لا شك أن الوضع الإنساني في سوريا بعد 11 عاما من الصراع بلغ منتهاه بالنسبة للمواطنين، فوفقا للأمم المتحدة، فقد بلغ معدل الفقر 90 بالمئة، حيث يعتمد 14.6 مليون شخص على المساعدات الإنسانية. ومما يزيد الأمور تعقيدا اعتماد سوريا شبه الكامل على روسيا في استيراد الحبوب كالقمح والذرة.

ومع المخاوف التي برزت بسبب غزو روسيا لأوكرانيا، الذي أدى بالفعل إلى ارتفاع أسعار السلع في المنطقة، وقد يؤدي إلى تفاقم معدل التضخم في سوريا، الذي بلغ 140 بالمئة هذا العام. بدأت الحكومة السورية في تقنين المواد الغذائية الأساسية مثل القمح والسكر وزيت الطهي والأرز. فهل تستطيع بذلك تقديم المساعدة والدعم الاقتصادي لموسكو؟

دعوة لدعم بوتين

في دعوة للحكومة لاستثمار الحرب بين الروبل والدولار، أشار الخبير المصرفي عامر شهد، إلى أن الاستفادة من القرار الروسي باستخدام العملة الروسية في مدفوعات الغاز إلى أوروبا يتطلب إدارة مالية ونقدية سورية ذكية.

وبيّن شهدا، إلى أن قرار تحويل مدفوعات إمدادات الغاز نحو أوروبا إلى عملة الروبل بأسرع ما يمكن له تأثير كبير على التجارة الدولية، وتسعير الدولار واليورو، وعقود النفط الآجلة، ويؤثر بشكل إيجابي على الأسعار والقوة الشرائية لليرة السورية.

وقال إن معظم العقود السورية الموقعة مع روسيا، هي عقود مقايضة لا تخضع لنظام دفع معين. وأحيانا يتم الدفع بالدولار لصفقات معينة، لكن من الأسهل الحصول على الروبل. مستشهدا بسيناريو الهند التي تفاوضت على اتفاقية لشراء 3 ملايين برميل من النفط من روسيا بالعملة الهندية مقابل خصومات تتراوح بين 20-25 بالمئة.

ودعا شهدا، إلى ضرورة الإسراع بإبرام اتفاقية مدفوعات مع روسيا في مجال التجارة البينية. وإنشاء غرفة مقاصة سورية روسية يمكن من خلالها تبادل العملات. لأن روسيا لن تعتمد بعد الآن على “سويفت” في تحويلاتها بعد إخراجها منه.

ووجه الخبير المصرفي سؤالا للأفراد القلقين على السياسة الاقتصادية والنقدية قائلا: ماذا تنتظرون؟ صرح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بوضوح أنه ألغى التعاملات بالدولار وأن روسيا تريد تحصيل قيمة صادراتها من الغاز بالروبل. “فهل يجب أن نظل منشغلين بتسعير البرغل، وكيف يمكننا أن نكذب بشأن أخبار لا تعجبنا؟ وكيف سنفتح الباب للتجار لكي يستوردوا الصويا؟”.

الزراعة في سوريا تعد بدعم الذرة

مع سلسلة الوعود التي تطلقها الحكومة السورية دون تطبيق على أرض الواقع، هنالك خطة حكومية جديدة قد يحصل المزارعون فيها على تمويل لزراعة الذرة والقمح، كجزء من هدف وزارة الزراعة في سوريا لتحفيز نمو هذه المحاصيل، وتقليل أسعار الاستيراد.

وعقب ورشة عمل عقدت الخميس الفائت، في منطقة سلحب، بحضور بعض القائمين على هذه الزراعة في سوريا، أعلنت وزارة الزراعة عن هذه المبادرة من موقع زراعة هذا المحصول في منطقة الغاب، كأن يعطى المزارعين احتياجات الإنتاج، ويمكن حصاد المحصول منهم بمعدلات مقبولة بعد دراسة نفقات زراعة الدونمات.

فبعد الصراع الأوكراني والزيادة اليومية في تكاليف العلف، تبحث الوزارة عن بدائل لاستيراد الذرة الصفراء، والتي تستخدم كعنصر أساسي في علف الدجاج. ولأن تغير الأسعار يتسبب في خروج مربي الدواجن يوميا من العمل، بسبب عدم قدرتهم على تأمين نفقات الدواجن. فإن النتيجة هي ارتفاع غير عادي في أسعار البيض والفروج، مما يجعله بعيدا عن متناول الغالبية العظمى من السوريين.

المدير العام للهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب، أوفى وسوف، حدد اتجاه زيادة إنتاج الذرة الصفراء كخطوة إيجابية نحو تأمين موارد الأعلاف، وإعادة الاستقرار إلى سوق المنتجات الحيوانية. وقال أيضا في تصريح لصحيفة “تشرين” المحلية، إن الكميات المتوقعة التي سيتم إنتاجها تعتمد على المساحة المراد زراعتها ومستوى حماس المزارع للزراعة.

لكنه وفي الوقت ذاته، يعتزم مضاعفة المساحة المزروعة في المنطقة هذا العام بأربعة أضعاف بالعروة التكثيفة. بعدما أصبحت زراعتها ذات جدوى اقتصادية، على الرغم من أن هناك العديد من المتطلبات الأساسية لهذا المحصول. بما في ذلك المياه الكافية واحتياجات الإنتاج، مما قد يعيق الطلب على زراعته.

للقراءة أو الاستماع: هل تتجه الحكومة السورية للتعامل بالروبل الروسي بدل الليرة؟

لا مؤهلات لدى دمشق

بالرغم من أن الحكومة خلال العامين الماضيين، عملت لإعادة تأهيل مختلف المحاصيل وتحفيز زراعتها وضمان احتياجاتها الإنتاجية؛ إلا أنها فشلت في ذلك. بسبب عدم قدرتها على رفع قيمة الليرة السورية. وإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية في البلاد التي تسبب بها الغزو الروسي لأوكرانيا.

ويرى خبراء اقتصاديون أنه من غير المرجح أن تنفصل روسيا عن دورها في سوريا، حيث حذر ماجد الحمصي، وهو خبير اقتصادي سوري يعيش في السعودية، في حديث سابق لـ”الحل نت”، من أن الوضع قد يتفاقم في المستقبل القريب، إذا ما قررت دمشق التعامل بالروبل الروسي.

ونظرا لأن التغير المناخي يزيد من احتمالية حدوث الجفاف وحرائق الغابات في جميع أنحاء العالم، فقد تضررت سوريا أيضا بشدة من قلة هطول الأمطار هذا العام، خاصة في المناطق التي تحتوي على سلة الخبز. فقبل اندلاع الحرب في عام 2011، أنتجت سوريا ما يصل إلى 4 ملايين طن من القمح سنويا – وهو ما يكفي لإطعام جميع سكانها. لكن المحاصيل منذ ذلك الحين تراجعت إلى مستويات قياسية، مما زاد الاعتماد على الواردات.

وأدى تصاعد العنف إلى تفاقم المشاكل في قطاع الزراعة في سوريا. حيث أفسحت عقود من سوء الإدارة المنهجية للدولة الطريق أمام هجرة المزارعين والصناعيين، إذ لم تأخذ في اعتبارها خطط ما بعد الصراع، وأدى ذلك إلى مزيد من عدم الاستقرار، وعمقه الغزو الروسي لأوكرانيا.

وأدى سوء إدارة الحكومة وتخليها عن المناطق الريفية في النهاية إلى هجرة جماعية إلى المناطق الحضرية. مما أثر بشكل كبير على القطاع والظروف الاجتماعية والاقتصادية العامة. إذ تركت الكثير من الأراضي الصالحة للزراعة دون رعاية، وزاد معدل البطالة.

للقراءة أو الاستماع: ازدياد حالات الفقر وارتفاع حاد للأسعار في إيران

سوريا تعتمد على الصادرات من روسيا

المطلعون على الشأن السوري، ولا سيما الاقتصاديون يؤكدون أن دمشق لا يمكنها الانسلاخ عن موسكو، وخاصة أنه مع بدء التدخل الروسي في سوريا شكل نقطة تحول في حظوظ الحكومة السورية. ومكنت موسكو أيضا من تعميق علاقاتها العسكرية والاقتصادية والثقافية معها.

فخلال السنوات الـ 23 الماضية، زادت صادرات روسيا إلى سوريا بمعدل سنوي قدره 6.71 بالمئة. أي من 52.6 مليون دولار في عام 1996، إلى 234 مليون دولار في عام 2019. وشكلت المنتجات الرئيسية المصدرة من روسيا إلى سوريا، طوابع البريد 87 مليون دولار، وزيوت البذور 34.1 مليون دولار، والأخشاب 17.9 مليون دولار.

فيما بلغت قيمة صادرات سوريا 5.02 مليون دولار إلى روسيا. وكانت المنتجات الرئيسية المصدرة من سوريا إلى روسيا هي الفاكهة منزوعة النوى 1.64 مليون دولار. والحمضيات 1.48 مليون دولار، والفواكه الأخرى 1.35 مليون دولار. وبحسب الحمصي، تراجعت صادرات سوريا إلى موسكو بمعدل سنوي قدره 2.96 بالمئة، من 10 ملايين دولار في عام 1996 إلى 5.02 مليون دولار في عام 2019.

وبحسب قاعدة بيانات “كومترايد” التابعة للأمم المتحدة بشأن التجارة الدولية، فقد بلغت الصادرات الروسية إلى سوريا 182.62 مليون دولار أميركي خلال عام 2021. وهنا يتوقع الحمصي، أن قرار التحول إلى الدفع بالروبل الروسي، سيضرب الليرة السورية. وستنخفض إلى مستويات قياسية، لأن الغرب سيعتمد عقوبات جديدة على سوريا.

الجدير ذكره، أنه في السنوات الأخيرة، وقعت دمشق وموسكو عدة اتفاقيات في مجالات الطاقة والبناء والزراعة في سوريا. كما تعتمد الحكومة السورية على موسكو في الجزء الأكبر من وارداتها من القمح. فيما ستكون الأسابيع القليلة المقبلة حاسمة بالنسبة لسوريا وللبصمة الروسية داخل المؤسسات الحكومية في دمشق.

للقراءة أو الاستماع: “فاغنر” تحشد مقاتليها في أوكرانيا.. سوريا الفخ الكبير لموسكو؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.