اصطفت الإمارات بشكلٍ علني ضد الثورات العربية وليس ضد الإسلاميين فقط، وإلى جانب الأنظمة المستبدة منذ 2011، وموقفها من النظام السوري يُقرأ في هذا الإطار؛ فهي مع السيسي وقيس سعيد وبالتأكيد مع حفتر، وهكذا دواليك. إذاً ما الجديد في تلك الزيارة.

هي أول زيارة للرئيس السوري بعد 2011، إلى دولة عربية، وهذا له دلالات. تأتي زيارته بعد افتتاح سفارة الامارات في دمشق 2018، وبعد زيارةٍ لوفد دبلوماسي إماراتي كبير 2021. كل ذلك ليس الهام، فالمشكلة الرئيسة لدى نظام دمشق هي الحرب في أوكرانيا وتورط روسيا هناك وإيقاف المساعدات من الأخيرة، وحاجته الماسة للمساعدات الاقتصادية، وربما موسكو من رتب الزيارة. الجديد، هو الموقف الإماراتي والسعودي من الأزمة الأوكرانية، حيث لم يُدينا الغزو الروسي، ورفضها تعويض موارد الطاقة الروسية وإيقاف ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً، وبعدها ارتفاع كافة أسعار المواد بالأسواق، بموارد طاقة خليجية، ورفضا الموافقة على العقوبات التي فرضتها أمريكا وأوروبا على روسيا؛ هذا أمر جديد، وسيكون له أثاراً كبيرة على الإمارات والسعودية. الأثار، لأن أمريكا وأوروبا تقودان الأن معركة حصار روسيا، والمسألة تتجاوز الوقوف إلى جانب أوكرانيا، فغير العقوبات الاقتصادية الكبيرة، هناك العسكرة الواسعة في أوربا الغربية والشرقية. الولايات المتحدة الآن تجدّد هيمنها الأحادية على العالم، وبحلفٍعسكريٍّ واقتصادي وسياسي مع أوربا واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وبريطانيا، بينما الخطوة الإماراتية تغرد بسماء أخرى. هل لم تعِ ذلك الإمارات؟ ربما لم تبدأ الضغوط عليها بعد، ولكن تهديد أمريكا للصين بضرورة أن تبتعد عن روسيا ولتركيا بأن ترسل المضادات الجوية الروسية “إس 400” لأوكرانيا، وهناك تسريبات تؤكد أن أمريكا مستعدة للإفراج عن صفقة الطائرات لتركيا قبالة ذلك، وبذلك تبدأ علاقات جديدة وقوية مع تركيا،والضغوط سيشمل بمرحلة لاحقة السعودية والإمارات. الفكرة الأخيرة تتناقض مع انكفاء أمريكا نحو الصين منذ كثر من عقد، والآن هي “بحربٍ” مع روسيا، والحرب هذه، عالمية، وليست محصورة بالأزمة الأوكرانية. هذا لن يتغير، حتى ولو تمّ الاتفاق بين أوكرانيا وروسيا وتوقفت الحرب، فنتائجها ستظل قائمة، وبالتالي هناك عدائية واسعة حالياً؛ أمريكية وبريطانية خاصةوأوربية نحو روسيا. أعلنت الإدارة الأمريكية رفضها للخطوة الإماراتية، وكذلك بريطانيا، وإذا كانت الإمارات تَستخدم الزيارة كورقةٍ ضاغطة على الإدارة الأمريكية من أجل حل المشكلة اليمنية، ووضع شروط على الاتفاق النووي، وتستقوي باتفاقيات إبراهيم مع إسرائيل، فهي لن تتورط كثيراً بدعم النظام السوري.

نعم، الإمارات أعادت علاقاتها مع النظام في دمشق، وبشكلٍ رسمي منذ ثلاث سنوات، ولكن أزمة النظام في تفاقمٍ مستمر، ومن الصعوبة بمكان أن تقدم دعماً اقتصادياً كبيراً، والوعود بخصوص الاستثمارات المستقبلية، كتحفيزٍ للدعم الحالي لن تجعل الإمارات تبتعد كثيراً عن الولايات المتحدة وتتجه شرقاً.

هناك استنتاجات متسرعة في التحليل السياسي بعامة، ويخطأ من يذهب بهذا الاتجاه، ولا يرى أن أيّة أزمةٍ بين بلدين أو في إطار دولة ما، لن تُحَل بسهولة، فكيف بأزمةٍ كبرى كالمسالة الأوكرانية، والتي تشي فعلياً بإمكانية حرب عالمية ثالثة، أو حرب باردة طويلة، أو بحرب نووية، أو بعسكرة أوربا، كما يتم حالياً، أو بتغير كبير في العلاقات الدولية.

لا شك أن متغيرات كثيرة تحدث الآن في العالم، وغزو أوكرانيا، يشيد نظام عالمي جديد، وهذا يعني أننا بمرحلة انتقالية، ومن الطبيعي أن تتبدل فيها العلاقات والأحلاف الدولية. رغم ذلك، ورغم الوجود الروسي والإسرائيلي في منطقتنا، فإن الإدارة الأمريكية لم تغادرها، والحرب الأوكرانية ستدفع نحو إعادة التموضع الأمريكي في شرقنا، سيما أن روسيا والصين تعززان من وجودهما فيه. صحيح أن الموقف الأمريكي من الاتفاق النووي، وعدم وضع شروط على إيران بخصوص تمددها الإقليميترك دول الخليج بفم دولة الملالي، وأن تعطيل روسيا للاتفاق يشجعها على الاتجاه شرقاً. إن روسيا تتخوف من العقوبات الدولية، والصين تتحرك بحذر بالغ، وكذلك تركيا، وبالتالي، الخطوة الإماراتية لا تتجاوز رسالة قوية للإدارة الأمريكية بضرورة أخذ مصالح الخليج، وليس فقط الإمارات بعين الاعتبار، والابتعاد عن “الكيل بمكيالين” التساهل مع إيران والتشدد مع دول الخليج!

الموقف الأمريكي والأوربي بعامة ضد تطبيع النظام السوري مع الدول العربية، ويصرّ على تطبيق القرارات الدولية ليتم التطبيع. رغم ذلك، هذا الموقف لا يتشدّد بتطبيق تلك القرارات، ولهذا ما يزال يدعم فكرة اللجنة الدستورية، ويناقش مؤخراً كيفية الاستفادة من النفط والغاز السوري، وهذا ليس بمعزل عن مناطق سيطرة النظام. حتى الخطوة التي قامت بها، أمريكا، باستثناء المناطق خارج سيطرة النظام من عقوبات قيصر مؤخراً، توضح أنها ليست بصدد مواجهة جادة مع روسيا في سورية، وهذا سيؤدي إلى ترسيخ التقسيمات الدولية والإقليمية للأرض السورية، وهي ستتجه نحو المزيد من التفكك والاستنقاع، وهذا يشبه حصر الأزمة في أوكرانيا، وليس دعمها عبر التهديد بقيام حرب عالمية ثالثة ما لم تتوقف روسيا عن الغزو، والاتجاه فوراً نحو التفاوض حول مستقبل هذا البلد.

ينتقل، وربما يتقاطع محور المقاومة مع محور التطبيع بتلك الزيارة. وهناك أكاذيب كثيرة حول العدائية الكاملة بين المحورين، ولكن الزيارة والتطبيع الإماراتي يشيران بدورهما أن ذلك التطبيع سيُوظف من أجل تخفيف الضغوط عن النظام السوري، وربما تخفيف العقوبات عنه، وهذا مفيد بدوره للأمارات، حيث العلاقات متينة بين النظام السوري وإيران.

صحيح أن الزيارة كانت الأولى للرئيس السوري إلى دولةٍ عربية منذ المقاطعة له، ولكن أيضاً لم يكن فيها استقبال وفقاً للاعتبارات الدبلوماسية لزيارة الرؤساء، وهذا بدوره رسالة لأمريكا؛ فهل تستعيد الأخيرة دول الخليج من جديد بدلاً من أن تدفعها نحو المزيد منالخطوات نحو الشرق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.