلفة، لتكون إن تحققت أول بوليصة من نوعها في بلد قوامها الزراعة” وذلك على خلفية الخسائر الهائلة التي أصابت الفلاحين، ولاتزال، موسماً بعد آخر، وعزوف الكثير منهم عن العمل إثر النكبات المتلاحقة.

ونقلت الصحف عن مدير عام هيئة الإشراف على التأمين، رافد محمد، التوصل إلى البدء بتأمين الزراعات المحمية والبطاطا (الخريفية والربيعية)، وذلك بعد تشكيل لجنة تضم جميع الجهات الممثلة للقطاع الزراعي من وزارة الزراعة والمصرف الزراعي واتحاد الفلاحين والمؤسسة العامة للتأمين، وجمعها البيانات اللازمة لبدء التأمين.

الدراسة شملت 8 محاصيل، إلا أن قلة البيانات والظروف المتعلقة بالمساحات المزروعة حصرت النقاشات حاليا بالبيوت البلاستيكية والبطاطا، حيث يحتاج التأمين الزراعي بيانات لسلسلة زمنية أطول من أي نوع آخر في التأمين، أما المحاصيل الاستراتيجية؛ فإن خروج مساحات واسعة منها عن سيطرة مؤسسات الدولة حال دون تطبيق التأمين عليها اليوم.

من جهة أخرى، يقترح الاتحاد العام للفلاحين أن يكون التأمين إلزاميا للزراعات المحمية، واختياريا للبطاطا، وذلك بعد اعتراض عدد من الفلاحين على إلزامية التأمين للبطاطا كون نسبة المحاصيل المتضررة قليلة ومحدودة، حيث طلبوا أن يكون التأمين اختياريا في المراحل الأولى على الأقل.

وينص الاتفاق المبدئي على أن يكون قسط التأمين للبيوت البلاستيكية 30 ألف ليرة سنويا، فيما اقترح الاتحاد أن تتحمل الحكومة 60 بالمئة منها في العام الأول و50 بالمئة في الأعوام التالية، أما نسبة التعويض فهي 100 بالمئة وتتضمن كافة الأضرار التي يمكن أن تلحق بالبيوت البلاستيكية.

هدر للوقت والمال؟

يمكن اعتبار إطلاق خدمة التأمين الزراعي “خطوة إيجابية من الناحية النظرية، ولكن من الناحية التطبيقية تعد هدرا للوقت والجهد والمال، فالتأمين بحاجة لتوفير قاعدة بيانات جيدة ومحدثة باستمرار، وهو ما تفتقده حكومة دمشق”. بحسب الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر خلال حديث لـ”الحل نت”.

أثناء عملية رفع الدعم عن بعض الشرائح مؤخرا ظهرت هشاشة قواعد بيانات التي تمتلكها الحكومة السورية. من هذا المنطلق يعد السيد عمر، انعدام أو ضعف قواعد البيانات، عقبة من شأنها إفشال هذا المشروع.

يعترف مسؤولو الحكومة بضعف البيانات التاريخية المتوفرة لديها حول قطاع الزراعة، كما يشيرون إلى أن هناك معوقات حالت دون تطبيق التأمين الزراعي حتى الآن، تتمثل بانتقائية التأمين من قبل المزارع في حال كان التأمين اختياريا، وضعف الخبرات في تقدير الأضرار، وصعوبات تحصيل الأقساط، إضافة إلى مخاطر سوء استخدام التأمين من مختلف الأطراف.

من جهة أخرى، يشير السيد عمر، إلى أن مشروع التأمين الزراعي لم يوضح ما المحاصيل المشمولة بالتأمين. إذ لم يصرح إلا عن البطاطا والبيوت المحمية، وهناك توجه لأن يكون التأمين إلزامي على البيوت المحمية، وهذا الأمر يشكل تعديا على الحرية الاقتصادية، إضافة لكون الملكية الزراعية في سوريا تشوبها عقبات قانونية، فجزء كبير من الأراضي الزراعية السورية بها إشكاليات حول وضعها القانوني، وهذه الحالات تعد عقبة في وجه التعويض في حال الكوارث.

غايات متعددة لا تتعلق بتطوير الزراعة

فيما يخص الغايات غير المعلنة من هذا القرار، تتباين قراءات المحللين بين من يرى أنها لا تتجاوز الدعاية الحكومية، حول وجود اهتمام ودعم ومخططات جديدة لقطاع الزراعة. في حين يرى البعض الآخر أن الهدف الأساسي هو رفد البنية التحتية للمصارف ضمن خطة تحويل مناطق سيطرة الحكومة السورية، وعلى رأسها دمشق إلى ملاذ ضريبي آمن.

يوضح يحيى السيد عمر، أنه لا يمكن الجزم بالأهداف غير المعلنة من هذا المشروع، نظرا لأن خطط حكومة دمشق اتسمت خلال العقود السابقة بالعشوائية وغياب النظرة الاستراتيجية، وهذا ما ينسحب بشكل مباشر على القطاع الزراعي.

في ظل هذه العشوائية يصبح من الصعب التكهن بالأهداف الحقيقية، ولكن يمكن الجزم بأن الهدف ليس تطوير البنية التحتية المصرفية والمرتبطة بالعمل الزراعي والتي يمثلها المصرف الزراعي السوري، فالتطوير يبدأ من قاعدة البيانات وليس من الأدوات المصرفية، فهذه الأدوات منخفضة الفاعلية في ظل انعدام البنية الإحصائية وتشوه البنية القانونية، فالخطوة الأولى يجب أن تكون الإصلاح القانوني، ولاحقا إعداد قاعدة بيانات، وأخيرا تطوير العمل المصرفي.

وهنا يشير السيد عمر، إلى أن البيئة القانونية الناظمة للملكية الزراعية في سوريا مشوهة منذ فترة الوحدة مع مصر، والتي أفسدت الملكية الزراعية وبقيت الملكية مشتتة بين الملاك الكبار وبين صغار المزارعين، وحتى الآن لم يتم البت بهذه المشكلة، وفق تعبيره.

من جانبه، يلمح محمد العبد الله، الباحث في مركز “عمران للدراسات” لـ”الحل نت” إلى أن هذه الخطوة ربما تهدف لقوننة التأمين الزراعي من جانب هيئة الإشراف على التأمين، لتكون بمثابة عامل ضغط على شركات التأمين الخاصة في سوريا، لإدراج التأمين الزراعي في برامج عملها ونشاطاتها والاستفادة من قدراتها المالية، لتغطية الكتلة النقدية الأكبر من محفظة تمويل التأمين الزراعي، مع الانسحاب التدريجي للحكومة السورية من تقديم هذا الدعم.

انسحاب حكومي من دعم قطاع الزراعة؟

يمهد تطبيق التأمين الزراعي تدريجيا لانسحاب الحكومة من تقديم الدعم للمزارعين، والذي كان يتم من خلال صندوقي؛ دعم الإنتاج الزراعي وتخفيف الكوارث.

في هذا السياق، يوضح محمد العبد الله، أن مشروع التأمين الزراعي يصب ضمن مسار الانسحاب التدريجي مؤخراً للحكومة من تقديم الدعم الاجتماعي وتقليصه إلى حده الأدنى. لافتا إلى أن الحكومة وإن ادعت بأنها ستقوم بتحويل الكتلة النقدية لهذين الصندوقين إلى التأمين الزراعي، لكن واقع الحال يؤشر بأنها غير قادرة على الاستمرار في تقديم هذا الدعم في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها وتقلص موارد الخزينة لحدها الأدنى.

بحسب العبد الله، تنظر الحكومة لهذه الخطوة بأنها استثمار حكومي مجدي وبالتالي فهي محاولة من قبلها للاستثمار في هذا القطاع، وتحقيق عوائد مادية من خلال أقساط التأمين، بحسب العبدالله، في إطار سعيها للحصول على أي مورد مالي يمكنها من الاستمرار، وذلك من خلال جعل هذا التأمين إلزاميا بشكل متدرج على المزارعين وأصحاب الثروة الحيوانية، إلى جانب سعيها إلى إشراك جميع من له علاقة بدورة الإنتاج الزراعي من التجار والشركات في تحمل التكلفة، التي ستساهم بها الحكومة في تمويل محفظة التأمين الزراعي والتي تقدر بنسبة 50 بالمئة، وفق ما هو متداول حول هذا التأمين. وذلك من خلال فرض رسوم معينة وضرائب عليهم وتقديم تسهيلات استثمارية كبيرة مغرية لهم في القطاع الزراعي.

فرص نجاح التأمين الزراعي

بشكل عملي، لا يمتلك مشروع التأمين الزراعي في ظل الظروف الراهنة، فرصا كبيرة لتحقيق النجاح. حيث يرتبط نجاح هذه الخطوة بمدى قدرة الحكومة السورية على إقناع المزارعين بهذا التأمين، بينما يفضل غالبيتهم الحصول على الإعانات والدعم، في ضوء ارتفاع تكلفة مدخلات الانتاج والتحديات الكبيرة التي تواجه المزارعين في تسويق محاصيلهم. إلى جانب محدودية الموارد المالية لدى النسبة الأكبر منهم، وعدم قدرتهم على سداد هذه الأقساط.

يتوقع الباحث محمد العبد الله، ألا يكتب لهذه الخطوة النجاح في ظل عدم توافر المقومات الأساسية لنجاح التأمين الزراعي، كالبيانات الزراعية الدقيقة والمنتظمة والقدرة على تحديد كلفة الأخطار الزراعية المتنوعة بشكل صحيح، والتي تمكن من وضع أسعار عادلة لأقساط التأمين.

كما يتساءل الباحث عن مدى قدرة الحكومة على تحصيل أقساط التأمين في مواعيدها المحددة، في ظل انتشار المحسوبيات والفساد المالي في حال ربط التمويل الزراعي بالتأمين.

يشار إلى أن طرح بوليصة التأمين الزراعي لا يتضمن حاليا سوى البطاطا، بينما تقول الحكومة السورية إنها تعد مذكرة للتأمين الإلزامي تخص المحاصيل الاستراتيجية كالقطن والقمح، غير أنها قد تتأخر قليلا ليكون التأمين شاملا لكامل الأراضي السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.