منذ سنوات دخل الاقتصاد السوري في نفق مظلم، بعد معاناة مستمرة جراء تضخم كبير أدى به للتحول إلى اقتصاد أسود.

و يعرف الاقتصاد الأسود بأنه النشاط الاقتصادي غير القانوني، ويشمل ثلاث خصائص، أولها تلك العمليات التي توصف بغسيل الأموال ويتم فيها تحويل الأموال أو نقلها بهدف إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لهذه الأموال لإضفائها شكلا قانونيا، أما ثاني الخصائص هو اتباع الطرق الملتوية للتحويلات المالية وذلك لتجنب كشف السلطات عن العمليات المالية التي تتم، أما ثالثها فهو الاتجار بالسلع والخدمات التي لا يحظرها القانون ولكنها لا تخضع للمعالجات الضريبية، أو السلع التي يحظرها القانون ويتم تصنيعها وتجارتها بطريقة غير قانونية وهو ما انتشر في سوريا وتجلى بشكل واضح في سوريا منذ عام 2013.

كان الانخراط في الاقتصاد الأسود بسوريا هدفه الحصول على أموال ضخمة وبشكل غير قانوني، مقارنة بتكلفتها وبرعاية حكومة دمشق بحسب التقارير الدولية التي أدانت انخراط حكومة دمشق في مثل هكذا تجارة.

تقارير تحذر من تنامي تجارة المخدرات في سوريا

تجلى تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد أسود من خلال هيمنة الإتجار بالمخدرات بشكل بارز في سوريا، وكان آخر تلك التقارير هو التحليل الصادر من مركز “الحوار السوري” في منتصف الشهر الحالي بعنوان “تجارة المخدرات في سوريا” والذي جاء فيه أن سوريا بدأت بتصدير الكبتاغون عام 2013 بالتزامن مع انكماش اقتصادها الرسمي بسبب الحرب والعقوبات الاقتصادية والفساد داخل سوريا، وتحولت مصانع الكيماويات في مدينتي حلب وحمص إلى مصانع لهذه الأقراص، وقد أفادت المصادر بحسب التقرير أن القوات الحكومية والمليشيات التابعة للنفوذ لإيران استخدمت المخدرات مع عناصرها وخاصة في الصفوف الأمامية لتشجيعهم على الصمود، والتغلب على الخوف من المعارك، مما نشط تجارة المخدرات في تلك الفترة.

لم يكن هذا التقرير هو الأول من نوعه الذي يتهم حكومة دمشق في انخراطها في مثل هذه الأعمال فقد كشف موقع “ايكونوميست” البريطاني في تقريره الصادر العام الماضي، أن سوريا تحولت لدولة مخدرات تشكل أقراص الكبتاغون أبرز صادراتها الرئيسية.

وأشار التقرير إلى أن سوريا كانت متورطة في إنتاج وبيع المخدرات في التسعينات داخل لبنان عندما تواجدت القوات السورية في لبنان، ولكن الإنتاج الضخم للمخدرات داخل سوريا لم يبدأ إلا بعد اندلاع الحرب عام 2011.

أما صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية لم تكن بعيدة في تقريرها الذي نشر نهاية العام الماضي 2021، والذي جاء فيه أن تجارة المخدرات غير المشروعة أصبحت الآن مورد الصادرات الأكثر قيمة في سوريا، وهي تتجاوز بكثير قيمة المنتجات السورية القانونية.

الخبير الاقتصادي سمير الطويل، رأى خلال حديثه لـ “الحل نت” أنه ومع اندلاع حرب في بلد ما، من الطبيعي أن يتم الرواج لتجارة المخدرات وتصنيعها فيها، أما عن سوريا بالتحديد فإن تجارة المخدرات في فترة ما قبل عام 2011 كانت رائجة في سوريا كممر عبور إلى الدول المجاورة بشكل رئيسي، مع وجود بعض التحقيقات التي تحدثت عن تصنيع المخدرات في سوريا قبل عام 2011 وذلك من خلال تورط معامل الأدوية في التصنيع ولكن ليس بالحجم الذي هي عليه اليوم.
وأضاف الطويل أن الضغوطات النفسية والاقتصادية الناتجة عن الحرب شجعت ضعاف النفوس إما على التعاطي أو الاتجار بالممنوعات بحسب وصفه.

وختم الطويل قوله بأن الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات في سوريا لن تخدم الاقتصاد السوري بل على العكس، لأن نهايتها هو جيوب الأطراف المستفيدة.

الأقراص الممنوعة.. الإنتاج في سوريا والتصريف عالمي

كشفت تقارير دولية على أن تصريف الحبوب المخدرة التي يتم إنتاجها في سوريا لم يقتصر على الشرق الأوسط وحسب وإنما امتد إلى كثير من دول العالم، فقد قبضت السلطات الإيطالية قبل سنة على 84 مليون حبة دواء تزيد قيمتها على مليار يورو، ترتبط تركيبتها بالأمفيتامين، والتي لها تأثيرات غير مباشرة الكوكايين.

ولم يتوقف الأمر عند تصريحات السلطات الماليزية عام 2020 عندما أعلنت عن مصادرة 95 مليون حبة، مصدرها ميناء بنغازي الليبي، والذي يرتبط بسوريا كونه يشكل طريق رئيسي للتجارة بين البلدين، بل أعلنت كل من اليونان والسعودية وبلدان أخرى عن مصادرة مئات الملايين من الحبوب المخدرة.

الجدير بالذكر أن كمية الحبوب المخدرة التي تمت مصادرتها في العالم أكثر بـ 18 ضعف عن الكمية التي تم العثور عليها قبل 4 سنوات، وأن مئات الملايين منها كان مصدرها ميناء تسيطر عليه الحكومة السورية.

إن حالة الانهيار الأمني السائد في سوريا وانتشار القوات الأجنبية المتعددة الجنسيات على الأراضي السورية، وفقدان السيطرة على المنافذ الحدودية من قبل جهة مركزية، شجع على تصنيع المخدرات والاتجار بها.

وهنا لابد من الإشارة إلى حجم الضرر الذي سيلحق بالاقتصاد السوري وركائزه المادية والبشرية، فعلى المدى القريب يمكن أن تكون مكاسب الإتجار بالمخدرات عائدة على فئة قليلة من الناس، ولكن على المدى البعيد يمكن أن نلتمس حجم ذلك الضرر من خلال دخول الاقتصاد السوري في حالة انكماش من نوع آخر، أي أننا أمام استبدال مشاريع زراعة المواد الأساسية كالقمح إلى مشاريع زراعة المواد المخدرة، وهكذا ستخسر سوريا ركيزة أساسية من ركائز اقتصادها وهي سلتها الغذائية والتي كانت تلعب دورا هاما في الناتج المحلي السوري.

أما عن عجلة الإنتاج فإنها ستتجه نحو الإنتاج الصفري وسيتم الاعتماد على الاستيراد بنسبة كبيرة نتيجة لاتجاه سوق الإنتاج نحو المصانع المتعلقة بإنتاج هذه المواد، كما ستتعاظم الأموال بيد تجار ومهربي المخدرات مما سيمنحهم نفوذ فاسد بشكل أكبر في الحكومات السورية وإن تغيرت، والذين بدورهم سيخلقون حالة من عدم الاستقرار في البلاد ليتمكنوا من إتمام تجارتهم.

وبما أن سوريا كانت تعد من الدول النامية فإن تجارة المخدرات ستوقف عملية النمو الاقتصادي في البلاد، والتأثير السلبي من تلك التجارة ستكون أكبر عليها من الدول المتقدمة، فيمكن أن نلاحظ مزيدا من التدهور في قيمة الليرة السورية، وارتفاع أكبر في معدلات البطالة وازدياد العنف والجريمة والتردي المعيشي، وانخفاض الدخل بالتزامن مع انخفاض كفاءة اليد العاملة في الحياة والعمل، وارتفاع النفقات المتعلقة بالصحة ورعاية الطفل، أي أننا نتحدث عن انهيار في البنية التحتية للمجتمع والاقتصاد السوريين، ناهيك عن معاناة الاقتصاد السوري من الوضع الحالي سيما وأنه ما يزال يوصف بأنه اقتصاد حرب وبيئته الاستثمارية غير آمنة.

أما عن آليات الحل فلا يمكن أن تتم إلا من خلال الوصول إلى حل سياسي يعيد وحدة الأراضي السورية، وتشكيل حكومة تعمل على مكافحة صناعة وتجارة المخدرات من خلال توفير قبضة أمنية تكافح الأنشطة غير القانونية، ورفع سقف الغرامات المالية ومدة الأحكام على كل من يتعامل في مثل هذه الأنشطة، بالتزامن مع وضع البرامج التوعوية والوقائية وتوفير الرعاية اللازمة للمدمنين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.