وصلت أصداء الحرب التي شنتها روسيا على جارتها الأوكرانية إلى ما يبعد آلاف الكيلومترات عن أرض المعركة، كيف لا وقد ربطت حكومة دمشق الاقتصاد السوري وموارده الحيوية بروسيا من خلال بيعها وتسليمها ما تبقى من سيادتها على الأرض والاقتصاد للروس من بيع للموانئ الحيوية والتي كانت تمتلكها سوريا، بعد إبرام عشرات الاتفاقيات التي تعتبر مجحفة بحق الشعب السوري كبيع الموارد الطبيعية للروس، ومنحهم أحقية استخراج النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية بعقود تصل لعشرات السنين للروس، فضلا عن الفوسفات الذي سيطرت عليه روسيا بالقوة بعد إخراج الإيرانيين من أكبر حقوله، بخاصة وأن سوريا تحتل المرتبة الثانية كأكبر احتياطي عربي من الفوسفات.

وفي ظل العقوبات التي تتلاحق على روسيا من قبل الدول الأوروبية ودول أخرى، ستزيد هذه العقوبات من عزلة حكومة دمشق وسيزيد الوضع الاقتصادي سوءا في سوريا، حيث أن الفتات الذي كان يدعم به الروس حكومة دمشق من أموال ومواد أساسية مقابل ما باعته حكومة دمشق لها، سيجف أكثر بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

الليرة السورية والروبل الروسي في مهب الريح!

كانت الليرة السورية على موعد انهيار جديد بعد أيام من الغزو الروسي لأوكرانيا، فقد انخفضت الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي لتصل إلى 3950 لكل دولار أمريكي، حيث أن الغزو الروسي كان بمثابة القشة التي تقسم ظهر البعير، فأول الدول الداعمة والمساندة لحكومة دمشق تعاني من انهيارا في بورصتها وعملتها المحلية، ومن المتوقع أن يكون هناك اتفاقيات أبرمت في السنوات السابقة لاعتماد العملة الروسية في المعاملات بين البلدين، أي أننا أمام ربط بين العملة الروسية والاقتصاد السوري لينعكس ذلك على أداء الليرة السورية نحو مزيد من الانخفاض، ولما لا وحكومة دمشق تعتبر نفسها شريك غير مباشر وداعم قوي للحرب الروسية على أوكرانيا، كما أن الشائعات المتضاربة حول حل سياسي يشمل مقايضة الروس بسوريا مقابل أوكرانيا يزيد الضغط على الليرة السورية.

وللمفارقة، فإن سبب انخفاض قيمة الليرة السورية لا يتوقف فقط على انعكاسات الغزو الروسي فقط وإنما على حالة الاقتصاد السوري الذي يعاني من تضخم كبير جدا، بالتزامن مع ضعف القوة الشرائية لدى المواطنين وتآكل مدخراتهم ورواتبهم المقومة بالليرة السورية، ولا ننسى أن سعر الصرف في سوريا لا يحدد نتيجة العرض والطلب وإنما نتيجة القبضة الأمنية والقوانين المجحفة التي تصدرها حكومة دمشق لكل من يتعامل بغير الليرة السورية، ومن المتوقع أن يكون هذا الانخفاض في قيمة الليرة السورية مؤشر لانخفاض أكبر في الأيام المقبلة.

أما عن الروبل الروسي لم يكن بصاحب الحظ الوفير، حيث انخفض لأدنى مستوياته في تاريخه، حيث انهار الروبل الروسي نتيجة ذلك الغزو والعقوبات المباشرة التي فرضت على روسيا من مستويات 75 إلى مستويات 112 روبل لكل دولار أمريكي، وكانت أولى قرارات الرئيس الروسي بعد 5 أيام من قراره لغزوه أوكرانيا، بأن يُحجم من كتلة الأموال التي ستحول إلى خارج روسيا بألا تتجاوز 10 آلاف دولار أمريكي، ويأتي السؤال كيف لبلد يمكن أن يحتاج من يدعم اقتصاده إذا ما استمر بغزوه، كيف له أن يدعم غيره.

القمح الروسي والتنسيق العميق مع سوريا؟

بحسب تصريحات سابقة لبعض المسؤولين في حكومة دمشق، فإن الأخيرة تعتمد على القمح الروسي لتغطية العجز لديها، حيث انخفض إنتاج سوريا من القمح في العام المنصرم 2021 إلى 1.05 مليون طن، بحسب تقارير أممية، وبحسب بعض البيانات فإن حكومة دمشق تحتاج إلى ما يقارب 2 مليون طن من القمح لتغطية حاجة المناطق الخاضعة لسيطرتها.

وبحسب منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو) فإن حكومة دمشق تستورد من روسيا ما ينقصها لتغطية عجزها، وقد أعلنت روسيا أنها أرسلت مليون طن من القمح إلى سوريا عام 2021، كما تتطلع روسيا بأن تكون سوريا مركزا رئيسيا في الشرق الأوسط لبيع القمح الروسي، بحسب ما صرح به مسؤولون روس في وقت سابق.

ومع تقدم روسيا نحو أوكرانيا عسكريا وغزوها، يرى مراقبون بأن الأولى لن تقوم بتقديم كميات كافية من القمح لحكومة دمشق لتغطي بها العجز التي تعاني منه، فالحرب تستنزف موارد الدول وتجعلهم أكثر حيطة وبخل في تصدير قوت شعوبهم للغير؛ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ليس من مصلحة الروس تصدير القمح إلى حكومة غارقة بالديون وتعاني من عقوبات مفروضة عليها من قبل أغلب دول العالم، وخاصة بعد أن ارتفعت أسعار القمح لأعلى مستوياتها منذ أكثر من 9 أعوام، فروسيا ستتطلع للاستفادة من كل صادراتها لإدخال القطع الأجنبي إليها؛ في ظل انخفاض قيمة عملتها المحلية “الروبل”، حيث تمثل صادرات روسيا من القمح إلى العالم ما نسبته 17 بالمئة من إجمالي تجارة القمح.

من جهته قال الخبير الاقتصادي، أسامة القاضي لـ”الحل نت”، إن حكومة دمشق حاولت الاعتماد على القمح الروسي خلال السنوات الماضية لتعويض عجزها، إلا أن الروس قد خذلوها وألغوا عقودا متعلقة بتوريد القمح لحكومة دمشق أكثر من مرة، معللا ذلك بأن الروس يريدون ثمن القمح مباشرة، ولا يريدون إضافة مبالغ القمح إلى الديون المتراكمة على حكومة دمشق.

وتابع حديثه لـ”الحل نت”، “لو كانت روسيا تقدم لحكومة دمشق القمح، لما وجدنا استمرارية لأزمة الخبز في المناطق التي تسيطر عليها حكومة دمشق. الغزو الروسي لأوكرانيا سيزيد الوضع صعوبة على حكومة دمشق بالنسبة لتوريد القمح، أو حتى بمسألة تمرير النفط الإيراني، فالغزو شكل أزمة اقتصادية خانقة للروس أنفسهم”.

وختم القاضي بالإشارة إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا لو طال أكثر من شهرين فلا يمكن أبدا لحكومة دمشق أن تعتمد على روسيا بأي شيء، وفق تعبيره، لأن روسيا ستكون ملتفتة بشكل تام إلى ملف أوكرانيا الذي تعده ملفا محليا ومسألة أمن قومي لها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.