منذ عام 2003 وحتى الآن، لم يبقى مفصلا في العراق إلا وقد تداعى. ذلك بسبب هيمنة الأحزاب وأذرعها المسلحة، وما أحدثه التدافع السياسي من موجات اقتتال، ودمار.

لقد انهارت أركان الدولة العراقية، وتحولت إلى نوافذ حزبية، واقتصادية لحساب مصالح شخصية وسياسية، ولعل من أبرز تلك المشاهد هي سياسة العراق الخارجية، والتي غابت عن المشهد الدولي والإقليمي منذ ذلك الحين.

للمزيد: الخارجية العراقية تكشف عدد المهاجرين العائدين من مينسك

جزء من الكعكة

لقد تحولت وزارة الخارجية من إحدى أهم المؤسسات الفاعلة في مشاهد الدول، إلى جزء من الكعكة التي تتقاسمها الأحزاب منذ العام 2005، ومحاولة كل منهم استثمار تواجده فيها من حيث التعيينات غير المحسوبة، واستغلال السفارات إلى محطات سفر يقضي فيها رعاياهم أوقات سعيدة، وهكذا محاولات تجير دور الوزارة إلى صالح الحزب أو القومية أو المذهب، الذي ينتمي إليه الوزير الذي يشغل منصبها عبر المحاصصة.

علاوة على ذلك، أسهم تشتت القرار ولامركزيته، وعدم تجانس جهاته المكونة لأركان الدولة، في تشويه بوصلة السياسة الخارجية العراقية، سواء بالتعامل مع الدبلوماسية الدولية أو مسؤولي الدول الزائرين للعراق، أو الزيارات الخارجية للمسؤولين العراقيين بسبب حب الظهور لأولئك الساسة ومحاولتهم إظهار تفردهم وموقعهم القيادي المميز في البلاد.

ومن الضرورة وجود منهج محدد للتعامل مع مجريات الأحداث خارجيا، كما يقول الباحث في الشأن السياسي حيدر علي، مشيرا إلى أن، الوضع الحالي يؤدي إلى إرباك المواقف الحكومية الرسمية.

ويضيف في حديثه لصحيفة “الصباح” الرسمية، أنه “ينبغي أن يتوفر لدى الأطراف السياسية منهج محدد ومنضبط للتعامل مع التطورات والأحداث الدولية والإقليمية والداخلية، بعيدا عن التصريحات والآراء التي قد تخرج عن الإطار المنطقي للطرح السياسي”.

في حين أن “هذا الأداء يربك عمل الدوائر المعنية بالقرار مثلاً أو بالعلاقات الخارجية والتي تقع في مجملها على عاتق صانع القرار وإدارته”، وتابع أن “هذا ما سيفضي بطبيعة الحال إلى إرباك المواقف الرسمية للحكومة”، وفقا لعلي. ويذهب مع هذا الطرح، الباحث في الشأن السياسي، عادل ذياب.

للمزيد: الخارجية العراقية تسحب رخصة القنصل البيلاروسي في بغداد.. لهذا السبب

الحاجة إلى العمل المؤسساتي

يقول ذياب خلال حديث خاص لموقع “الحل نت”، إن “السياسية الخارجية تحتاج إلى عمل مؤسساتي متسلسل، يعتمد على الخبرات والمعطيات، والشخوص التي بإمكانها تقاطع وتحليل المواقف، وإبداء المواقف المناسبة، لا أن تتحول إلى مكسب تنتفع منه الأحزاب أو تخدم أجنداتها”.

ويضيف أنه “إذا ما لاحظنا العالم كيف يتعامل مع سياسته الخارجية وينضجها لوجدنا، أن سياستهم قائمة على أسس تاريخية وكوادر عريقة، ومع أنه لا يمكن أن ننفي تأثير دور معين عليها، لكنها مختلفة تماما عن ما يشهده العراق، الذي يتم التعامل فيه مع وزارة الخارجية أو أي وزارة أخرى على إنها مكسب حزبي، وهذا هي المحاصصة”.

بالمقابل، دعا علي إلى “تبني الخطاب السياسي للقوى السياسية اتجاها متوازنا في إطار عام للرؤية الحكومية، ويعبر عن متبنيات الدولة في حدود مسؤولياتها السياسية والدبلوماسية على سبيل المثال، بوصفها المصدر الرئيس للمواقف السياسية الرسمية”.

وبين أنه “عندما تطرح الأطراف السياسية رؤاها وآراءها بشأن موضوع معين أو حدث ما يرتبط بمنهجية الحكومة في سياق أدائها السياسي الخارجي، من دون وجود لمستويات معينة من متبنيات الخطاب الواجب توفرها بقدر تعلقها بالحدث السياسي أو الموضوع أو عند اللقاءات مع أطراف خارجية على سبيل المثال، فأن ذلك يعني الدخول في مسؤوليات ليست من صلاحيات الأحزاب ولا أعضائها ولا القوى السياسية ولا حتى أعضاء مجلس النواب المرتبطين بأفكار ومتبنيات الجهات التي ينتمون إليها”.

من جانبه، انتقد أستاذ الفكر السياسي في الجامعة المستنصرية، حسين عباس حسين، “انعدام وجود الكاريزما السياسية لدى معظم السياسيين العراقيين”، محذرا من أن “المواقف الحزبية من الأزمات الدولية تواجه غالبا بعدم اهتمام أو سخرية من الدول المعنية”.

للمزيد: العراق يبحث مع بريطانيا وفرنسا تداعيات الغزو الروسي على أوكرانيا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.