نتيجة للصفقات في صادرات الطاقة النووية والأسلحة، تمكنت روسيا من لعب دور في إفريقيا على مدى العقدين الماضيين معتمدة في ذلك، في الفترة الأخيرة، على وجود مقاتلين سوريين. حيث أصبحت عودة “الدب الروسي” إلى إفريقيا واضحة، رغم حالة عدم اليقين التي تحيط بعلاقات موسكو مع هذه القارة، حيث تريد موسكو أن يكون لها موطئ قدم في إفريقيا من خلال التفاوض على صفقات سياسية وعسكرية مع الحكومات التي ابتليت بالانقلابات العسكرية.

“فاغنر” تستخدم السوريين في إفريقيا

تواصل روسيا سياستها المتمثلة في تجنيد المرتزقة السوريين في دول جديدة. حيث تسعى لإيجاد موطئ قدم خارج حدودها من خلال استغلال العوز الاقتصادي الشديد لهذه العناصر.

https://twitter.com/almoukhtar09/status/1506206056782995461?s=20&t=m67ZjtxJDQ0b2LguFnwXJg

ففي الوقت الذي ندد فيه كثير من دول العالم بالغزو الروسي لأوكرانيا، في شباط/فبراير الفائت، استضافت بانغي، عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى، تكريما للقوات شبه العسكرية الروسية التي ساعدت الجيش في انقلابه. من خلال نصب تمثال بالحجم البشري يصور قوات الأمن في إفريقيا الوسطى والروسية وهي تحمي امرأة وطفلها.

من يقف وراء دعم مجموعة “فاغنر” الروسية، هو حليف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يفغيني بريغوزين. حيث يوفر مقاتلو “فاغنر” الأمن لرئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، فوستين أرشانج تواديرا. وقد تم رصد تحركاتهم من سوريا إلى ليبيا ومن موزمبيق إلى مالي.

صحيفة “فورين بولسي”، نشرت تقريرا يوضح أن الروس يعرفون أن معركتهم في إفريقيا الوسطى ستكون معركة طويلة. وهي بحاجة إلى مقاتلين سوريين يقاتلون أو يموتون من أجل ذلك. إذ قدرت الصحيفة أن تواجد “فاغنر” يتراوح بين 1200 و2000 مقاتل، وبالكاد يكون يخفون أنفسهم في بانغي. حيث يمكن رؤيتهم يرتدون ملابس مموهة، ويتجولون في مركبات عسكرية لا تحمل أي علامات.

فعلى الرغم من النكسات العسكرية وسياسة مكافحة الإرهاب الحذرة، استفادت روسيا من المشاعر المعادية للغرب. كما كان لترويجها لنموذجها السوري في مكافحة المعارضة للحكومة، دورا في تأمين صفقات أسلحة وعقود اقتصادية. إذ تعتبر روسيا بائع السلاح الرئيسي لإفريقيا، حيث زودت 49 بالمئة من أسلحة شمال إفريقيا. و28 بالمئة من أسلحة جنوب إفريقيا بين عامي 2014 و 2018. فضلا عن العديد من الدول الإفريقية التي تعاني من الانقلاب.

للقراءة أو الاستماع: هل أصبح المرتزقة السوريون ملجأ بوتين للتخلص من الضغط الشعبي بعد خسائره في أوكرانيا ؟

من ليبيا إلى بانغي

ومما يثير الانزعاج أن تدخلات موسكو الأمنية في البلدان التي مزقتها الحروب، أنها كانت حريصة على إشراك السوريين في معارك وتمويلهم وتدريبهم على أنشطة ترقى إلى جرائم حرب. وكل هذا يتم تحت إشراف وتسهيل من الحكومة السورية. حيث سمحت لهم بالانتقال من مدنهم إلى آخر نقطة تجمع لهم، وهي قاعدة “حميميم” الجوية الروسية، تمهيدا لنقلهم إلى الخارج.

والمفاجأة الجديدة على الشارع السوري، كانت رغبة روسيا في جلب مجموعات جديدة من المرتزقة السوريين وإرسالهم إلى جمهورية إفريقيا الوسطى. فبعد أن انتهت عقودهم ومدتها خمسة أشهر منذ منتصف حزيران/يونيو 2021، والتي وقعتها روسيا معهم لإرسالهم إلى ليبيا. عرض ضابط روسي مسؤول عن المرتزقة السوريين، عليهم عقدا جديدا للقتال هذه المرة في وسط إفريقيا، بحسب وسائل إعلام سورية.

كما نقلت شبكة “السويداء 24” المحلية، عن سوري يقاتل في ليبيا قوله، إن “الضابط الروسي المسؤول عن ليبيا عرض توقيع عقد جديد وإرسالنا إلى إفريقيا الوسطى”. وأضاف “البعض وافق وتم نقله عبر قاعدة الجفرة الجوية هناك والغالبية خائفة وتنتظر العودة لسوريا”.

وعن دور الحكومة السورية، وكما ذكر الموقع، أنه يجب على المقاتلين الحصول على الموافقات الأمنية من المخابرات العسكرية التابعة لوزارة الداخلية، من أجل السفر إلى خارج سوريا، عبر سياسة تجنيد تتبعها شركات أمنية مع مكاتب إقليمية لجذب الشباب.

وأكد الموقع، أنه حصل على وثيقة تتضمن أسماء نحو 20 ألف سوري مسجلين في شركات أمنية تجذب المرتزقة إلى ليبيا. بعد الحصول على موافقات أمنية، وهي أرقام تتزايد وتشير إلى وجود جيش من المرتزقة لروسيا في سوريا. وفي  تموز/ يوليو 2021، أفادت الشبكة أن العائدين رفضوا تجديد العقد مع موسكو لمدة خمسة أشهر أخرى. لأن العقد الجديد ينص على قتالهم إلى جانب شركات الأمن الروسية في جمهورية إفريقيا الوسطى.

للقراءة أو الاستماع: تجنيد المرتزقة السوريين في أوكرانيا: هل تحتاج روسيا للأسد في حربها؟

النفوذ الروسي في جمهورية إفريقيا الوسطى

تواجه روسيا اتهامات دولية من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ببذل جهود “للاستيلاء على السلطة” في وسط إفريقيا عبر مرتزقتها. كما إن الوجود السوري في إفريقيا الوسطى، هو غطاء لتدخل روسي غير مباشر، وهو فضيحة لموسكو باستغلال السوريين في حروبها خارج البلاد.

صحيفة “نيجريسيا” الإيطالية، قالت في تقرير استقصائي، إن القوات المسلحة لإفريقيا الوسطى استعانت بقوات روسية ومرتزقة من “فاغنر”، لصد هجوم الجماعات المسلحة المتمردة، التي سيطرت نهاية عام 2020 على أكثر من 80 في المئة من أراضي البلاد.

ويعمل المرتزقة الروس بقيادة “فاغنر” جنبا إلى جنب مع قوات جمهورية إفريقيا الوسطى. وهم متهمون بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد المدنيين وعرقلة جهود الأمم المتحدة لحفظ السلام. حيث تؤكد التقارير الصحفية أن رجل الأعمال الروسي يفغيني بريجوزين، وهو صاحب شركة فاغنر، بات أشبه بجيش بوتين السري.

ولدى روسيا قوات في وسط إفريقيا تدرب جيشها، وترجع جذور علاقة الجمهورية الغنية بالمعادن مع موسكو إلى عام 2018. وذلك عندما أرسلت روسيا خمسة ضباط عسكريين و 170 مدربا للمساعدة في تدريب قواتها المسلحة.

ويبدو أن روسيا حريصة على زيادة عدد المرتزقة في وسط إفريقيا، في وقت تخطط فيه لإرسال 600 جندي إضافي إلى قواتها هناك، حسبما قال ضابط تدريب الجند الروسي، ألكسندر إيفانوف. كما ذكرت وكالة الأنباء الروسية “سبوتنيك”، أنه مع وصول الدفعة الإضافية الجديدة، سيرتفع عدد القوات الروسية في وسط إفريقيا إلى 1135.

تتجلى حاجة روسيا لمرتزقة جدد في إفريقيا الوسطى من حقيقة أن مرتزقة “فاغنر”، بالإضافة إلى تدريب الجيش هناك، ينشطون في حراسة الشخصيات البارزة وحماية منشآت الذهب والماس واليورانيوم في مناطق الصراع.

للقراءة أو الاستماع: لماذا يصل المقاتلون المرتزقة إلى أوكرانيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.