تركت الحرب السورية آثارها السلبية على مختلف القطاعات الاقتصادية في سوريا، فأصابت قطاع الثروة الحيوانية بآثار كارثية. فكان التهريب والنهب والقتل الممنهج، وسوء الرعاية الصحية، الذي طال الثروة الحيوانية عوامل اجتمعت لتنال منها، وهي التي كانت تشكل حتى وقت قريب، جزءا رئيسيا من الدخل القومي، ومن الأمن الغذائي لسوريا.

تراجع مخيف

لقد كشف الواقع المأساوي للثروة الحيوانية في سوريا، مستوى انخفاض ملحوظ للقطاع، وسط تضارب، وتناقض الأرقام المتداولة.

مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة السورية، أسامة حمود، قال إن الثروة الحيوانية في سوريا فقدت نحو 40 إلى 50 بالمئة من قطيعها، بسبب الارتفاع العالمي في أسعار الأعلاف إضافة إلى العقوبات الاقتصادية على حكومة دمشق.

وتحدث حمود لإذاعة “شام إف إم” المحلية، نهاية شهر شباط/فبراير الماضي، حول وجود مشكلة كبيرة تهدد جهود ترميم الثروة الحيوانية، تتمثل بعدم قدرة المربين بالاستمرار بعملية التربية ما يدفعهم لبيع قسم كبير من قطعانهم لتأمين احتياجات القسم الآخر.

وأوضح أنه إذا تمت المقارنة بين أعداد الحيوانات بين آخر دراسة أجريت عام 2010 والدراسات حاليا، نجد النسبة انخفضت لحوالي 30 بالمئة بالنسبة للأبقار و40 بالمئة بالنسبة للأغنام و50 بالمئة بالنسبة لقطاع الدواجن الذي تضرر بالشكل الأكبر، لأن غالبية أعلاف هذا القطاع تكون مستوردة.

وقال إن المنطقة الشرقية كانت تحتوي على ثلث قطيع الثروة الحيوانية في سوريا ولكن خلال سنوات الحرب تعرضت للذبح العشوائي والتهريب والسرقة، مشيرا إلى أن كل ما يستطيعون فعله حاليا هو الإبقاء على صحة القطيع بحالة جيدة وتقديم المقننات العلفية.

وأضاف بأن تصدير نسبة قليلة من الأغنام أتيحت منذ فترة لدعم صندوق تداول الأعلاف ومساعدة المربين بالاستمرار بعملية التربية، أما بالنسبة للاستيراد فاستيراد عجول الذبح المباشر فقط متاح.

كذلك جعلت مخلفات سنوات من الحرب عودة الرعيان ومواشيهم الى البادية مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة. فعدا عن خطر الألغام التي حصدت حياة المئات خلال سنوات النزاع، جذبت البادية عناصر تنظيم “داعش” الذين انكفأوا إليها خصوصا بعد القضاء على “دولة الخلافة” قبل عامين. ووجد هؤلاء في البادية ملاذا ينطلقون منه لشن هجماتهم ضد خصومهم، وفق ما أفاد به تقرير لموقع “سويس انفو”.

هذا ويعاني مربو الماشية في سوريا بشكل عام، من نقص حاد بمستلزمات مواشيهم مثل التبن والأعلاف، في ظل ندرة المراعي جراء الجفاف في المنطقة عموما.

في حين تعاني مناطق الشرق السوري من موجة من الجفاف خلال العامين الأخيرين، جراء نقص الأمطار، وانخفاض مناسيب نهر الفرات، وتراجع مساحات الأراضي الرعوية.

لقد انتعشت ظاهرة تهريب الثروة الحيوانية، وسط فوضى الحرب، فارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة السورية، وتباينه بين سوريا والدول المجاورة، أحدث نزفا حادا لهذا القطاع.

السبب الرئيسي

“الحل نت” استطلع آراء عدد من المزارعين بغية التعرف على الأوضاع الحقيقية لواقع الثروة الحيوانية، حيث تقوم حكومة دمشق تقدم “من الجمل أذنه” في مجال تأمين الأعلاف لمربي المواشي. حيث تتمثل المشكلة الرئيسية بالأعلاف؛ فالمؤسسة العامة للأعلاف تقدم فقط 12 بالمئة من الحاجة الفعلية، وسط صعوبة بالغة بوصول المخصصات العلفية واللقاحات.

ومن انخفاض قيمة الليرة السورية، إلى ارتفاع أسعار الأعلاف المتكرر عالميا، تلجأ أيضا حكومة دمشق السوري بشكل متواتر لخفض مخصصات الأعلاف التي تقدمها بسعر “مدعوم” للمربين، وتتجاهل حاجتهم لكميات إضافية من مواد التدفئة اللازمة للحفاظ على حياة القطيع خلال فصل الشتاء.

كل ذلك يدفع المربين إلى رفع أسعار منتجات المواشي والطيور، من بيض وفروج ولحم وحليب وأجبان، فتتضاعف أسعارها في الأسواق المحلية، مضيفة إلى المستهلكين أعباء مادية جديدة لا يستطيعون تحملها.

“لحوم سوريا ليست للسوريين”، عبارة تتردّد في الآونة الأخيرة ضمن الأوساط الشعبية المستاءة من غلاء طارئ بدّل عاداتها الاستهلاكية، وأثّر ليس في المطبخ (الشامي أو الحلبي) الشهيرين بتنوع الأطباق ولذتها فحسب، بل في قدرة السوري على تأمين أبسط مقومات الحياة من الغذاء.

ومع كل ذلك، يقرع الاقتصاديون ناقوس خطر زوال الطبقة الوسطى في المجتمع من الناحية الاقتصادية على حساب تمدد واسع للطبقة الفقيرة. وبات تذوّق اللحوم حلماً بعيد المنال، وسهلاً لميسوري الحال فقط، بينما حذرت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي إليزابيث بايرز من أزمة غذائية غير مسبوقة بالتزامن مع وجود تسعة ملايين و300 ألف شخص في سوريا يفتقرون إلى الغذاء الكافي.

وتعيش تجارة اللحوم الكاسدة في دمشق أو المدن السورية الأخرى الواقعة تحت السيطرة الحكومية أسوأ حالاتها، مما دفع كثيرا من القصابين إلى الإغلاق أو التفكير بتغيير مهنتهم، بعد أن فقدوا جل زبائنهم، في حين أفاد إحصاء لجمعية القصابين في دمشق بإغلاق 15 في المئة من متاجر بيع اللحوم في الفترة الماضية.

من جهته، دعا رئيس جمعية العاملين في مهنة القصابة في مدينة حلب عبد القادر حلي إلى معالجة العوامل المسببة لنزيف الماشية والمتعلقة بالتهريب وضرورة قطع خطوطه، إضافة إلى تخفيض سعر الأعلاف.

ووفق إحصاءات رسمية، تراجعت الثروة الحيوانية في ريف حلب، شمال سوريا، بحوالى 67 ألف رأس من الأبقار، في حين بلغ عدد رؤوس الأغنام 1925421 رأسا، بينما تستفيد 96 ألف عائلة من تربية المواشي.

وأطلق التجار المحليون في الأسواق نداءات وتحذيرات من تراجع الثروة الحيوانية إلى مستوى يهددها بالانقراض بسبب تهريب الولادات الجديدة، بالتالي تناقصها سيزيد عاما بعد آخر.

كما دعا رئيس جمعية القصابين في دمشق وريفها إدمون قطيش، إلى منع تهريب الأغنام من المحافظات الجنوبية باتجاه محافظات الشمال، مؤكدا ضرورة بقائها في دمشق وريفها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.