السوريون في العراق: كيف صاروا “مهاجرين غير شرعيين” في البلد الجار؟

السوريون في العراق: كيف صاروا “مهاجرين غير شرعيين” في البلد الجار؟

يتواجد السوريون في العراق بأعداد كبيرة، رغم عدم وجود إحصائيات دقيقة حولهم. فإضافة إلى اللاجئين الذين يعيشون في عدد من المخيمات شمالي العراق، لجأ عدد كبير من الشبان والشابات للهجرة إلى الجار الشرقي بحثا عن فرص العمل.

ومع أن العراق يعاني من أزمة اقتصادية ومالية خانقة، وتزداد نسب الفقر بين سكانه ارتفاعا، إلا أنه يبقى خيارا أفضل من البقاء في سوريا بنظر عديد ممن يسعون للهجرة.

ومؤخرا تواردت أنباء عن وجود عدد من السوريين المهاجرين في السجون العراقية، مهددين بالترحيل إلى سوريا. فما أسباب هذا؟ وما الذي يدفع السوريين في العراق إلى المخاطرة بحريتهم وأمنهم؟

أربيل: محطة مؤقتة للسوريين في العراق

صعوبة استحصال التأشيرة الحكومية المركزية من بغداد، والتي يبلغ سعرها لمدة سنة حوالي ألفين وخمسمئة دولار، إضافة إلى عائق التريث في منحها، نتيجة التمركز الكبير للسوريين في بغداد، كل هذا دفع السوريين الراغبين بالهجرة للعراق إلى التوجه إلى إقليم كردستان، وبالتحديد عاصمته أربيل.

يصف أيهم تيناوي، وهو خريج كلية الاقتصاد في سوريا، قدومه لأربيل بـ”الخطوة الاولى على طريق الخلاص”. مضيفا في إفادته لـ”الحل نت”: “منذ أن بدأ الاتحاد الاوروبي بإغلاق حدوده أمام اللاجئين أخذت أفكر في طريقة جديدة للجوء. وبعد أزمة كورونا كانت أربيل أولى الأماكن، التي فتحت مطاراتها بعد انتهاء إجراءات الحظر التي شهدها العالم. فتوجهت إليها، لأنني آمل أن أعبر من خلالها إلى أوروبا، ربما عبر تركيا”.

المهندس المدني أيمن فاكهاني قصد مع عائلته أربيل في العام الفائت لسبب مماثل، واعتبر نفسه محظوظا لأنه تمكن من إيجاد فرصة عمل في المدينة، إلى حين حصوله على الفيزا الأسترالية.

 يقول فاكهاني لـ”الحل نت”: “تشترط كثير من الدول أن يكون السوريون خارج بلدهم لإعطائهم تأشيرات الدخول، فقررت التوجه مع أسرتي لأربيل بالتحديد. لأن سعر تأشيرتها مع الإقامة السنوية يصل إلى سبعمئة دولار فقط، وإصدارها سريع جدا. ومن أربيل يمكنني التقدم إلى سفارات الدول التي أرغب بالهجرة إليها، وعلى رأسها أستراليا”.

ويضيف: “وجدنا كثيرا من السوريين في أربيل. بعضهم هنا بشكل مؤقت، لتقديم ملفاتهم إلى السفارات مثلنا، ومنهم من جاء منذ عدة سنوات، ويعمل بوظائف أو لديه مشاريع خاصة. لكن حال السوريين الذين وصلوا مؤخرا سيء للغاية، بسبب كثرة أعدادهم، وتنافسهم على فرص العمل، ما أدى إلى تقليص أجورهم”.

مقالات قد تهمك: معلومات مهمة عن إقامة السوريين في كردستان العراق

السوريون في العراق من أربيل إلى بغداد

لا تخوّل التأشيرة التي يمنحها إقليم كردستان السوريين الدخول إلى بقية محافظات العراق. رغم ذلك يسعى كثير من السوريين إلى السفر إلى بغداد تهريبا.

آصف العلي، شاب من حمص يبلغ اثنين وعشرين عاما، لجأ إلى أربيل هربا من الخدمة الإلزامية. ويشرح لـ”الحل نت” ظروف وصولة إلى بغداد بالقول: “لم يكن هدفي في البداية السفر إلى بغداد، فقد حاولت إيجاد عمل في أربيل ولم أفلح. وعرض علي أحدهم فكرة اللجوء إلى مهرب، ندفع له المال ويوصلنا إلى بغداد للعمل. وبالفعل تمكنت من تجاوز المفارز الأمنية العراقية بهمة المهرب”.

إلا أن الوصول إلى بغداد لم يكن نهاية المعاناة. “قام رب عملي العراقي، وهو صاحب منشأة لتصنيع البلوك، بأخذ جواز سفري، ما إن أوصلني المهرب إليه. بحجة ضمان عدم ابتعادي عنه، بعد أن أمّن لي فرصة عمل لديه. أحاول اليوم التأقلم مع هذا الحال الشبيه بالسجن. لكن ما إن أفكر بمغبة العودة الى سوريا، وما يمكن أن ألقاه هناك، وخصوصا إذا تم سحبي للخدمة الإلزامية، أقول إن هذا السجن أهون علي من العودة”، يقول العلي.

لا يوافق عماد كركوتي، وهو من السوريين المهاجرين للعراق، العلي في وجهة نظره، لأن “أرباب العمل لا يستطيعون ضمان عدم ترحيل المهاجرين السوريين غير الشرعيين من العراق، في حال أمسكت بهم القوى الأمنية العراقية”. حسب قوله.

سوريون سجناء في مديرية شؤون الإقامة في بغداد

السيد إسماعيل جبار الصالحي، المسؤول في مديرية شؤون الإقامة في بغداد، تحدث لـ”الحل نت” عن أوضاع السوريين في العراق: “مؤخرا تم تسجيل حالات كثيرة لإلقاء القبض على سوريين ليسوا مخولين بالتواجد في العراق، لأنهم لايمتلكون وثائق رسمية. والإجراءات المتخذة بحقهم هي ما يُتبع مع المخالفين من الجنسيات الأخرى، وتتضمن الحجز إلى حين دفع الغرامة، التي تتراوح قيمتها بين مئة ألف وخمسمئة ألف دينار عراقي”.

متابعا: “معظم السوريين المهاجرين للعراق من الشباب، وهناك بعض السيدات أيضا. بعض المخالفين ظلوا في بغداد بعد انتهاء إقامتهم النظامية، لكن الغالبية دخلوا تهريبا، قادمين من أربيل. وفي هذه الحالة هناك غرامة أخرى، لابد من دفعها لإقليم كردستان، تبلغ سبعة عشر دولارا عن اليوم الواحد المخالف، بعد انتهاء تأشيرة زيارة أربيل”.

ويختتم الصالحي حديثه بالقول: “تعمل مديرية شؤون الإقامة جاهدة على مساعدة السوريين في العراق، وخصوصا اولئك المخدوعين، القادمين بوعود من مكاتب وشركات وهمية سورية، دفعوا لها المال، ثم سلموا جوزات سفرهم للمهربين. والمؤسف أن السفارة السورية لم تقدم أي خدمات تتعلق باسترداد المواطنين السوريين في العراق، الذين لا يملكون المال لدفع الغرامة، فيبقون في مراكز الاحتجاز، بانتظار تأمين المبالغ المطلوبة منهم”.

سوق عراقية سوداء لبيع الاقامات للسوريين

تؤكد الأوساط الحكومية العراقية أن كثيرا من العمال السوريين في العراق لديهم إقامات عمل. فكيف حصلوا عليها؟

الشاب سامر محفوض، البالغ من العمر ثلاثين عاما، أفاد “للحل نت” بتفاصيل لافتة. قائلا إن “بعض العمال السوريين، الذين حصلوا على إقامة عمل في بغداد، أمّنوها من خلال التواصل مع أشخاص سوريين آخرين، لديهم علاقات بمسؤولين عراقيين”.

ويضيف: “في مواقع التواصل الاجتماعي هناك مجموعات عراقية خاصة بالعمال السوريين، تعرض على السوريين فرص عمل في العراق، وتمكينهم من الوصول إلى بغداد، سواء كان ذلك عن طريق شركات سياحية أم من خلال التهريب. وأيضا تسهيل الحصول على إقامة عمل، مقابل مبلغ مالي قدره أربعة آلاف دولار، يعطى على دفعات شهرية لأشخاص عراقيين، يتكفلون بالمهاجرين السورين”.

لا أرقام دقيقة لأعداد السوريين في العراق

لا توجد إحصائيات دقيقة عن أعداد السوريين في العراق، بسبب عدم تسجيل غالبية السوريين بياناتهم لدى مفوضية الأمم المتحدة عند لجوئهم.

وحسب موقع تابع للأمم المتحدة فإن مجموع السوريين اللاجئين في العراق وصل، بتاريخ الثامن والعشرين من شباط/فبراير 2022، إلى حوالي (256861) لاجئ.

إلا أن مصادر مطلعة تؤكد أن عدد السوريين في العراق قد يصل إلى حوالي نصف مليون شخص، إذا تمت إضافة السوريين القادمين تهريبا أو بتأشيرات نظامية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.