عادة ما تتخذ الحروب أشكالا عديدة. وفي الغزو الروسي لأوكرانيا، بمجرد أن تتحقق مخططات موسكو في غزوها لكييف، فسيكون له حتما آثار مريرة على روسيا والروس والعالم بأسره بدرجة أقل. خاصة الدول المرتبطة والمدعومة من قبل روسيا، لا سيما سوريا. فمهما كانت النتيجة، فإن الحرب ستكلف روسيا ثمنا باهظا.

يدخل هجوم الجيش الروسي على أوكرانيا أسبوعه الثاني. فكيف يمكن أن يتطور الصراع؟ فيما يلي أربع فرضيات من بين أكثر المسارات توقعا. صحيفة “لوتان” السويسرية، نشرت أربعة فرضيات، وما يمكن أن ينتج عنها من عواقب اقتصادية.

الانهيار الاقتصادي وعدم السيطرة على الحدود

بحسب رأي الخبراء العسكريين، يبقى انتصار روسيا هو السيناريو الأكثر ترجيحا، حيث يظل ميزان القوى إلى حد كبير لصالح الجيش الروسي، على الرغم من المقاومة الشرسة من الأوكرانيين، وأوجه القصور الواضحة للقوات المهاجمة، ناهيك عن العيوب في خطة موسكو.

وبعد فشل رهانهم في كييف الأسبوع الماضي، والتقدم البطيء للغاية لقافلة عسكرية ضخمة شمال العاصمة الأوكرانية، تواصل القوات الروسية التقدم على جبهات أخرى أقل حضورا في وسائل الإعلام، خاصة في جنوب أوكرانيا، بحسب الصحيفة السويسرية.

وتابعت الصحيفة، “حتى لو تم سحق الجيش الأوكراني، فإن الواقع ينذر بأسابيع طويلة من القتال العنيف وعشرات الآلاف من القتلى المدنيين، وهذا السيناريو سيضع القادة الغربيين تحت ضغط كبير، وسيُطلب منهم المزيد من التدخل، مع محاولة تجنب حرب مفتوحة مع روسيا، لكن عواقب احتلال أوكرانيا ووضع رئيس لها موال لروسيا لا تعترف بها سوى الدول التي تدور في فلك موسكو، سيزيد من عزلة بوتين على المسرح الدولي”.

وتتساءل الصحيفة في تقريرها، “لكن هل ستنتهي الحرب في أوكرانيا عند هذا الحد؟ مما لا شك فيه أن التجربة العراقية وتجارب احتلال دول أخرى تعطينا درسا مفاده أن الاشتباكات ستستمر، وستكون دائما في مصلحة المقاومين الذين يحظون بدعم السكان”.أما اقتصاديا، إذا انتصرت روسيا، فسيتم الإبقاء على العقوبات، إن لم يتم تشديدها. وسيتم قطع البنوك الروسية بشكل كامل عن نظام المدفوعات الدولي “سويفت”، وسيتوقف الاتحاد الأوروبي العميل التاريخي للغاز والنفط الروسي عن استيراده، الأمر الذي سيحرم البلاد تماما من مكاسبها من الطاقة، وروسيا وأوكرانيا “المنضمة قسرا لها” لن تكون قادرة على تصدير موادهما الأولية ولا المنتجات الزراعية.

حل تفاوضي غير مستقر

اجتمع المفاوضين الروس والأوكرانيون يوم الخميس الفائت، للمرة الثانية في بيلاروسيا منذ بدء الهجوم، وبالتالي فإن القناة الدبلوماسية مفتوحة بين البلدين، ولكن في الوقت الحالي، ليس هناك الكثير مما يمكن توقعه من هذه المحادثات، و لا يزال فلاديمير بوتين وجيشه يهدفان إلى القضاء التام على الجيش الأوكراني، بحسب صحيفة “لوتان”.

وهناك حديث عن تأكيد بوتين على الاعتراف الدولي بانتماء شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وموسكو مهتمة بالجانب الجنوبي من أوكرانيا، وهو ما يمثل أهمية استراتيجية كبيرة لها.

وإذا فشلت موسكو في عزل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فهل يمكن لبوتين أن يكون راضيا عن هذه المكاسب الإقليمية المحدودة؟ لا شك في أن الاتجاهات التالية التي سيتخذها الهجوم الروسي ستكشف نوايا الكرملين.

وبيّنت، “لوتان”، أن “هناك حديث عن احتلال أوديسا في الغرب، وبالتالي ستُحرم أوكرانيا تماما من الوصول إلى البحر الأسود، بعد أن فقدت السيطرة على شبه جزيرة القرم”. سيكون هذا السيناريو تقسيما لأوكرانيا، يمكن أن يعمل نهر دنيبر أيضا كحدود جديدة بين الشرق الذي تسيطر عليه روسيا والغرب حيث تتراجع الحكومة الأوكرانية.

أما اقتصاديا، بالنظر إلى أن هذا السيناريو إذا تم قبوله من قبل أصحاب المصلحة، فسنرى عودة إلى الوضع قبل 24 شباط/فبراير. حيث سيتم رفع العقوبات، وستستأنف روسيا وأوكرانيا إنتاج وتصدير الطاقة والمواد الخام الأخرى، وإعادة ربط البنوك الروسية بنظام الدفع الدولي “سويفت”، أي عودة الأمور الاقتصادية كلها إلى وضعها السابق.

في حال قررت روسيا توسيع الصراع غربا؟

هذا واحد من أكثر السيناريوهات رعبا لقوات الناتو. ويمكن تنفيذه من خلال هجوم مدرع تدعمه طائرات الهجوم الأرضي “Su-255-M” المتمركزة حاليا في مطار بريست البيلاروسي، لقطع اتصالات المقاومة وخطوط الإمداد في غرب أوكرانيا والالتفاف على كييف واحتلالها.

وبحسب “لوتان”، هذا سيناريو مخيف، لأنه سيؤدي إلى انسحاب القوات الأوكرانية باتجاه الحدود البولندية، واعتراض الجيش الروسي قوافل الأسلحة التي يزودها الأوروبيون، وترى وزارة الدفاع البولندية في وارسو أنه “طالما أن موسكو تركز الهجوم على شرق أوكرانيا، لا يزال خطر انتقال العدوى إلى الدول الأوروبية المجاورة محدودا، ولكن إذا اقتربت القوات الروسية من مدينة لفيف، على بعد 70 كيلومترا من بولندا، فإن أدنى انزلاق قد يكون له عواقب وخيمة لا حصر لها.

أما اقتصاديا، سيؤدي هذا السيناريو لتشديد العقوبات الاقتصادية، وسيتوقف إنتاج النفط والغاز والمواد الخام الأخرى، وسترتفع الأسعار العالمية بسبب انخفاض العرض، وسيدخل الاتحاد الأوروبي تدريجيا حالة من الركود التضخمي وسيكون النمو معرض للخطر، وكذلك تقويض ثقة المستثمرين والمستهلكين.

قد يهمك: “الأرض المحروقة” من سوريا إلى أوكرانيا.. هل تكررها روسيا؟

حرب لم يحسب لها بوتين!

تقول صحيفة “لوتان”، أظهر الأسبوع الأول من الهجوم، بالإجماع من قبل الخبراء العسكريين ووفقا لبعض شهادات الجنود الروس الأسرى، أن الروح المعنوية للقوات الروسية لم تكن في حالة جيدة، ولم يكن يعرف شيء عن الخطط الحربية سوى ثلة قليلة من القادة المقربين من بوتين.

في محاولة لتقليل من استياء الشعب الروسي، وإلحاق الأذى بالشعب الأوكراني الشقيق، احتاجت هيئة الأركان العامة الروسية إلى حرب قصيرة ونظيفة، لكن من الواضح أنها لن تفعل ذلك.

وتضيف الصحيفة في السيناريو الرابع، “حتى لو تبين أن الهجوم على أوكرانيا يمثل كارثة بالنسبة لموسكو، فإن الدول المتحالفة مع أوكرانيا أجمعت على محاولة إيجاد مخرج يضمن الاستقرار بعد ذلك، وفي سيناريو الهزيمة الروسية، سيسعى بوتين أو خليفته المحتمل إلى إعادة بلاده إلى المسار الصحيح وتقريبها من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
أما اقتصاديا، سيتم تخفيف العقوبات تدريجيا، وسيعود المستثمرون وسيبدأ الاقتصاد في التعافي، وستعود روسيا لأنها كانت شريكا مهما للاتحاد الأوروبي، وسيتم تصدير النفط والغاز الروسي وعودته للعملاء التقليديين، كما تعود شركات الطاقة متعددة الجنسيات لموسكو وسيعود الاقتصاد لانتعاشه وتنخفض الأسعار.

السيناريوهات المعروضة كلها واردة في عالم الحروب، ويمكن أن تتقاطع وتؤدي إلى نتائج جديدة ومختلفة. لكن بغض النظر عن كيفية انتهاء أي حرب، لن يعود العالم إلى ما كان عليه قبل الحرب.

بعد هذه الحرب التي لا نعرف متى وأين ستنتهي، حتما ستكون علاقة روسيا بالخارج، وخاصة الدول الكبرى، مختلفة تماما. حيث سيكون التعامل مع القضايا الأمنية من قبل الأوروبيين والولايات المتحدة مختلفا.

قد يهمك: طائرات غربية مقاتلة لردع الغزو الروسي لأوكرانيا.. ما الاحتمالات؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة