عند اندلاع حرب ما في أي دولة بالعالم، تبدأ القوى العظمى والإقليمية بالتحرك وفق المجريات والأحداث الجديدة التي ربما تكون قد رسمت لها في السابق، أو أن مسارات الحروب والعمليات العسكرية وتداعياتها ترسم ذلك، وهذا ما نشهده اليوم، نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، فبحسب تقارير صحفية فإن بعض الدول بدأت بالتحرك من أجل تحقيق مصالحها ومكاسبها.

ويعتقد بعض المحللين إن تركيا، قد تتخذ خطوات تصعيدية في سوريا، بهدف تحقيق مكاسب من انشغال العالم بالحرب الأوكرانية. لكن هذا الأمر ليس بهذه السهولة، فالطموحات التركية بتوسيع نفوذها أو تغيير خارطة الاشتباك في سوريا ليست بالسهولة التي يمكن أن تتصورها أنقرة أو حتى موسكو التي قد تسعى هي الأخرى لتغيير موازين القوى في سوريا.

تصعيد تركي في شمال شرقي سوريا؟

في تقرير لموقع “المونيتور” الأميركي، وكذلك لمركز “جسور” للدراسات، تمت الإشارة فيهما إلى احتمالية تصعيد تركي في مناطق شمال شرق سوريا. استغلالا لانشغال الدول بالغزو الروسي لأوكرانيا، إضافة إلى أن تركيا تأمل أن ترجح حرب أوكرانيا كفة الميزان لصالحها في سوريا.

وتقرير مركز “جسور” أشار إلى أن التحرك التركي المحتمل سيكون من أجل تغيير قواعد الاشتباك في منطقة شمال شرق سوريا، وأن تصعيد تركيا غير المسبوق والمستمر في شرق الفرات يهدف إلى اختبار رد فعل موسكو وواشنطن، وبأن أي محاولة استخدام القوة العسكرية سيكون لإعادة تحديد آلية العمل المشترك، بحيث يكون لتركيا الدور الأكبر في أدوات المراقبة والتنفيذ.

وحول إمكانية تحرك تركيا في مناطق شمال شرق سوريا خلال الفترة الحالية، مستغلة الانشغال الدولي بالملف الأوكراني واحتمالات ذلك، يعتقد الكاتب السياسي السوري، داريوس درويش “من غير المرجح أن يحدث تراخي غربي مع تركيا في سوريا، فما تراهن عليه تركيا، فيما لو صحت هذه التقارير والاحتمالات، هو أن تأخذ ثمنا إضافيا مقابل بيعها الطائرات المسيّرة لأوكرانيا”.

وأضاف الكاتب السياسي خلال حديثه مع “الحل نت”، “صحيح أن ما يحتاجه الغرب لمواجهة روسيا هو دعم المقاومة الأوكرانية، وهو ما تخدمه الطائرات المسيرة، إلا أنه يحتاج أيضا إلى فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا، وهو ما رفضت تركيا المشاركة به”.

وتابع الكاتب السياسي في حديثه، “بالإضافة إلى أن تركيا قبضت المال ثمنا لهذه الطائرات، في حين أن جميع الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا هو دعم مجاني بالكامل، وهو ما يظهر تركيا على أنها مجرد تاجر حرب وليس حليفا. كذلك، الشراكة في (الناتو) هنا ليست ذات أهمية بالنسبة للغرب، لسبب بسيط هو أن (الناتو) رفض التدخل قطعا في هذه الحرب، وسيبتعد عنها بطبيعة الحال حتى لا يزيد من الحنق الروسي الذي يعتبر أن العلاقة بين أوكرانيا و(الناتو) كانت هي أصل المشكلة”.

ووفق تقدير الكاتب السياسي الذي تحدث لموقع “الحل نت”، أما من جهة علاقة تركيا مع روسيا في سوريا، فإن لم تتوتر أكثر نتيجة بيع الطائرات المسيّرة التركية لأوكرانيا، فإنها لن تتحسن بطبيعة الحال. والأغلب على الظن أن الملفين السوري والأوكراني سيبقيان منفصلين بالنسبة لروسيا وتركيا.

وخلص حديثه بالقول: إن “مسألة انشغال العالم بأوكرانيا برأيي غير دقيق أو جيد إذا ما حسبناه كعامل رئيسي. لأن كل هذه الدول لديها موظفون لإدارة المشاكل في نصف العالم، وليس فقط في مناطق الصراع مثل أوكرانيا وسوريا”.

قد يهمك: بعد دعمها لأوكرانيا.. هل بدأ العقاب الروسي لتركيا في سوريا؟

موقف أمريكا وروسيا

منذ مطلع نيسان/أبريل 2022، يشهد شمال شرقي سوريا تصعيدا عسكريا جديدا من جانب تركيا ضد أهداف لقوات سوريا الديمقراطية، في ظل زيادة ملحوظة في وتيرة القصف البري المتبادل بين فصائل المعارضة السورية المدعومة تركيا، و “قسد” في محيط منطقة “نبع السلام” ذات النفوذ التركي بالشمال السوري، في ريفي تل تمر وعين عيسى ومنطقة أبو راسين/زركان.

في وقت قالت فيه نائبة وزير الدفاع الأميركي، سارا سترول، أن واشنطن حريصة على شراكاتها على الأرض مع القوى المحلية في شمال شرقي سوريا “قسد”، ورغم الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأميركي مع نظيره التركي مؤخرا، والحديث عن آلية استراتيجية بين واشنطن وأنقرة، إلا أن أبرز الملفات الخلافية بين الطرفين ما تزال مفتوحة.

وقد قال المحلل السياسي زارا صالح، في وقت سابق لموقع “الحل نت”، أنه “لن يكون هناك تغيير في استراتيجية وشكل العلاقة بين واشنطن وأنقرة تجاه سوريا، وتحديدا مناطق شمال شرقي سوريا، لأن نقطة الخلاف هذه كانت موجودة في السابق وستبقى كذلك، وهنا المصالح الأمريكية والتركية لا تتقاطع فيما يتعلق بالملف الكردي تحديدا”.

وأردف الباحث والمحلل السياسي “لذلك قد يكون هناك تغيير في ملفات أخرى، فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية أو ملفات أخرى، لكن سوريا لا أعتقد أنه سيكون هناك تغيير عند كلا الجانبين”.

فيما لم يستبعد مركز “جسور” خلال تقريره المذكور آنفا، أن تكون تركيا تحاول محاكاة الأسلوب الذي استخدمته روسيا في إدلب بين عامَيْ 2018 و2020، عندما أدى الاعتماد على القوة العسكرية إلى تفاهم جديد حول آلية العمل المشترك بإضافة ملحق لمذكرة “سوتشي” الموقعة في أيلول/ سبتمبر 2018، لكن كل ذلك لا يتخطى سقف التوقعات حتى الآن.

واعتبر مركز “جسور”، أن استمرار تركيا في التصعيد قد يضر بدور روسيا كوسيط أو ضامن لـ“قسد”، ما قد يقلل من التزامها بالتنسيق العسكري والأمني ​​مع القوات الروسية في مناطق سيطرتها. مما قد يتسبب في وقوع حوادث احتكاك واستفزاز متعمّد بين الطرفين أو بين “قسد” وقوات حكومة دمشق.

قد يهمك: ما احتمالات توتر العلاقات الأميركية التركية في سوريا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.