في خضم الحرب التي أشعلتها روسيا في أوكرانيا، يستخدم كلا الطرفين عددا من المقاتلين المتعصبين على الأرض الأوكرانية. حيث يستخدم هؤلاء المقاتلين، لدعم الجيشين، ما يجعل من الممكن قيام هؤلاء بمهام غير تقليدية.

في قناة على تطبيق “تلغرام”، مع أكثر من مليون مشترك، ينشر الرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، باستمرار محتوى يتعلق بالحرب في أوكرانيا. وفي أحد مقاطع الفيديو الخاصة به، يمكن رؤيته، محاطا بالجنود، في غرفة في مطار “هوستوميل” بالقرب من كييف. فـ قديروف، الحليف التاريخي والملتزم للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سيكون هناك لقيادة عمليات كتائب “قاديروفتسي”، المكونة من الجنود من جمهورية الشيشان، الذين يتدخلون لدعم الجيش الروسي.

يقول الزعيم الشيشاني في شريط الفيديو: “سنبين لكم (أي للأوكرانيين) أن التكتيكات العسكرية الروسية، تتفوق على نظرية وتوصيات المستشارين العسكريين الغربيين”.

ومثل هذا الاستغلال للكتائب المتعصبة المتدينة من المسلمين أو غيرهم أمر شائع في الحرب. فهؤلاء المرتزقة يمثلون لكل معسكر وسيلة لتخويف الخصم، والحرب الحالية في أوكرانيا ليست استثناء. وذلك وفق تقرير لـ موقع “فالور اكتويل” الفرنسي، وترجمه موقع “الحل نت”.

شيشان في خدمة بوتين

كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية في 6 آذار/مارس الجاري أن روسيا تسعى إلى تجنيد سوريين مؤيدين للرئيس السوري بشار الأسد لاستخدامهم في حربه في أوكرانيا. تم تأكيد هذه المعلومات رسميا في اليوم التالي من قبل “البنتاغون” (وزارة الدفاع الأميركية). وسيحصل من يتم تجنيدهم على بضع مئات من الدولارات شهريا للذهاب والقتال في أوكرانيا. وقد وضعت روسيا قائمة تضم أكثر من 40 ألف مقاتل سوري على استعداد للقتال ضد أوكرانيا، وفقا لـ “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.

وفي 11 آذار، أكد الرئيس الروسي إنه يؤيد وصول المتطوعين من الشرق الأوسط، حيث قال: “إذا رأيت أن هناك من يريدون بمبادرتهم الخاصة، وليس من أجل المال، القدوم ومساعدة الأشخاص الذين يعيشون في دونباس، فعلينا أن نمنحهم ما يريدون ونساعدهم في الوصول إلى منطقة الصراع”.


وتستخدم روسيا هؤلاء المقاتلين لأنهم متخصصون في حروب المدن، وهي واحدة من أكثر الحروب تعقيدا بالنسبة للجيوش التقليدية. وفي الواقع، فإن المشاكل اللوجستية وتعدد المخابئ المحتملة ووجود القناصين والعبوات الناسفة في المباني، كلها عوائق أمام الأرتال المهاجمة. ولحصار مدينتي ماريوبول وخاركيف الأوكرانية، اللتان تقاومان بشدة، يتم استخدام المرتزقة الشيشان بشكل أكبر لدعم القوات الروسية.

“بالرغم من تجربتهم القتالية في القوقاز وعلى الجبهة السورية، فإن مهامهم الرئيسية تبقى حفظ النظام وعمليات مكافحة الإرهاب. إن استخدامها في غزو إقليم مثل أوكرانيا أمر مثير للدهشة. وفي الواقع، يتم تمويل وتجهيز جنود قديروف بالتأكيد من قبل الكرملين، لكنهم يهربون من سيطرة قديروف المباشرة، حيث يستخدمهم بوتين”، يقول فياتشيسلاف أفيوتسكي، الأستاذ في الجغرافيا السياسية.

من جهتها، دعت أوكرانيا المقاتلين الأجانب المسلمين لصد القوات الروسية والميليشيات. ويقول العديد من الخبراء إن حكومة كييف، التي قبلت الأجانب في جيشها منذ عام 2016، ستجند الجهاديين السوريين على وجه الخصوص، على عكس روسيا. ومع ذلك، فإن “الوجود المحتمل للسوريين في أوكرانيا سيكون له تأثير استراتيجي وعسكري محدود، لأن هؤلاء المقاتلين من الشرق الأوسط لم يعتادوا على المناخ والتضاريس الأوكرانية. لذلك ليس من المرجح أن يغيروا من قواعد اللعبة”، يضيف أفيوتسكي، المتخصص في الشيشان وأوكرانيا.

ورداً على سؤال من “لوفيغارو”، أوضح قائد كتيبة “الشيخ منصور”، مسلم شيبرلوفسكي، الذي يعتبر قاديروف خائنا، في 16 آذار، موضحا أسباب التزامه: “بعض الأوكرانيين اعتنقوا الإسلام بعد الانضمام إلينا، لكنه ليس إلزاميا. نحن لا نقاتل من أجل رجل أو دين. نحن نقاتل معا من أجل الحرية”.

إسلاميون يدعمون الجيش الأوكراني

علاوة على ذلك، كان هناك، بحسب ديل فالي، “منعطف زيلينسكي” فيما يتعلق بالمسلمين المتطرفين. وفي الواقع، يوجد في أوكرانيا أقلية مسلمة نشطة للغاية تتمتع بقدر كبير من التسامح. وبالتالي، فإن البعد الإسلامي يبدأ في أخذ الأهمية هناك. ومن هنا جاء رحيل مسلمي أوكرانيا إلى سوريا عام 2014. ويشير ديل فالي إلى أن “هؤلاء كانوا في الغالب متأثرين بالإخوان المسلمين” ومنذ رئاسة زيلينسكي، كانت هناك سياسة التراخي المفترضة صراحة تجاه الجهاديين الذين ذهبوا إلى سوريا. ونظرا لأن الروس قد حظروا جماعة الإخوان المسلمين في بلادهم مثل كل جمهوريات آسيا الوسطى، الموالية لروسيا أو الموالية للصين، فإن الأوكرانيين يتعاملون مع جماعة الإخوان المسلمين”. ويمكن تفسير هذا الترحيب بالإسلاميين، وبلا إخوان المسلمين على وجه الخصوص، من خلال “التحالف بين تركيا وقطر وأوكرانيا”.

ومع سقوط تنظيم “داعش”، فر العديد من الإسلاميين المتطرفين إلى أوكرانيا. وهو ما يجعل العديد من الخبراء يقولون إن أوكرانيا أصبحت موطنا لمقاتلي “داعش”. وهكذا كانت صحيفة “لا كروا” قد حققت في عام 2019 في وجود جهاديين شيشانيين وداغستانيين في أوكرانيا. وقد تم استخدام هؤلاء الجهاديين بالفعل ضد الموالين لروسيا في دونباس. ومنذ الغزو الروسي في 24 شباط الماضي، لم يتردد الجيش الأوكراني في جلب جهاديين سوريين وصلوا من بولندا بعد مرورهم عبر تركيا.

وبحسب مقاتلين سوريين موالين لتركيا نقلت عنهم صحيفة “لوبوان” الفرنسية، تمت زيارة وفد أوكراني رسمي للحدود التركية السورية استعدادا لوصول مرتزقة سوريين موالين لتركيا. وهكذا يقول أحد المعارضين السوريين، المعروف باسم “أبو التاو”، إنه مستعد لمحاربة روسيا في أوكرانيا.

ومع ذلك، فإن البروفيسور أفيوتسكي يربط بين وزن هؤلاء المرتزقة أو المتطوعين الأجانب في الصراع، حيث يقول: “لقد استدعى زيلينسكي أكثر من 300000 من جنود الاحتياط الذين تمت إضافتهم إلى 250.000 جندي من الجيش الأوكراني، ويعتقد أن حوالي 100.000 منهم كانوا بالميدان بالفعل. وأخيرا، وصل 80 ألف متطوع أوكراني إلى غرب أوكرانيا منذ بدء الغزو. وهؤلاء، بعد تلقيهم تدريبات عسكرية، يجب أن ينضموا إلى القوات على الأرض اعتبارا من نيسان المقبل”. وهو ما يجعل الأستاذ الجامعي والمتخصص في الشيشان وأوكرانيا يقول إن “هؤلاء المرتزقة بالتأكيد لن يغيروا بشكل كبير ميزان القوى في هذه الحرب”.

ورغم أنهم مفيدون على المستوى التكتيكي، يظل هؤلاء المرتزقة هامشيون على المستوى العددي، مقارنة بـ 150 إلى 190 ألف جندي روسي موجودين في أوكرانيا أو 250 ألف جندي من الجيش الأوكراني. وبالرغم من أنها ليست كثيرة بما فيه الكفاية، أعلنت السلطات الأوكرانية على نطاق واسع، منذ بداية الغزو، عن مقتل المقاتلين الشيشان الموالين لروسيا، حيث تم القضاء على كتيبتين من القوات الخاصة وعانى رجال قديروف من عدة انتكاسات. كما قُتل اثنان من كبار القادة من الدائرة المقربة من قديروف، وهم ماغوميد توشايف وأنسور بيساييف.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.