يحتفل الملايين من الأكراد في 21 آذار/مارس من كل عام بعيد “نوروز” التي تعني باللغة الكردية “اليوم الجديد”، ويعتبر عيد رأس السنة لديهم.

يعتبر غالبية الأكراد أن عيد “نوروز”، عيدا ثقافيا أو دينيا منذ مئات السنين، لكنه أخذ طابعا قوميا مؤخرا وخاصة في العصر الحديث، إذ بات حدثا سنويا يؤكد من خلاله الأكراد على هويتهم ومطالبهم وحقوقهم القومية والسياسية في كل من المدن الكردية في سوريا والعراق وتركيا وإيران.

في السياق التاريخي فإنه  يُعتقد أن جذور عيد “نوروز” تعود إلى عصور قديمة جدا، ففي المدن الكردية في يقوم الأكراد بتنظيف المنازل وتحضير وجبات الطعام وتلوين البيض وشراء الألعاب النارية لليوم الأول، ولكن أبرز ما يميز الحفل هو إشعال نار كبيرة في كل منطقة أو حي في المدينة، والخروج للاحتفال، والتنزه والرقص والغناء.

وفي بعض المدن الكردية، يقوم الأكراد بالقفز على النار، ربما كرمز للتغلب على الشتاء. كما أصبح “نوروز” مهرجانا به قدر كبير من القومية والسياسة، لأنه مرتبط بانتصار الحداد كاوا، الذي كان كرديا كما تروي الأسطورة، على الطاغية “ضحّاك”، وهي قصة ترمز إلى انتصار ثورة العوام على الحاكم المستبد، وفق ما أفادت به أيضا أحد المصادر كالدراسة التاريخية التي صدرت عن البروفيسور كوزاد محمد أحمد، رئيس قسم الآثار في جامعة “السليمانية” في إقليم كردستان العراق.

كُـرديات بالزي الكُردي بحتفلن بعيد نوروز

لعب عيد “نوروز” ولا يزال، دورا كبيرا في تعزيز وتوطيد الوعي الجماعي لدى المحتفلين به. ولطالما كان، مثل أي مهرجان آخر، أداة لتذكير الناس بالقضية المشتركة التي تربطهم ببعضهم البعض، سواء كانت وطنية أو دينية أو طائفية أو قبلية أو أيا كانت. ولهذا السبب بالذات على ما يبدو، حظرت حكومات العراق وسوريا وتركيا الاحتفال لمدة عقود بعيد “نوروز”.

عقود من الحظر لعيد “نوروز”

في العراق وسوريا، بعد عقود من الحظر، سمحت حكومة البعث بذلك ولكنها أنشأت مهرجانا موازيا لـ “نوروز” ليطغى عليه سمي بـ ”عيد الشجرة” في العراق، وعيد الأم في سوريا، أما في تركيا وحتى وقت قريب جدا، كان يتم سجن المحتفلين به، وكانت عربات الإطفاء تبحث عن نار “نوروز” لإطفائها.

حيث لم يكن مسموحا بالاحتفال بـ “نوروز” في كل تركيا وسوريا حتى وقت قريب، لكن أكراد إيران والعراق كانوا أكثر حظا من أقرانهم، لأن الإيرانيين أنفسهم يحتفلون بها حتى مع اختلاف طقوسهم، بينما عزز الأكراد في العراق الاحتفال بها بعد تأسيس إقليم كردستان العراق.

الحكومات المتعاقبة في كل من سوريا وتركيا منعت بشدة الاحتفالات واعتقلت المشاركين فيها، لدرجة أن الكثيرين دفعوا حياتهم لإحياء ذكرى هذا اليوم، وخاصة في أوائل التسعينيات عندما تم استخدام المدرعات والرصاص الحي ضد المشاركين في الاحتفالات في مدينة جزرة بتركيا، واعتقلت السلطات كثيرين منهم حتى من هم دون سن الثامنة عشرة.

بينما مارست الحكومات السورية المتعاقبة تمييزا وتهميشا وحالة من الإقصاء بوضوح تام ضد الهوية الكردية، تحت ذريعة عدم الاتجاه نحو المطالبة باستقلال لمناطقهم الكردية وإقامة دولة كردية، فضلا عن حرمان حوالي نصف مليون كردي في سوريا من الحصول على الجنسية السورية، وفقا لقرار تعسفي صدر في عام 1962 بحق الأكراد، مما جعلهم أكثر تمسكا بهويتهم وقوميتهم.

عيد “نوروز” و “الأم” في نفس اليوم بسوريا؟

في حديث مع أحد الناشطين السياسيين في الحركة الكُردية في السبعينيات والثمانينيات، محمد داوود، والذي قال لـ”الحل نت” إنه “في العاصمة السورية، دمشق، وفي عام 1986، وعند قيام الأكراد بالاحتفال، كانت الحكومة السورية قد شددت من الإجراءات الأمنية، حيث قامت قوات الأمن السورية بتفريق الأكراد المحتشدين في ساحة شمدين لمنع الناس من الوصول إلى مكان الاحتفال الذي كان مقررا وقتذاك في الغوطة بضواحي دمشق، فتوجهوا في مسيرة سلمية نحو القصر الجمهوري، على خلفية منع الاحتفال، لكن عناصر الأمن فرقتهم، بإطلاق الرصاص الحي عليهم، مما أدى إلى مقتل شاب وإصابة خمسة آخرين”.

وأردف السياسي الكردي لـ “الحل نت”، بأن انتشار خبر مقتل الشاب بسرعة كبيرة، فخرج الأكراد في كل المدن التي يتواجدون فيها بكثافة منددين بمنع السلطات لاحتفالات عيد “نوروز” وبمقتل الشاب، وعلى إثر ذلك جرى المزيد من الاعتقالات من قبل عناصر الأمن السورية، وخاصة في المدن الكردية في شمال شرقي سوريا.

شعلة الاحتفال “نار نوروز”

نتيجة لذلك، في عام 1988، أعلن حافظ الأسد، الرئيس السوري السابق، يوم 21 آذار/مارس عطلة رسمية، ولكن ليس بمناسبة عيد “نوروز”، بل بمناسبة عيد “الأم”، على الرغم من أنه من المعروف أن الاحتفال بعيد “الأم” كان يحصل في سوريا خلال السنوات التي سبقت القرار في 13 أيار/مايو من كل عام.

وبعيدا عن حقيقة أن عقلية “حزب البعث” قمعية وضيقة، لكن اتخاذ حافظ الأسد هذه الخطوة كانت خبيثة ومراوغة، حيث سحب البساط من تحت أقدام البعثيين العنصريين، وفي خطوة لاحتواء الأكراد وعدم الصدام معهم وتأجيج الوضع الذي لم يكن معروفا إلى أين سيصل، إضافة إلى توطيد حكمه أكثر في البلاد.

مشاهد من الذاكرة

كانت الأجهزة الأمنية السورية تحاول بشتى الوسائل منع الاحتفال بعيد “نوروز”، مثل فرض يوم “عمل تطوعي” من قبل المؤسسات والدوائر الحكومية والمدارس في المدن والمناطق الكردية، رغم أنها كانت عطلة رسمية بمناسبة عيد “الأم”، بحسب رودي شيخو، أحد سكان مدينة قامشلي.

ويسرد شيخو في مشاهد من ذاكرته، خلال حديثه مع “الحل نت”، قائلا “أثناء تعليمي في الثانوية، عام 2006، كان يتزامن نهاية شهر آذار/مارس مع مواعيد المذاكرات (الاختبارات) الفصلية، وكانت المدارس تحدد مواعيد قبيل هذا اليوم بالتحديد أو بعده مباشرة، وحصرا كانت إدارة معظم المدارس في المدن الكردية تُقرر بتحديد مذاكرة مقرر “القومية”، وإذا صادف يوم نوروز عطلة نهاية الأسبوع، كان يُطلب من جميع الطلاب الحضور إلى المدرسة من أجل القيام بـ عمل تطوعي، أو ما شابه، في سبيل تخريب أو عرقلة الأكراد من الاحتفال في نوروز”.

وأوضح شيخو، أنه “لم يكن يحضر أحد فعاليات ما يسمى باليوم التطوعي من قبل إدارة المدرسة في ذلك الوقت، حيث كنت أنا وأصدقائي وأبناء أقاربي وأعتقد أن معظم الشباب كانوا كذلك، نشعل شعلة “نار نوروز”. ونتيجة لذلك كنا نواجه الدوريات الأمنية ورجال الشرطة الذين كانوا في حالة تأهب منذ صباح يوم 20 آذار/مارس وحتى نهاية يوم نوروز، حيث أن هذه الشعلة هي الجزء الرئيسي من الاحتفال”.

Syrian Kurds march with torches during celebrations of Nowruz, the Persian New Year, in the Kurdish-majority city of Qamishli in Syria’s northeastern Hasakeh province, on March 20, 2021. – The Persian New Year is an ancient Zoroastrian tradition celebrated by Iranians and Kurds which coincides with the vernal (spring) equinox and is calculated by the solar calendar. (Photo by Delil SOULEIMAN / AFP)

وتابع أيضا “في مشهد آخر أتذكره وقد كنت صغيرا، وأبي لا يزال يردده حتى اليوم في كل نوروز، حيث كنا ذاهبين في الصباح الباكر إلى نقاط الاحتفال في القرى بريف القامشلي، وكانت حركة السير مزدحمة جدا، وفي هذا اليوم بالذات يكون شديد الازدحام، وكنا على تقاط الطريق الدولي M4 أمام مطار القامشلي الدولي تقريبا، حيث حاجز للحكومة السورية هناك وقد أوقفنا شرطي أمام الحاجز، وسأل أبي إلى أين تذهبون، وهو يعرف جيدا بأننا ذاهبين للاحتفال، ولكن لكي يغيظ والدي، وبدوره أبي لم يأخذ في الحديث وقال رحلة استجمام، والشرطي هنا ضحك ببغض وقال “رايحين عنوروز ما”، وفقا لشيخو في لقائه مع “الحل نت”.

وتابع شيخو: “كنت في ذلك الوقت أرتدي الزي الكردي، وكانت هناك أشرطة ملونة بثلاثة ألوان (الأخضر والأحمر والأصفر) على كتفي، تدل على العلم الكردي، وحين شاهدها الشرطي الذي أوقفنا على الحاجز، مد بيده وانتزعهم بطريقة عنيفة، وقال لوالدي بنبرة حادة لا أريد أن أرى هذه الأشياء مرة أخرى، أو في المرة القادمة ستواجه أسلوب آخر. حقيقة في ذلك الوقت، كان الزي الكردي والعلم الكردي شبه ممنوع، ولم يكن يرتديه أحدا إلا نادرا، لتفادي مضايقات أجهزة الأمن السورية”.

كذلك وفي ممارسات قمعية قامت بها قوات الأمن السورية، في سبيل ترهيب الأكراد والتضييق عليهم، أطلقت في “نوروز” عام 2008، قوات الأمن النار على المشاركين في عدة مدن وخاصة في مدينة القامشلي. وفي عام 2009، قتل اثنان في مدينة الرقة بالرصاص الحي واقتيد العشرات منهم إلى السجون، كما اعتقل العشرات في حلب ومثلها في مناطق أخرى من البلاد.

كانت الاعتقالات بحق الأكراد المحتفلين بـ “نوروز” تجري بموجب حالة الطوارئ التي أعلنت في 8 آذار/مارس 1963، وكانت التهم التي توجه إلى المعتقلين الأكراد تستند على مادتين من قانون العقوبات السوري (المادة 267 و 307)، حيث كانت تدعي السلطات بأن الأكراد يسعون إلى تقسيم سوريا، إلا أن الأحزاب الكردية في البلاد تنفي ذلك ولم يثبت عليها أي دليل مادي على ذلك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.