مصالح متضاربة في سوريا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا

مصالح متضاربة في سوريا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا

في ظل استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، وابتعاد موسكو شيئا فشيئا عن التهدئة، لا سيما وأن مبررات إدعائها لشن الحرب على أوكرانيا باتت متصلبة أكثر، إثر المناكفات التي تفتعلها بعد إعلان حزم متعددة من العقوبات الغربية ضد موسكو التي اجتاحت عدة مدن أوكرانية منذ الـ25 من شهر شباط/فبراير الماضي.

وزارة الخزانة الأميركية، قالت يوم الجمعة الفائت، إنها فرضت عقوبات على أشخاص مقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب “تمكينهم بوتين من شن الحرب ضد أوكرانيا”.

وأوضحت وزارة الخزانة، في بيان، أن العقوبات شملت مسؤولين روس و12 عضوا من مجلس الدوما ورجال أعمال وبعض أفراد عائلاتهم.

وشملت العقوبات 3 أفراد من عائلة المتحدث باسم “الكرملين” ديمتري بيسكوف، ورجل الأعمال الروسي فيكتور فيكسيلبيرغ و 10 أعضاء من مجلس إدارة بنك “VTB” الخاضع للعقوبات، و 12 عضوا من “مجلس الدوما”، بمن فيهم رئيس المجلس فياتشيسلاف فولودين، ورئيس “الحزب الشيوعي” غينادي زيوغانوف.

وحظيت العقوبات على زيوغانوف بتغطية خاصة في وسائل الإعلام الحكومية الروسية، وقد وصف غينادي زيوغانوف تطبيق العقوبات عليه بـ”المكافأة وإقرارا لجهوده من أجل إحلال السلام والنضال ضد النازية”، مرددا الحجج التي برر بها بوتين غزو أوكرانيا.

يذكر أن ديمتري بيسكوف صدرت بحقه عقوبات في 3 مارس/ آذار بسبب “دوره الرئيسي في الترويج لروسيا”، لكن وزارة الخزانة الأمريكية أعلنت، الجمعة، فرضت عقوبات على زوجته، تاتيانا نافكا، واثنين من أبنائه.

في حين فرضت الدول الغربية عقوبات غير مسبوقة على الشركات والنظام المالي الروسي منذ غزو أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي فيما تسميه روسيا عملية عسكرية خاصة.

تتداخل المصالح المتشابكة في الملف السوري، بعد زيادة أعباء الغزو الروسي في ظل عدم وضوح أية رؤية للتهدئة وتخفيف الصراع هناك.

الملفات المتداخلة تؤثر بشكل أو بآخر بالملف السوري، لاسيما وأن الحرب في أوكرانيا بات تأثيرها وامتدادها على المنطقة لاسيما على سوريا، يتوسع بشكل أكبر. فضلا عن ترابط هذا الملف مع ملف مفاوضات الاتفاق النووي الجديد مع إيران، والذي لو أنجز قريبا كما تشير التوقعات التي تتكهنها التقارير الصحفية الغربية، فإن متغيرات قد تكون حاصلة تجاه النفوذين الروسي والإيراني في سوريا خلال الفترة المقبلة، لا سيما وأن ذلك قد يترافق مع قدرة إيران على الخروج من عباءة الروس بخاصة إذا ما تم الاعتماد على إيران كبديل عن روسيا في توريد الطاقة إلى أوروبا.

هذا وتتلاحق التطورات العسكرية والدبلوماسية في الحرب الروسية على أوكرانيا، في الوقت الذي أشار فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلى تغيّر جوهري في الموقف الروسي خلال المفاوضات السياسية الرامية إلى إنهاء الغزو الروسي.

وفي حين تتواصل المساعي الدولية لخفض التصعيد، تتخذ التطورات الميدانية منحى تصعيديا على مستوى التصريحات والعمليات العسكرية. بينما قالت روسيا إن القوافل التي ستنقل السلاح إلى أوكرانيا ستكون هدفا مشروعا لقواتها، بينما بثت شركة “ماكسار” للأقمار الصناعية صورا قالت إنها تظهر آثار الدمار في مدينة ماريوبول المحاصرة جنوبي أوكرانيا.

تركيا والتفاهمات الروسية

لعل الأزمة التي تقع فيها أنقرة حاليا فيما يتعلق بما يجب عليها القيام به تجاه روسيا وأوكرانيا التي تربطها بالطرفين علاقات متبادلة وبأصعدة مختلفة.

أنقرة العضو في حلف “الناتو” المعارض للغزو الروسي، تجد حرجا في إعلانها عقوبات على موسكو كباقي أعضاء الحلف، هي أيضا تجد نفسها في مأزق إذا ما ذهبت بعيدا في الصمت عن الغزو الروسي والمضي أكثر في مثل هذا الوقت بعلاقاتها الاستراتيجية مع الروس سواء على صعيد الأسلحة العسكرية الدفاعية، أو المحطة النووية التركية، إلى جانب علاقات الطرفين في سوريا التي باتت مهددة أكثر من أي وقت مضى، بحسب ما أفاد به الباحث في العلاقات الدولية، رياض السعيدي، الذي أشار خلال حديثه لـ”الحل نت” إلى إمكانية ذهاب واشنطن للإصرار على حسم الملفات العالقة مع روسيا بأي شكل من الأشكال، ولعل الملف السوري أبرزها وأعقدها لذا فإن الخيارات أمام تركيا ستكون صعبة، كما هو الحال بالنسبة لوجود نفوذها على الأرض السورية، وضمان استمرار مسار “أستانا” التي تتشارك فيه أنقرة إلى جانب طهران وموسكو.

روسيا وإيران

كذلك يأتي أيضاً تداخل المصالح الروسية الإسرائيلية في سوريا، إلى جانب تداخل المصالح الروسية الايرانية. فالأخيرة مُعرضة للتدهور في خضم العرقلة الروسية لمفاوضات الاتفاق النووي مع إيران، في ظل تنسيق خاص روسي إسرائيلي ينبني على تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا على وجه التحديد، وهذا ما قد يتغير خلال الفترة المقبلة إذا ما أتمت الدول الغربية اتفاق نووي جديد مع طهران، وفق حديث الباحث السياسي، ماهر أبو غوش.

فيما حذر أبو غوش من أن مصير الميليشيات الإيرانية في سوريا سيكون مصدر توتر وزعزعة استقرار في المنطقة، لا سيما وأن أي اتفاق نووي محتمل قد لن يحمل معه آلية تنفيذية لتبديد نفوذ هذه الميليشيات، “على العكس فإن عناصر الوجود الإيراني قد ينتعشون ضمن مرحلة جديدة وإن اعتبروا أنهم خرجوا من عنق الزجاجة، إلا أن لاعبين جدد في المنطقة سيسعون لاستهدافهم ليكون بذلك تصعيد جديد يطالهم إلى جانب الإسرائيليين الذين لن يتوقفوا عن ضرب أماكن تواجد الميليشيات الإيرانية في سوريا”.

يذكر أن الرئيس الأميركي جو بايدن، أعلن في أكثر من مرة رغبة بلاده واستعدادها للعودة لاتفاق جديد بخصوص البرنامج النووي الإيراني، وقد بدأت المفاوضات مجددا في نيسان/أبريل 2021، وتعقد الجلسات في العاصمة النمساوية فيينا بحضور صيني روسي فرنسي ألماني بريطاني، وتشير المفاوضات في فيينا إلى عودة الولايات المتحدة وإيران للاتفاق النووي الموقع عام 2015، وتوصل الأطراف المختلفة إلى التفاهمات المطلوبة، في ظل الحديث عن إحراز تقدم كبير هذه المرة.

وعلى الرغم من التعقيدات التي تعتري المفاوضات والعراقيل التي توضع من الأطراف كافة، فإن اتفاقا جديدا يتم رسمه ومن الممكن أن يظهر للعلن في أي وقت، ولولا اندلاع الحرب في أوكرانيا لكان الاتفاق قد وقع من الأطراف كما يرى مراقبون، لكن تحذر كل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، من أن المفاوضات بخصوص إحياء الاتفاق النووي مع إيران قد تنهار بسبب المطالب الروسية، فقد طلبت موسكو بشكل مفاجئ ضمانات ملزمة بأن التجارة الروسية مع إيران لن تتأثر بالعقوبات المفروضة على موسكو بسبب عمليتها العسكرية على أوكرانيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.